تختلف المساحات الشخصية الخاصة بك من بلدٍ لآخر، والمقصود بهذه المساحة هو المسافة التي تفصلك عن زملائك وأصدقائك والغرباء حين تقف بجوارهم. تقول أماندا إريكسون، الكاتبة بصحيفة ، إنَّها اختبرت شيئاً مشابهاً عند ماكينات الصراف الآلي في مدينة باكو بأذربيجان، حيث كان الزحام حول الماكينات بديلاً عن صفوف الانتظار نفسها. درس علماء الاجتماع الأسباب والكيفيات المتعلقة بفكرة المساحة الشخصية، وتوصلوا إلى بعض النظريات حول سبب وجود هذه الأعراف الاجتماعية؛ منها أنَّ درجة حرارة الطقس تؤثر في كيفية تحديد الأشخاص المساحة الشخصية، وكذلك الجنس والعمر. ولكن يعتقد العلماء أنَّ حدودنا الشخصية تعتمد كثيراً على مكان نشأتنا؛ إذ صنّف هؤلاء الباحثون العالم إلى ثقافاتٍ ترحب بالاتصال واللمس (كما في أميركا الجنوبية، والشرق الأوسط، وجنوب أوروبا)، وثقافاتٍ لا ترحب بهذه الأمور (كما في شمال أوروبا، وأميركا الشمالية، وآسيا). وفي الثقافات غير المرحبة، يقف الأشخاص أبعد قليلاً بعضهم عن بعض، ويتلامسون بشكلٍ أقل. والآن، تُقدِّم دراسةٌ حديثة رؤيةً أوسع لما يتوقعه الأشخاص الذين ينتمون إلى دولٍ مختلفة بعضهم من بعض. درس الباحثون 9000 شخص من 42 دولة لفهم كيفية تحديد المساحة الشخصية بالضبط في مختلف الدول. وللقيام بذلك، سلّم الباحثون كل مشتركٍ في الدراسة رسماً بيانياً يحتوي على شخصين. النساء يفضلن مساحةً شخصية أكبر مع الغرباء من الرجال ثم طلب الباحثون من كل مشترك تحديد المسافة التي يرى أنَّه يمكن لشخصٍ آخر الوقوف فيها بالقرب منه، وما إذا كانت تلك المسافة تتغير بتغيُّر الشخص ودرجة العلاقة. وبعد أن أجرى الباحثون هذه الاستطلاعات، حللوا النتائج وردود المشاركين، واكتشف الباحثون أن الأشخاص في الأرجنتين ودول أميركا الجنوبية الأخرى يحتاجون لمساحةٍ شخصية أقل من الأشخاص في آسيا. وفي بعض الأماكن، كرومانيا على سبيل المثال، قال المشاركون إنَّ الغرباء عليهم الوقوف بعيداً، ولكن يمكن للأصدقاء الاقتراب منهم. وفي السعودية، يقف الأشخاص مع أصدقائهم على مسافةٍ أبعد مما يفعل الأرجنتينيون مع الغرباء. أما في المجر، فيرغب الأشخاص في أن يقف أحباؤهم، والغرباء كذلك، على بُعد ذراع، أو 75 سم على الأقل . وتمتلك الثقافات بعض القواسم المشتركة؛ إذ تفضل النساء مساحةً شخصية أكبر مع الغرباء من الرجال في كل الدول المشاركة بالدراسة تقريباً. ويفضل الأشخاص الذين يعيشون في مناطق دافئة مساحة شخصية أقل من هؤلاء الذين يعيشون في مناطق باردة. ووجدت الدراسة أيضاً ارتباطاً بين التقدم في العمر وزيادة المساحة الشخصية المطلوبة. ويقول الخبراء إنَّ هذه الاستنتاجات مثيرة للاهتمام؛ لأنَّها تساعدنا في فهم الأدوار الاجتماعية. وقالت كاترين سوريلس، وهي أستاذة في جامعة ولاية كاليفورنيا بمدينة نورثريدج، للراديو الوطني الأميركي العام: "المساحة الثقافية توضح لنا الكثير. توضح لنا طبيعة أي علاقة؛ ولذلك إذا اقتحم شخصٌ ما مساحتك الشخصية بصورةٍ مختلفة عمَّا اعتدته، تشعر عادةً بأنَّ هناك شيئاً غريباً". وتضيف سوريلس: "ويمكن أن تُخطئ فهم شخصٍ ما بسهولة إذا نظرت للأمر من منظورك الثقافي فقط".
مشاركة :