تحقيق: أنور داود نسمع دائماً من الشركات التي تفكّر في التحوّل إلى شركات مساهمة عامّة، أنها تستعد للطرح العام الأولي، ولكن «في الوقت المناسب». فما هي المعايير التي تأخذها الشركات لتحديد هذا «الوقت المناسب»؟وإذا كان الاكتتاب العام والتحول إلى شركة مساهمة عامة قراراً استراتيجياً، ويحقق مزايا كبيرة للشركات وحلولاً مرنة وطويلة الأمد لزيادة رأس المال ولتطوير البنية التنظيمية للشركة، فعملية التحول لشركة مساهمة عامة تعمل على تطوير استراتيجيات أعمال سليمة تدعمها خطط مالية مدروسة. وللشركات العائلية يقدّم الاكتتاب العام استدامة طويلة المدى للشركة التي تملكها العائلة لأجيال قادمة.«الخليج» استطلعت آراء خبراء في أسواق الأسهم المحلية؛ للوقوف على معايير تحديد الوقت الأنسب للاكتتاب العام، حيث اتفق هؤلاء على أن مسألة «توقيت الإدراج» تعتبر من الأمور الأساسية التي تأخذها الشركات بعين الاعتبار عند التحول إلى مساهمة عامة، مشيرين إلى أن «شهية المستثمرين» و«السيولة القوية» و«التحركات الإيجابية» في أداء الأسواق تعتبر أبرز محددات التوقيت «المناسب» للإدراج في السوق.قال وضاح الطه، الخبير المالي، عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في الإمارات، إن «السيولة لا تزال العامل الأساسي لتحديد موعد الإدراجات»، مشيراً إلى أن «الاكتتابات الأولية تمتص سيولة التداولات المتدنية أصلاًَ، وبالتالي ترهق سيولة التداولات اليومية». وأضاف أن «إدراج الشركات يرتبط كلياً مع ارتفاع قيم وأحجام التداولات في السوق».وأوضح الطه أن «الأولوية في الإدراج دائماً للشركات النوعية، التي توفر قيمة مضافة للأسواق المالية»، مشيراً إلى أن «الشركات المعروفة ذات الربحية ولديها سجل تاريخي لها أولوية الإدراج».وأكد أن على الشركات التي ترغب في الإدراج أن تناقش مع هيئة الأوراق موضوع «الدفع الآجل»، بحيث لا يتم استدعاء كامل القيمة الاسمية عند الطرح إذا كان حجم الطرح كبيراً، وخاصة أنه سيؤثر في التداولات، وبالتالي قد يؤدّي إلى إفشال الإدراج.ولفت الطه إلى أن شركة إشراق العقارية مثلاً اتخذت هذا الإجراء عند الاكتتاب في العام 2011، وذلك بسداد نسبة 25% من قيمة السهم الواحد عند الاكتتاب، وسداد الباقي خلال عامين، ويمكن لشركات أخرى أن تخطو مثل هذه الخطوة.وأوضح أن الإدراج يعتمد على جاذبية الشركة ونوعها، ولا يتم الحكم على نجاح الإدراج بسبب هبوط الأسواق، مشيراً إلى أنه كلما كانت الأجواء إيجابية أصبح من السهولة استيعاب الاكتتابات.وذكر أن أمام الشركة فرص نمو حقيقية إن لم يكن في السوق الثانوية للسهم، فسيكون في السوق الثانية التي تسهل على الشركات الخاصة عملية التوسع والحصول على التمويلات اللازمة. شهية المستثمرين من جانبه، قال مجد المعايطة رئيس قطاع خدمات الأوراق المالية في بنك أبوظبي الأول إن «التوقيت المناسب» للتحول لشركة مساهمة عامة، يحكمه عوامل رئيسية، وهي شهية المستثمرين والحركة الإيجابية للمؤشرات، وارتفاع التداولات وتجاوب المستثمرين مع السوق.وأضاف المعايطة أن «الشركات تتجنب فترات هبوط الأسواق، والأجواء الضبابية التي تتزامن مع الأخبار السلبية والتوترات الجيوسياسية»، مشيراً إلى أن «الإدراج في هذه الأوقات سوف يعرض الشركة لخصم قيمتها مع تراجع السوق، وبالتالي فقدان القيم العادلة للسهم».وأكد أن «الإدراج يتطلب الهدوء والاستقرار المائل للارتفاع، حتى تحصل الشركة على تقييم عادل لورقتها المالية، وبالتالي الاستفادة من إدراجها في السوق المالي». وقال المعايطة: «ننصح الشركات التي تعتزم الإدراج، الابتعاد عن مواسم التوزيعات لتفضيل المستثمرين هذه الشركات على المدرجة حديثاً، لا سيما أن الاستفادة من التوزيعات تعتبر من أوليات المستثمرين في السوق الباحثين عن تحقيق أعلى عوائد على استثمارهم، وبالتالي عدم تحقيق الطرح أهدافه المرجوة».وذكر أن «هنالك عدة شركات جاهزة للتحول لمساهمة عامة، لكنها تنظر الوقت المناسب بناءً على محددات تعمل عليها هذه الشركات».وأوضح أن «الأسواق المالية على الصعيد المحلي والإقليمي تشهد حالة من الضبابية حول دخول استثمارات جديدة، وإن كان هنالك ثقة في أسهم معينة، التي لا زالت تحقق عوائد مهمة للمستثمرين وتحافظ على أرباحها»، مشيراً إلى أن «المساهم يبحث عن قطاعات تحتوي على فرصة جديدة ذات قيمة استثمارية عالية، تحافظ على القيم الحقيقية للثروات وتنميها».وأبدى المعايطة تفاؤله حول أداء أسواق الأسهم المحلية في 2017، وقال إن «البداية تعتبر عودة قوية للسوق وسط نمو وتنوع في الاقتصاد المحلي». قصة نجاح كذلك، قال وليد الخطيب الخبير المالي في أسواق الأسهم، إن مسألة توقيت إدراج الشركات تعتبر من الأمور المهمة التي تأخذ بعين الاعتبار عند التحول إلى مساهمة عامة، مضيفاً أن هنالك عوامل رئيسية تحدد «توقيت الإدراج»، والتي ترتبط بشكل رئيسي بنجاح الشركة وأوضاع السوق.وأضاف الخطيب أن الشركات التي تعتزم الإدراج في السوق المالي، يتطلب منها تسويق نفسها كقصة نجاح، توفر قيمة مضافة للسوق والمستثمرين، ضمن أدائها الحالي والمستقبلي لتشجيع المستثمرين للتجاوب مع طرحها العام، مشيراً إلى أن كون الشركة المدرجة من قطاع نوعي وجديد، سوف يدعمها في السوق من خلال الحصول على تقييم مناسب.ولفت الخطيب إلى أن الشركات تتجنب الإدراج في حالات ضعف الأسواق و انخفاض المؤشرات المتكرر، وخاصة في غير الموسمية التي تتميز بضعف الشهية عند امتناع المستثمرين عن السوق لأسباب عدة، حتى يسجل الإدراج أداء إيجابياً يتفوق على الإدراجات السابقة.وأوضح الخبير المالي أن التوقيت المناسب يتضمن الإدراج خلال بداية صعود السوق التي تمتاز بتوفر أحجام وقيم تداولات قوية، تتناسب مع حجم الطرح، حتى يكون هنالك اهتمام وإقبال للمستثمرين، سواء من المحليين والمؤسسيين، مشيراً إلى أن على الشركات تجنب الإدراج في أواخر الارتفاعات، حتى لا تشهد الشركة موجة بيعية مع وصول السوق إلى مستويات عالية.وتابع أن على الشركات توزيع مواعيد اكتتاباتها على الموسم، وعدم طرحها في فترة واحدة، بسبب توزع السيولة، وبالتالي فقدان التجاوب الكامل مع الإدراج، موضحاً أن الربع الثالث عادة ما يكون الأضعف بسبب الصيف وموسم العطلات للشركات والمستثمرين؛ ولذا فإن توزيع الإدراجات على الربع الأول والثاني، من الأمور المهمة لتحقيق أفضل المكاسب. أداء الاقتصاد وأكد الخطيب أن أداء الاقتصاد يعد من أبرز العوامل المؤثرة في مواعيد الإدراجات وتجاوب المستثمرين، وخاصة أن تطورات الأداء الاقتصادي وزيادة الإنفاق على البنية التحتية، وتحقيق الفوائض في الميزان التجاري، ينعكس على تجاوب المستثمرين مع الأسواق.وقال، إن هبوط أسعار النفط، وانعكاسه على أداء الشركات والأرباح، يمثل عائقاً أمام الشركات التي تعتزم الإدراج، لاسيما أن النفط يعتبر عنصراً مهماً في تحريك الاقتصاد، مشيراً إلى أن الاضطرابات الجيوسياسية تمثل عائقاً آخر يمكن أن يسبب قلقاً للمستثمرين، وبالتالي فإن خوض تجربة الإدراج في هذه الأوضاع سيفشل العملية.وأضاف، «على الشركات اختيار الوقت المناسب للإدراج، ولهذا نرى عدداً من الشركات تؤجل مواعيد طرحها لتحسن ظروف السوق». عمق السوق أوضح الخبراء أنه يمكن للشركات التي تتطلع للإدراج، مناقشة هيئة الأوراق المالية والسلع فيما يخص إمكانية تطبيق أحد بنود قانون الشركات الذي ينص على إمكانية إصدار الأسهم، وفق آلية دفع ما لا يقل عن 25% من قيمتها الاسمية، وسداد باقي قيمتها خلال فترة لا تجاوز 3 سنوات من تاريخ قيد الشركة.جاء في قانون الشركات التجارية، الفصل الخامس المادة 207، يشير البند رقم (2) أنه «يجوز إصدار الأسهم بدفع ربع قيمتها الاسمية على الأقل، على أن يتم سداد باقي قيمتها خلال فترة لا تجاوز 3 ثلاث سنوات من تاريخ قيد الشركة لدى السلطة المختصة» والذي لا يتعارض مع البند رقم 1 الذي ينص على أنه «لا يجوز أن تكون القيمة الاسمية للسهم في الشركة أقل من درهم واحد، ولا أن تزيد على 100 درهم».وأشار الخبراء إلى أن العديد من الشركات قامت بتأجيل مواعيد إدراج أو طرح أولي عام، حتى يتسنى لها التأكد من رغبة المستثمرين في المشاركة في الاكتتاب والحصول على التغطية، والتي تتزامن مع تحسن السيولة وأسعار النفط، وزيادة جاذبية السوق للمستثمرين. كذلك، أكد الخبراء أنه ينبغي إعطاء الأولوية لإدراج شركات ذات القيمة المضافة، والتي تأتي من قطاعات نوعية تساهم في زيادة عمق السوق، مشيرين إلى أن تشجيع الشركات وتقديم الدعم الكامل لها، سوف يجعل الإدراج خياراً مفضلاً للعديد من الشركات.
مشاركة :