فيلما رعب جديدان يحلاّن على الشاشات هذا الشهر وكلاهما عن بيوت مسكونة بالأشباح والقتلة. الأول له جانب كوميدي بعض الشيء وعنوانه «شر آخر» Another Evil لغارسون د. مَـل، والثاني أكثر جدية وعنوانه الذي يحمل معنيين هو Dead Awake («يقظة كلية» أو «الموت يقظاً») للمخرج فيليب غوزمان. ومن بداية هذا العام لم يتوقف سيل أفلام الرعب الطموحة لتحقيق هدفين. إخافة المشاهدين وتقديم مخرجيها بوصفه جيلا مقبلا من السينمائيين الناجحين. الطريقة ذاتها التي سار عليها برايان دي بالما وديفيد كروننبيرغ قبل ابتعادهما عن هذا النوع إلى سواه. كذلك، لن يتوقف هذا السيل بعرض هذين الفيلمين الصغيرين (إنتاجاً)، بل سيمتد حتى نهاية العام. فعدد الأفلام المرعبة التي عرضت والتي تعرض حالياً وستعرض خلال النصف الثاني من السنة يصل إلى 59 فيلما. هذا عدا ما يذهب مباشرة إلى سوق الأسطوانات. * تنفيس وفي حين أن السؤال حول قيمة معظم هذه الأفلام من زاوية فنية محضة لا يحتاج إلى كثير بحث قبل أن يرتد محمّـلاً بتأكيدات على ركاكته أو، على الأقل، توسط مستواه، إلا أن السؤال حول السبب الذي من أجله ما زال الجمهور يحتشد لمثل هذه الأفلام (بصرف النظر عن حجم هذا الاحتشاد) ما زال مطروحاً، ويضاف إليه المزيد من الأفلام والأسئلة والإجابات كل عام. سيغموند فرويد، الطبيب النمساوي، أرجع المسألة أساساً إلى رغبة الفرد في العودة إلى ما قبل الهوية الحضارية له. في دراسته حول الموضوع، ذكر ما مفاده أن المرء يقبل على سرد أو قراءة أو مشاهدة أفلام الرعب (وهو مات بعد 50 سنة من اختراع السينما)؛ لأن في داخله دوماً تلك الدوافع المكبوتة للعودة إلى الشكل البدائي من الممارسات، بما فيها فهمه لحقه في قتل الآخر أو إلحاق الأذى المبرح به. حتى الفيلسوف الإغريقي أرسطو كانت له فتوى في هذا الشأن. قال في معرض تفسيره السبب في حب الناس للمسرحيات التراجيدية العنيفة هو الرغبة في الإفراج عن الكبت الداخلي الذي لا يستطيع الإنسان العادي القيام به ضمن الحاضر الاجتماعي الذي يعيشه، هو «التنفيس» أو Kathrsis بالإغريقية. بذلك، سبق فرويد في توفير السبب النفسي من دون أن يعمد إلى دراسة علم النفس. الثابت أن أشكال الرعب تدور في خارج متناول الحياة اليومية لدى المعظم الكاسح من البشر. الفيلم المرعب، بذلك، هو امتداد لشطحات خيال تبدو مسلية (ماذا لو خرج من تحت الأرض وحش كان متربصاً، أو ماذا لو أن مخلوقاً فضائياً مخيفاً زارنا أو لو أن الصراصير كبرت وأصبحت آكلة للحوم البشر الخ….)، لكنها تبقى بعيدة عن الوجود الفعلي؛ ما يجعل المرء يشعر بأنه يمتلك الزمام الكامل، ومسلح حيال ما هو مخيف إلى أن يقع. ووقوع ما هو مخيف سيكون ضمن مسافة آمنة حين يتم عرض الفيلم على الشاشة. هنا يتبلور التحدي في أن الرجل (أكثر من المرأة) سيشاهد الفيلم؛ لأنه يريد أن يشعر بالخوف، لكنه سيواجه الخوف ببرودة أعصاب. وهذا قد يقع وقد لا يقع نسبة إلى جودة الفيلم من عدمها. * أشكال شتّـى أفلام اليوم والأمس القريب تتغذّى على ما قامت عليه سينما الرعب من العهد الصامت ومن معالمه الصراع بين أناس يمثلون المشاهدين ضد أشرار بأشكال متعددة. الجانب الأول يعكس القدر الكبير من البراءة والحب والإيجابيات التي سيتعاطف معها الجمهور؛ لأنها - في العموم - تمثّـله، والثاني ترجمة لعزم الكاتب والمخرج وضع ثقوب في تلك المسلّـمات عن طريق دفع شخصيات من الوحوش البشرية أو غير البشرية، أو من الأرواح التي ما زالت تعيش في المنازل المغلقة أو من المستقبل غير الآمن، للتصدي للفئة الأولى وتحويل حياتها الهانئة إلى كوابيس متواصلة. بعض الفوارق الأساسية بين أفلام اليوم وأفلام الأمس من سينما الرعب يكمن في أن مصدر التخويف المفضل بات الإنسان ذاته في شكليه الروحاني والبدني. فيما سبق، كان الرعب ناتجا من مخلوقات مخيفة تزورنا من الفضاء، أو تخرج من تحت الأرض أو البحار أو حشرات تتعرض لأشعات نووية فتكبر وتنقض. المخرجون الذين تناوبوا على تلك الأفلام متعددون، لكن أحدهم عالج معظم هذه الأوجه هو جاك أرنولد. أرنولد (المتوفي سنة 1992 عن 76 سنة) قدّم الكثير من الأنواع في مسيرته، لكن أفضل وأشهر ما عرف به من أعمال كانت أفلام الرعب. والرعب في معظمها يختلف كل عن الآخر: هو وحش بحري في «المخلوق من البحيرة السوداء» و«انتقام المخلوق» ووحش من الفضاء البعيد في «جاء من الفضاء الخارجي»، لكنه حشرة العنكبوت الصحراوية الصغيرة التي تتعرض للإشعاع النووي فتكبر في «ترانتولا»، ثم العالم الذي يتعرض لجرثومة تحملها سمكة غريبة فيتحول إلى وحش بشري في «وحش الحرم الجامعي» وصولاً إلى الرجل الذي يستنشق، خلال رحلة بحرية، هواء مسموماً ينتج منه تقلصه المستمر حتى يصبح بحجم مسمار صغير في «الرجل المتقلص». مثل هذه الأفلام، وهناك مئات سواها من أيام الفيلم الصامت والرائع «نوسفيراتو» للألماني مورناو (1922) إلى اليوم مع تطوّر الأشكال والتقنيات الممارسة، تعتمد على الفكرة الغرائبية غير المحتملة. لكن ستانلي كوبريك وألفرد هتشكوك وبرايان دي بالما وجورج أ. روميرو، وسواهم من الذين نجحوا، لجانب ضخ الفن في شريان السينما المرعبة، التعامل مع الحدود المباشرة لما قد يسبب الخوف المدهم، وهو الإنسان العادي ذاته، حيث الرجل (أو المرأة) ليس تماماً كما يبدو، بل صورة عن الذات الداخلية وقد خرجت من عقالها وكبتها ولن تعود. * أفضل 10 أفلام رعب في التاريخ يختلف التقييم من ناقد لآخر، لكن معظم القوائم التي يضعها نقاد ومتخصصون لا بد أن تشمل هذه الأفلام الواردة هنا من دون ترتيب: - «نوسفيراتو» | ف. و. مورناو (ألمانيا، 1922) - «سايكو» | ألفرد هتشكوك (الولايات المتحدة - 1960) - «ذ شاينينغ» | ستانلي كوبريك (الولايات المتحدة - 1980) - «هالووين» | جون كاربنتر (الولايات المتحدة، 1978) - «لا تنظر الآن» | نيكولاس روغ (بريطانيا، 1973) - «فرنكنستين» | جيمس وايل (الولايات المتحدة، 1931) - «عينان بلا وجه» | جورج فرانجو (فرنسا، 1960) - «دراكولا حسب برام ستوكر» | فرنسيس فورد كوبولا (الولايات المتحدة، 1992) - «ليلة الموتى الأحياء» | جورج أ. روميرو (الولايات المتحدة، 1968). - «الناس القطط» | جاك تورنور (الولايات المتحدة، 1942)
مشاركة :