لو كان الاستبداد رجلاً، وأراد أن ينتسب، لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة. وفي الحالة الفلسطينية الاستبداد رجل لكنه يتنكر لكل هذا. ويتعرى من كل تلك المصطلحات. ولا يعترف بها ولا يقيم لها وزنا ما دام يمارسها بكل اريحية دون ان ترفع له كف او كرت أحمر لايقاف المهزلة التي يذهب ضحيتها شعب لا زالت علامات الوجع من الاحتلال ظاهرة على جلده. كم مرت من الأيام والسنين على مسلسل المفاوضات وكم عاشرنا الاحتلال باحلام السلام الوهمية قبل ان يوقظنا الصباح ويبشرنا بحقيقتها التي لا تعدو سرابا لا اكثر. كم تغير على البيت الابيض من رؤساء لم نحصل منهم الا على الوهم. حين تكون المرحلة التي تمر من عمر القضية الفلسطينية مرحلة حساسة لا تقبل المجازفة والخروج عن النص والتشذر بعيدا عن المشهد. حين يتعلق الامر بمعركة يخوضها الاسرى في داخل السجون بعدما فشل من هم خارج السجون ان يشكلوا مشهدا ولو لبروفا واحدة لمعركة مع الاحتلال. لكن معارك القيادة وما اكثرها لم تكن الا داخل الصالات والقاعات في الامم المتحدة وهيئاتها المختلفة. تارة يحصلون على اعتراف وتارة على تصويت. هذا كله امام الاعلام والرأي العام. اما على ارض الواقع فلا شي يتغير. فلا دولة ولا وحدة ولا تحرر ولا حرية ولا اي شي جديد. فمعركة الاسرى وما نتج عنها من زخم على كافة المستويات كان لا بد من استغلالها والبناء عليها، لكن مثل هذا إنما يحدث في الدول او الحكومات التي تحترم نفسها. اذا تعرضت حياة مواطن واحد للخطر قد ترى الرئيس او رئيس الوزراء يقطع الزيارة او يلغي كافة اللقاءات او قد يؤجلها نظرا لحساسية الموقف. اما هنا في فلسطين وحين التحم الاسرى بأمعائهم الخاوية مع المحتل ووحدات قمعه، أهملت القيادة تلك الملحمة الاسطورية، وذهبت الى حواضر البيت الابيض لكي تحيي مشروعا هو في عداد الموتى. ذهب الرئيس وحاشيته للقاء دونالد ترامب. وحصل ذلك حين تبادلا الابتسامة والثقة واخذا الصور الجماعية. دون ان يكون اسم الاسرى حاضرا او يكون صدى صوت معركتهم النبيلة مدويا على مسامع ترامب وحكام البيت الابيض الجدد. حينها كان الرئيس الفلسطيني خارج نطاق التغطية. كان ذهابه لواشنطن كذهاب شاب الى مرقص تاركا والده في مستشفى الطوارئ. ذهب عباس الى واشنطن وفي قلبة نقمة على غزة متوعدا اياها بعقاب الاب لولده الشاذ. وهي التي اعادت جزءا من هيبة القضية المفقودة. ذهب وهو خارج التغطية لكل الهم الوطني لكي يشكوا نتنياهو لترامب ويفتتح بازار مفاوضات جديدة قد تؤدي الى الصفقة الكبرى التي يتحدث عنها الاعلام وهي من صنيعة دونالد ترامب وصهره. لم يذهب الرئيس كصاحب حق. ولم يحمل معه اوراق قوة. ذهب ضعيفا كالمتسول على ابواب اميركا طالبا منها الحل السحري لانهاء احتلال قال لنا التاريخ عنه يوما ان ما اوخذ بالقوة لا يسترد الا بها. كان بودنا ان تذهب حاملا معك وجع وطنا دمره ظلم الاحتلال وحين تقرر الوقوف ضد الظلم، توقع أنك سوف تُشتم ثم تتخون ثم تكفر. لكن إيّاك أن تسكت عن الظلم من أجل أن يقال عنك أنك رجل سلام. ظاهر الشمالي
مشاركة :