أياد علاوي.. أم الخسائر بقلم: إبراهيم الزبيدي

  • 5/5/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

المالكي لم يتغير، ولم يعلن أنه تخلى، أو سيتخلى عن نهجه الديني الطائفي، ولا عن فكره الظلامي المتخلف، ولا عن طائفيته وتبعيته الإيرانية، ولم يتعهد بأن يخفف عداءه المبدئي للعلمانية.العرب إبراهيم الزبيدي [نُشر في 2017/05/05، العدد: 10623، ص(8)] صدام حسين وبشار الأسد، وقبله والده حافظ الأسد، يُصنفون ضمن قائمة الحكام العلمانيين، فقط لأنهم غير معممين، ولأنهم جعلوا شرعيتهم مُنتجة علمانية تلدها انتخابات واستفتاءات شعبية وليست مرجعية دينية أو عشائرية أو عسكرية. برغم أنهم جميعا، ومَن على شاكلتهم، جاؤوا بدبابة، وسقط من سقط منهم بدبابة، ومنهم من ينتظر، وبرغم أن كل واحد من هؤلاء الجزارين المتمرسين في السلخ والنفخ كان يذبح العلمانية والديمقراطية كل يوم وكل ساعة، ويلطخ وجهها بدماء ضحاياه، ويجعل منها مرادفا للظلم والدكتاتورية وحكم السكين والخنجر والساطور، وسلطة الشبيحة والحرس الجمهوري والمخابرات. وفي عراق ما بعد الاحتلالين الأميركي والإيراني للعراق لقيت العلمانية نفس المصير. فيكفي، لكي تصبح علمانيا وربما قائدا للعلمانيين في العراق، أن تكون “أفنديا” غير معمم، وأن تكثر من الحديث عن الديمقراطية، وعن “عدالة” توزيع الوزارات والمناصب، وأن “تناضل” مع مخابرات أجنبية، غير إيرانية، أميركية أو بريطانية أو أردنية أو سعودية مثلا، وأن تخاصم السياسيين المعممين، ولكن دون أن تتجاوز الخطوط الحمر التي تضعها سفارة الولي الفقيه في بغداد، أو إحدى ميليشياتها “المقدسة”. “أخونا” الدكتور أياد علاوي، برغم جذوره “الحرس قومية” البعثية السابقة ارتدى ثياب العلمانية مبكرا، من أيام انقلابه على حزبه، حزب البعث، وجهاده المضني من أجل تشكيل معارضة عراقية “بعثية” من عسكريين وسفراء وصحافيين وطلبة هاربين من نظام صدام حسين. ولإثبات ما أهمله التاريخ علينا أن نُذكر بأنه ظل مُبعدا وغير مرغوب فيه في نادي قادة المعارضة العراقية التي شكلها الإسلاميون والبعثيون العراقيون السوريون وقادة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، برعاية مخابرات سوريا الأسد ونظام الولي الفقيه، قبل أن تقفز المخابراتُ الأميركية إلى مركبها وتتولى تمويلها وإعداد قادتها لوراثة نظام صدام المقرر ترحيله، أميركيا وإيرانيا وسوريا، في أقرب فرصة. ويقال إن سبب رفض المعارضة الأميركية السورية الإيرانية السماح لأياد علاوي بدخول ناديها المغلق الخاص بها يكمن في شراكته مع المعارض صلاح عمر العلي، وهو الوزير السني التكريتي، عضو القيادة القطرية لحزب البعث، عضو مجلس قيادة الثورة، والسفير السابق الذي احتضنته السعودية، ومولت لهما منظمة “الوفاق”. ولم يُسمح له بالانضمام إليها إلا بعد أن انقلب على رفيقه الذي فتح له باب الزعامة، واستحوذ على مالية “الوفاق” وأختامها وجريدتها “بغداد”. ومن أول أيام مؤتمر فيينا الذي أنجب المؤتمر الوطني الموحد بزعامة (ابن خالته) أحمد الجلبي أصبح أياد علاوي أحد أعضاء قادته الكبار، بدافعيْن، الأول موافقة إيرانية باعتباره شيعيا عائدا إلى أحضان إخوته في الطائفة، والثاني إجازة أميركية باعتباره “علمانيا” قد ينفع أميركا داخل البيت الشيعي ذات يوم. وقد يكون سبب القبول به رئيس وزراء تسوية مؤقتة، في العام 2004، لأشهر انتقالية معدودة هو براءته من المعارض السني صلاح عمر العلي ومن السعودية، ومن البعثيين المعارضين لصدام الرافضين لأي تبعية تنظيمية أو مالية أو سياسية مع إيران ووكلائها الإسلاميين العراقيين. وظل يحافظ على لقب “العلماني” في جميع الانتخابات العراقية المتعاقبة، الأمر الذي جعل الفيتو الإيراني يحرمه من حلم العودة إلى كرسي رئاسة الوزراء، وبموافقة أميركية، أيضا، ولكن على مضض. ومن العام 2005 وحتى اليوم لم يتوقف عن الجري المضني نحو كرسي الرئاسة، واللجوء إلى أي وسيلة، وأي تحالف مع أي كان، عراقيا أو عربيا أو إقليميا أو دوليا، يمكن أن ينيله كرسي الرئاسة، دون جدوى. وقد جره هذا العشق المرضي لكرسي الرئاسة إلى أن يتميز بتقلباته وتحالفاته غير المقبولة وغير المنطقية وغير العقلانية التي لم تبعد عنه الرئاسة فقط بل دفعت بكثيرين من أتباعه في قائمته السابقة، (العراقية)، وفي قائمته الحالية، (الوطنية) إلى الاختلاف معه، والخروج من تنظيمه، بل التشهير به وبمزاجيته ودكتاتوريته في القيادة، و“ألفاظه” التي لا تليق بقائد سياسي، البتة. ويبدو أن أياد علاوي بلغ سن التقاعد، ودليل ذلك أن شيئا من اللامعقولية جعله يجلس ويضحك ويتحاور ويتفاهم مع ألد أعدائه وأعداء “العلمانية” التي أنفق كل سنوات نضاله “الوطني” من أجل التبشير بها وحمايتها من مؤامرات أشد أعدائها وأكثرهم تشويها لسمعتها وتسفيها لحقيقتها. إليكم هذا الخبر. “ذكر بيان لمكتب نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي أن رئيس ائتلاف دولة (القانون) استقبل نائب رئيس الجمهورية رئيس ائتلاف (الوطنية) الدكتور أياد علاوي والوفد المرافق له، حيث شدد الطرفان على تعميق الحوارات بين مختلف القوى السياسية لإنضاج مشروع (وطني) يلتف حوله الجميع في المرحلة المقبلة”. فهل هناك خسارة أكبر من هذه؟ لقد كان الديمقراطيون والعلمانيون العراقيون، وما زالوا، بحاجة إلى قطب سياسي من داخل العملية السياسية يقودهم ويوحد جهودهم وأصواتهم، ويؤسس جبهة قوية موحدة قادرة على أن تُشاكس جبهة الإسلاميين، الشيعة والسنة، وتُغير توازن القوى معها، وتفتح أبواب أمل جديد للشعب العراقي للخلاص من شلل المتحاصصين المتقاسمين الوطنَ وأهله وخيراته. (باسم الدين سرقونا الحرامية). ولكن الدكتور إياد علاوي خيب آمال العلمانيين العراقيين، حين ذبح بسكينه، تاريخه العلماني بلقائه مع الذي كان قد وصفه مرارا بأنه “الدكتاتور المتسلط والمهيمن على القضاء، ومستخدم الدولة وأجهزتها وثرواتها لخدمة مصالحه الشخصية والحزبية والطائفية، وملفق الملفات اللئيمة التي يستخدمها لإسقاط خصومه السياسيين”. إذن فالمالكي لم يتغير، ولم يعلن أنه تخلى، عن نهجه الديني الطائفي، ولا عن فكره الظلامي، ولا عن طائفيته وتبعيته الإيرانية، ولم يتعهد بأن يخفف عداءه المبدئي للعلمانية، ولا أن يتوقف عن حروبه الدامية ضد كل من يدعو إليها ممن اتهمهم المالكي، أكثر من مرة وعلنا بها وبالإلحاد والكفر والعمالة وخدمة مخططات دول إقليمية معادية لإسقاط “المشروع الإسلامي”. الحقيقة هي أن علاوي خسر، وسيخسر، مودة ملايين المواطنين، شيعة وسنة، عربا وأكرادا، مسلمين ومسيحيين، ممن كانوا يؤملون أن يقود ثورتهم على دكتاتورية الإسلاميين، وعلى قائدهم المالكي. فقد أثبت أنه الوجه الثاني من العملة الرديئة ذاتها. كاتب عراقيإبراهيم الزبيدي

مشاركة :