يَعتبرُ أينشتاين أن "الجنون هو أن تفعل نفس الشيء مرة بعد أخرى وتتوقع نتائج مختلفة!". ومن هذا المنطلق فلا يمكننا حل المشكلات المستعصية إذا ظللنا نفكر بنفس العقلية التي أوجدت تلك المشكلات، وهذا ما نحن واقعون فيه الآن، نفكر في (الحل) وما زلنا بنفس عقلية صناعة المشكلة، ونفكر في (السلام) وما زلنا بعقلية عصابات الموت وتجار السلاح، ونفكر بإمكانية (جمع الكلمة) ولا زلنا بعقلية قاطع الطريق الذي يُقسِّم الناس وفقاً لانتماءاتهم المناطقية أو المذهبية أو الحزبية أو غيرها. العقلية التي نفكر بها عقلية ساذجة وسطحية تؤمن بالخوارق والأساطير والمعجزات والحلول السحرية لكل المشكلات، وبالمقابل يتراجع إيمانها بأهمية القيام بالأسباب، وبذل الوسع والاستطاعة التي كلفنا بها رب العزة والجلال. نعم نريد تغييراً في حالنا إلى الأحسن.. ولكن دون أن نُوجِد تغييراً في أنفسنا وواقعنا نحو هذا الأحسن، نريد النصر والعزة والكرامة و.. ونحن نسير في الطريق الخطأ الذي سيوصلنا إلى عكس ما نرجوه ونؤمِّلُه.. حتى (الفَرَج) الذي كثيراً ما نسأله من الله في كلامنا وكتاباتنا يتطلّب أسباباً لحصوله.. وهكذا بقية الأمور الأخرى. وربنا جلّت قدرته عندما وضع الأسباب تعبَّدنا بها، وجعل هذه الأسباب شرطاً لحصول مسبباتها، كما جعل المقدمات شرطاً لحصول النتائج، والبدايات شرطاً للوصول إلى النهايات، والأصل هو بذل الأسباب وانتظار نتائجها إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً، وهذا هو ما سيَّر الله عليه الكون وطبع عليه الحياة، وإن اعتقد أصحاب التفكير بعقلية ساذجة غير ذلك. فمن التفكير بعقلية ساذجة القول: (ستفرج، الوقت جزء من العلاج، دعها فإنها مأمورة..) هكذا دون بذل أي جهد لإصلاحها أو حلها أو علاجها أو توجيهها.. ودون أن يدرك أصحاب هذا التفكير أن ترك الأمور هكذا دون تدخل وبذل للأسباب سيفاقمها، ويجعل ضريبة إصلاحها أو حلها أو علاجها أو توجيهها باهظة الثمن، وربما تحوّلت مع طول المدة إلى مشكلة عويصة ومرض مُزمن. ومن التفكير بعقلية ساذجة التقديس (وليس التقدير والاحترام) للأشخاص والجماعات والأحزاب والمذاهب والقبائل والمناطق، واعتبار أن مربط الفرس عندها، ومكمن الحلول لديها، وقد تكون هي بذاتها جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل، ومع هذا لا ينفكُّ عنها (عبَّادها) من أصحاب هذا التفكير، بل يزدادون لها تعصباً ولها اتِّباعاً، ويمكن أن ينطبق على هؤلاء السؤال الذي طُرِح على أسلافهم كما في قوله تعالى: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون)؟ لنكن أكثر صراحة فيما بيننا كعرب وكمسلمين، أننا فعلاً جزء من مشكلاتنا إن واصلنا التفكير بهذه العقلية الساذجة، وستستمر مشكلاتنا في التفاقم إن استمررنا كذلك، وأننا كذلك جزء من الحل إن تخلينا عن هذا التفكير، وتجاوزنا عقدة انتظار الخوارق والمعجزات، واعتمدنا بعد الله على أنفسنا، وهنا سنتصالح مع أنفسنا ومع العالم الذي نعيش فيه. كما أننا ببذلنا الجهد لتحصيل الأسباب، وكذا بذل الوسع والاستطاعة، ودون انتظار لاختلافات الدول الكبرى على مصالحها لدينا، أو تحالفات الدول الإقليمية لإضعافنا وتأمين مصالحها وحدودها من جهتنا، عندما نفكر بهذه السطحية، وأنها ستحل مشاكلنا (وهيهات!!!)، عندها لا بد أن نطلَّق التفكير بهذه السذاجة إن أردنا أن نخرج إلى بر الأمان. ما حك جلدك مثل ظفرك ** فتولَّ أنت جميع أمرك إن بذل الجهد في تحصيل الأسباب، وتقديم الوسع في الاستطاعة ليس ترفاً ولم يتعبَّدنا الله به عبثاً، وأن قول (كن فيكون) لله وحده واضع الأسباب والمسببات، ولا يمكن أن يكون هناك تناقض بين هذه وتلك، وأننا مطالبون ومتعبدون بالأولى كقوانين وسنن ربانية لا تتغيّر ولا تتبدّل، وأن المشيئة الإلهية هي تتويج وتأكيد لهذه القوانين والسنن وليست مناقضة لها.. فهل من مدّكر؟! تَرجو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيقَتَهَ ** إنَّ السَّفِينَةَ لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ نوَّر الله قلوبكم لاستقبال آياته، ووسع الله مدارككم لفهم سننه وقوانينه في خلقه وكونه، وطهر الله ألسنتكم من قول ما لا يحبه ولا يرضاه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :