لا أقراص مهدئة قبل المناظرة التلفزيونية بقلم: كرم نعمة

  • 5/6/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لن يخسر قادة الأحزاب البريطانية الفرص المتوخاة من المناظرة التي لن تقام، بقدر ما ستخسر وسائل الإعلام فرصة ذهبية في انتخابات عنوانها الصحافي بريكست لم ينته بالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.العرب كرم نعمة [نُشر في 2017/05/06، العدد: 10624، ص(18)] خسرت وسائل الإعلام البريطانية فرصة متصاعدة في صناعة قصة إخبارية متفاعلة وحية على مدار أيام، برفض رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وزعيم حزب العمال جيرمي كوربين إجراء مناظرة تلفزيونية قبيل الانتخابات المؤمل إجراؤها الشهر المقبل. إغراءات وسائل الإعلام لم تكن كافية بالنسبة لرئيسة حزب المحافظين التي تترقب نتيجة وضع سياسي ملتبس ومتقاطع، لأن فكرة المناظرة في هذا الوقت عاجزة عن إيصال فلسفتها الانتخابية إلى الجمهور، وفق المفهوم الديمقراطي البريطاني وليس الانتخاب الرئاسي الأميركي أو الفرنسي، كما رفض الفكرة زعيم حزب العمال جيرمي كوربين لأنه لا يعد تيريزا ماي بشخصها خصمه، بل الخصام يكمن في اختلاف فلسفة الحزبين لقيادة الدولة في وقت جعل بريكست بريطانيا العظمى تسير على قدم واحدة، بينما وسائل الإعلام تراكم حشدا من تحليلات وآراء لا تفضي إلى حلول. من يضع الحل: السياسيون أم وسائل الإعلام القوية المؤثرة، أم الاثنان معا! مثل ذلك لن يتجسد، على الأقل خلال الأسابيع المقبلة في مناظرة على الشاشة تجمع قادة الأحزاب البريطانية، فالسياسي الذي يفتقد إلى معرفة غرائز وسائل الإعلام في النظم الديمقراطية سيسقط حتما إن خاض المناظرة أو لم يخضها. هذا أمر محبط لوسائل الإعلام البريطانية التي تبحث عما يمنحها المزيد من القصص الصحافية التي تولد بدورها قصصا أخرى بعد كساد الأخبار. مع أن بعض المتشائمين الذين لا يثقون بوسائل الإعلام، يصفون نتائج المناظرات التلفزيونية بأنها وسيلة لإنتاج الجهل في عقول الناخبين! إلا أن كلمات مثل الاعتناء باللغة ورباطة الجأش والثقة بالنفس واختيار توقيت المبادرة، وغيرها من الصفات الكلاسيكية التي بات على المرشحين للانتخابات أن يضعوها في أولويات حملاتهم، لن تجد مساحة في الصحف البريطانية قبيل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها، لأنها ببساطة كلمات لا يمكن العودة إليها من قبل الصحافيين إلا بعد المناظرة التلفزيونية التي لن تحدث. تتسم المناظرة التلفزيونية قبل الانتخابات عادة بالعاطفية وتجمع وسائل الإعلام على أهميتها من دون تردد، لذلك جعلت منها قصة دائمة تعيد التذكير بها حتى من دون مناسبة، فليس من السهولة أن ينسى الأميركيون مثلا جملة رونالد ريغان وهو يسخر أثناء المناظرة من صغر سن منافسه الديمقراطي آنذاك والتن ماندل، قائلا إنه لن يركز على كبر سنه ويستغل صغر سن منافسه وقلة خبرته! مارين لوبان مثلا مؤدّية تلفزيونية ماهرة وتستمتع بالمناظرات التلفزيونية التي تغلب عليها لحظات حاسمة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، على الطرف الأوروبي الآخر الذي يمس بريكست البريطاني. ماذا عن جيرمي كوربين، سيعود الكلام مجددا إن دخل في مناظرة قبل الانتخابات عن بدلته العتيقة ولحيته غير المشذبة ويساريته المفرطة، وهي صفات سبق وأن تهكم عليها رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون تحت قبة البرلمان. واليوم أعادها الكاتب سايمون جينكينز في مقال له بصحيفة الغارديان، بطريقة أنه غير قادر على تقديم نفسه كرئيس وزراء محتمل ولا زعيم لحزب العمال! بالطبع لن يكون الأمر مثلما وصف دونالد ترامب خصمه هيلاري كلينتون قبل مناظرتهما، بأنها نشيطة جدا مقترحا إخضاعها لفحوصات تعاطي المنشطات! مع ذلك لا يشكك البعض في أن بعض السياسيين والإعلاميين يتعاطون أقراصا مهدئة تسبق المناظرة التلفزيونية. لا تلعب بعض وسائل الإعلام مع خيار الناخبين، بقدر ما تصنع قصتها من المناظرة التي تجني الأموال منها، فالخداع عندها آنذاك كالواقع. يتطلع الناخبون إلى المناظرة التلفزيونية بين المرشحين وقادة الأحزاب، من أجل اتخاذ قرارهم الانتخابي، مثلما يتهيأ معد ومدير المناظرة لإعداد مهامه الصحافية على أحسن وجه، ولن يغفر له الجمهور التغاضي والتراخي في إطلاق الأسئلة الملحة. ثمة ما ينتظر الصحف بعد المناظرة، التحليل قصة إخبارية مهمة، وما حدث على شاشة التلفزيون بين المتناظرين بحاجة إلى طاولة تشريح نقدي بعدها، واحتمالات وتأويلات وتسجيل وعود مقبلة. المحللون النفسيون ومحللو مهارات التواصل يدخلون على الخط أيضا، إنهم يراقبون دلالات الكلمات وحركات أيدي المتناظرين وتعبيرات وجوههم. توجد مشكلة في محاولة إقناع الناخبين من خلال آراء المرشحين أو تأثيرات صناعة الخطاب الإعلامي المخترق للعقول، خصوصا في مفهوم الحقائق، يمكن أن تبدو الحقيقة وكأنها تهديد، وهذا الأسلوب يغلب عليه أن يأتي بنتائج عكسية، وفق جيسون رايفلر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إكستر، الذي يقول “يستجيب الناس في الاتجاه المعاكس، وهذا الأثر المتضمن وجود نتائج عكسية”. في كل الأحوال، لن يخسر قادة الأحزاب البريطانية الفرص المتوخاة من المناظرة التي لن تقام، بقدر ما ستخسر وسائل الإعلام فرصة ذهبية في انتخابات عنوانها الصحافي بريكست لم ينته بالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويا لخيبة الإعلام البريطاني من دون مناظرة بين امرأة وصفت بالحديدية 2 ويساري مازال متشبثا بلحية اشتراكية هرمت منذ عقود! كاتب عراقي مقيم في لندنكرم نعمة

مشاركة :