بغداد ـ يشهد العالم المعاصر تحولات جذرية في أشكال التواصل العمومي. وقد استجابت بعض العلوم الإنسانية لهذه التحولات، من خلال اقتراح أفكار، أو نظريات، أو منهجيات معرفية جديدة. ويُعدُّ توجه "بلاغة الجمهور"، الذي أسسه الأكاديمي المصري د. عماد عبداللطيف، استجابة علمية لظاهرة تزايد أهمية الجمهور في التواصل المعاصر. ويسعى هذا الحقل المعرفي إلى دراسة العلاقة بين بناء الخطاب، وأدائه، وتداوله من ناحية، واستجابات الجمهور الفعلية له من ناحية أخرى. وقد تزايد الاهتمام الأكاديمي ببلاغة الجمهور في العالم العربي خلال العقد الماضي، وأحد علامات هذا الاهتمام هو صدور كتاب "بلاغة الجمهور: مفاهيم وتطبيقات"، عن دار نشر شهريار العراقية. والكتاب حرره الناقد العراقي الدكتور صلاح علي حاوي، والباحث المغربي الدكتور عبدالوهاب صديقي، ويتضمن أربع عشرة دراسة لباحثين متخصصين في تحليل الخطاب، واللسانيات، والبلاغة الجديدة، قدّموا فيها المفاهيم الأساسية لبلاغة الجمهور، ومنهجيات تحليلها، وأمثلة تفصيلية لتطبيقها على الخطاب الاجتماعي، والسياسي، والديني، والأدبي، والإعلامي. يسعى كتاب "بلاغة الجمهور" إلى تقديم إضافة جذرية إلى البلاغة العربية المعاصرة؛ إذ يستكشف آفاقًا جديدة للعلاقة بين البلاغة ونظريات التلقي، والتواصل، وتحليل الخطاب. كما يُطوّر مداخل منهجية، وتطبيقات دقيقة مبسطة، لدراسة كمٍّ وافر من الاستجابات الجماهيرية على أعمال روائية، وسير شعبية، وخطب سياسية، ووعظ ديني، وتعليقات فيسبوك، وغيرها؛ وذلك بهدف تعبيد الطريق أمام الباحثين الراغبين في ارتياد أفق بلاغي جديد، يُعنى باستجابات الجمهور في الفضاءات العمومية. يبدأ الكتاب بمقدمة للمحررين، استعرضا فيها جزءًا من تاريخ علم البلاغة، من البلاغة الكلاسيكية القديمة وصولا إلى بلاغة الجمهور. تعقبها دراسة افتتاحية للدكتور عماد عبداللطيف بعنوان "ماذا تقدم بلاغة الجمهور للبلاغة العربية؟". يتلوها القسم النظري من الكتاب الذي يحتوي على ست دراسات؛ الأولى للدكتور إدريس جبري، رئيس تحرير دورية البلاغة وتحليل الخطاب، بعنوان "في علاقة البلاغة العامة بالبلاغات الخاصة: بلاغة الجمهور عند عماد عبداللطيف نموذجًا". ثم دراسة "في مفهوم بلاغة الجمهور" للباحث المغربي الأستاذ سعيد بكار. أما البحث الثالث فيتناول "بلاغة الجمهور ونظريات التواصل: نظرية التلقي نموذج التلاقي والاختلاف" للعراقي دكتور صلاح حسن حاوي، الرئيس السابق لقسم اللغة العربية بجامعة البصرة. يعقبه بحث "بلاغة الجمهور: مفاهيم وقضايا"، للدكتور عبدالوهاب صدّيقي الباحث في جامعة ابن زهر بأكادير. ويختتم بدراسة "منهجيات دراسة الجمهور: دراسة مقارنة" دراسة نظرية ثانية للدكتور عماد عبداللطيف. يتكون القسم التطبيقي من ثلاثة محاور؛ المحور الأول هو بلاغة الجمهور والخطاب الديني، وفيه دراستان؛ هما "بلاغة الجمهور في تلقي الخطاب الديني: تلقي الفتوى نموذجا" للباحثة الجزائرية حامدة ثقابت المتخصصة في تحليل الخطاب في جامعة محمد البشير الإبراهيمي، ودراسة "بلاغة جمهور الخطاب الديني في الفضاء الافتراضي، للباحث في البلاغة وتحليل الخطاب بجامعة القاهرة ضياء الدين محمد. المحور الثاني يدور حول بلاغة الجمهور والخطاب السياسي، وفيه ثلاث دراسات: "بلاغة المقاومة: الجمهور وخصائص الاستجابة النقدية البليغة لمؤسسة الحكم" للكاتبة بسمة عبدالعزيز من مصر. و"بلاغة الجمهور بين الفكاهة والعنف اللفظى"، الدكتور بهاء الدين أبو الحسن مزيد، من جامعة سوهاج بمصر وكلية البريمي الجامعية بالإمارات العربية. و"بلاغة الجمهور والخطاب السياسي المغربي المعاصر في الفضاء الرقمي"، للدكتور عبدالوهاب صدّيقي. المحور الثالث من القسم التطبيقي يدرس بلاغة الرواية والسرد، وفيه دراستان: "السيرة الهلالية والتلقي الشعبي: دراسة في أشكال الاستجابات الجماهيرية"، للدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة. أما الدراسة الثانية فهي للدكتور ممدوح النابي، أستاذ الأدب والنقد الحديث المشارك ـ كلية الإلهيات بتركيا، وعنوانها "السُّلْطَةُ الخَادِعَةُ... والوَعي الزَّائِف - جمهور الرواية – رواية الجمهور".
مشاركة :