انشغلت ألمانيا على مدى اليومين الماضيين بمناقشة مشروع دعم إنساني استثنائي لسورية نسب إلى وزارة شؤون العائلة الألمانية. وبمجرد الإعلان عن مشروع الدعم الضخم الذي أطلق بمبادرة من وزيرة شؤون الأسرة الألمانية مانويلا شفيسغ حتى تحول إلى مادة ساخنة للنقاش وإلى خبر عاجل تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية وأوساط الجالية والمهتمين بالشأن السوري في ألمانيا. ويقضي المشروع الذي تبنته الحكومة الاتحادية عقب مخاض عسير بتأمين حياة افضل لواحد في المئة من عدد الأطفال، ضحايا الحرب في سورية أي ما يعادل خمسة وخمسين ألف طفل عبر نقلهم للعيش في ألمانيا لفترة موقتة تنتهي مع انتهاء الحرب. ويقوم البرنامج على دمج الأطفال السوريين في عائلات من أصول عربية تقطن في ألمانيا أو عائلات ألمانية منفتحة على الثقافة العربية. وتتكفل العائلة الجديدة بشكل كامل برعاية الطفل وإعادة تأهيله وتعليمه: أي تعويضه عما حرم منه خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي عاشها في سورية أو نازحاً على حدودها. ويتضمن برنامج حملة «ألمانيا لإنقاذ 55 ألف طفل» بنوداً وتفاصيل كثيرة أوردتها وزارة شؤون العائلة على موقع إلكتروني خاص، تابع لها، بحيث يمكن للمهتمين أو الراغبين في المشاركة الاطلاع على كافة الشروط التي يتوجب عليهم استيفاؤها، لاستقبال طفل سوري في منزلهم. ويعرض الموقع صوراً لأطفال سوريين التقطت لهم في حلب وهم يحملون لافتات كتب عليها شكراً لألمانيا إضافة إلى صور «راعية المشروع» الوزيرة شفيسغ، مستعرضاً إحصاءات دقيقة لعدد الأطفال الذين تيتموا بفعل الحرب أو أصيبوا أو شردوا، مع أماكن توزعهم على الخريطة السورية وفي بلدان الجوار. يتيح الموقع أيضاً البدء بأول خطوة فعلية على طريق «انتشال» الطفل من بؤر الصراع، من خلال تعبئة استمارة بالبيانات الشخصية والإجابة على أسئلة أولية وتوقيعها وإرسالها من جديد للوزارة، لتقوم الأخيرة «بغربلة» الطلبات والشروع في الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لإحضار الطفل إلى ألمانيا. وفي فيلم مصور أنتج خصيصاً للترويج للمشروع تشرح وزيرة شؤون العائلة مانويلا شفيسغ أنها استوحت الفكرة من مبادرة كانت بريطانيا قد أطلقتها إبان الحرب العالمية الثانية حين سهلت إجراءات استقبال وإيواء أحد عشر ألف طفل يهودي من الذين تيتموا أو هجروا من ألمانيا على يد النازية. وتقديراً لهذا الموقف نظمت مجموعة من الناشطين تظاهرة تأييد للوزيرة شفيسغ أمام مكتبها وسط برلين حيث ارتصفوا الشارع بباقات من الورد ودمى للأطفال وحلوى في التفاتة من قبلهم للتأكيد على أهمية «تحرك» ألمانيا – أخيراً- في تقديم دعم إنساني يليق بمستواها كدولة ذات إمكانات اقتصادية ضخمة وباعتبارها فاعلاً سياسياً هاماً. واستدعى تجمع المتظاهرين وحضور وسائل إعلام عالمية خروج الوزيرة إليهم لتؤكد أمامهم بأن ألمانيا تتحمل مسؤولية أخلاقية في دعم السوريين وأن جهودها مستمرة في هذا الإطار. حبذا لو كان ذلك صحيحاً. فباستثناء الحضور الإعلامي الضخم، كل ما تقدم هو نقد فني ساخر من الموقف الألماني وحملة محكمة التنظيم للضغط على حكومة ميركل واستفزازها. وحتى الوزيرة التي خرجت على المتظاهرين لم تكن سوى ممثلة تقمصت شخصية شفيسيغ. تقول سيموني كانتالا، من مركز الجمال السياسي صاحب العمل الفني والتي تقمصت دور الناطقة الصحافية الرسمية للوزيرة: «صحيح أن كثيرين استهجنوا نقدنا السياسي الساخر باعتباره يولد شعوراً من الإحباط لدى السوريين في الداخل لكننا نرد بالقول بأنه لن يرقى أبداً إلى الإحباط الذي شعر به السوريون على مدى السنوات الثلاث من خذلان ألمانيا وأوروبا لهم». وتختم سيموني «بأن السخرية السياسية بتوظيف مشروع وهمي، ليست هدف مبادرتنا إنما قصدنا بها استفزاز أصحاب القرار في ألمانيا لتحفيزهم ربما على تمويل مشاريع واقعية كدور الأيتام والمدارس حيثما وجد أطفال سوريون شردتهم الحرب».
مشاركة :