الشارقة: محمد ولد محمد سالم تعكف دائرة الثقافة ممثلة في إدارة المسرح الآن على تنظيم المرحلة الأولى من مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي في دورته السابعة، التي ستنتهي بوصول ثمانية عشر عرضاً للتنافس على جوائز المهرجان في المرحلة النهائية التي تنطلق في 24 من الشهر الجاري، وتمثل أجواء هذا المهرجان أجواء احتفائية بالنسبة للأطفال في مختلف مدارس الشارقة.تكمن أهمية المسرح المدرسي في أنه وسيلة فنية مباشرة للتواصل مع الأطفال، ويمكن استغلاله لأغراض تتجاوز الأغراض الفنية، لتدخل في صميم العملية التربوية، هذه الحقيقة تجعل القائمين على العملية التربوية يرحبون بالمهرجان ويحتفون به، وهي أيضاً من بين الأسباب التي دعت الدائرة إلى إطلاق هذا المهرجان قبل سنوات، ليكون أداة فاعلة لغرس القيم التربوية والفنية والوعي بالمسرح لدى الأطفال.يتكامل مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي مع مساعي الهيئة العربية للمسرح لتعميم تجربة المسرح المدرسي في الوطن العربي، وقد انتهت في 2015 من إعداد «الاستراتيجية العربية لتنمية المسرح المدرسي»، ووضعتها قيد التنفيذ في مرحلة أولى، بدعمها لتنظيم «مهرجان المسرح المدرسي الخليجي» في دورته السادسة في البحرين، وكذلك بإقامة ورش مسرحية حول المسرح المدرسي في عدة دول عربية، وكذلك مع مهرجان الإمارات لمسرح الطفل الذي تنظمه جمعية المسرحيين الإماراتيين، وتحتضنه الشارقة.لا شك أن كل تلك الأنشطة المكثفة التي تهدف إلى رفع مستوى تفاعل الطفل مع المسرح، وجعل هذا الفن إبداعاً حاضراً وفاعلاً في حياة طلاب المدارس، نابعة من توجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يولي المسرح المدرسي أهمية خاصة، عكسها حديث سموه في ختام الدورة الماضية من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، حين استعرض تجربة إمارة الشارقة في دعم المسرح المدرسي، وثمن الجهود التي تبذلها المؤسسات الثقافية في الإمارة في مجال ترسيخه، وضرب مثلاً بتعاون الهيئة العربية للمسرح مع وزارة التهذيب الوطني في موريتانيا الذي نتج عنه انطلاق مهرجان المسرح المدرسي في موريتانيا، وكذلك بالمهرجانات المسرحية المحلية الموجهة للطفل، ما يدل على مركزية هذا اللون من المسرح في رؤية سموه لمستقبل المسرح العربي، ومستقبل الطفل العربي، حيث يعتبر المسرح وسيلة فاعلة في تربية الطفل وتطوير قدراته الذاتية، وتزويده بالمعلومات والمعارف، وتنمية ملكاته الإبداعية وتحفيز القدرات التخيلية لديه، وتبصيره بالقيم الإنسانية النبيلة، وتنمية الإحساس بالجمال لديه، وبالجملة، فهو ينمي شخصية الطفل بشكل متكامل، ويحرره من الخوف والعقد التي تصاحب الطفولة.لا يمكن حصر المزايا النفسية والاجتماعية التي يقدمها العمل المسرحي للأطفال، ومنها، الإحساس بالجماعة والانخراط فيها، فالطفل الذي يشارك في عرض درامي، سوف يجد نفسه يختلط بأطفال آخرين، يتحتم عليه التعاون معهم بإخلاص من أجل أن ينجح العمل الذي يقدمونه، وكذلك يتعاون مع المشرفين والفنيين، وهذا مفيد خاصة في عالم اليوم الذي تتقلص فيه علاقات الطفل، وينصرف اهتمامه بشكل أكثر إلى الألعاب الإلكترونية التي تصمم لشخص واحد، ما يقلل احتكاكه بالآخرين، وهو ما أفشى أمراض التوحد بشكل وبائي في مجتمعات اليوم، ولهذا اعتبر المسرح من أنجع الوسائل لإخراج الطفل من عزلته وتفرده، وتنمية الإحساس بالجماعة لديه، وجعله قادراً على المشاركة والتعاطي مع من حوله، وهذا ينعكس عليه إيجاباً بتحريره من الخوف والرهبة من الآخرين، ويعطيه ثقة في نفسه، كما يساعده على امتلاك مهارات الحديث والحوار، ويعده لكي يكون خطيباً منطلقاً في الكلام، وعلى التفكير والاستنتاج لأنه يفكر في الطريقة المثلى التي سيقدم بها الشخصية التي يمثلها، كل ذلك بغض النظر عما إذا كان الطفل سوف يتخصص في المسرح أم لا، لأن تلك الميزات ليست خاصة بمحترفي هذا الفن، بل هي ميزات عامة مطلوبة في الشخصية الإنسانية.تحشد الدائرة في مهرجان المسرح المدرسي كل قدراتها من أجل أن يقام المهرجان في ظروف حسنة، وأن تتزود الفرق المدرسية بكل ما تحتاج إليه في التدريبات الأولية وأثناء العروض. ومن المعروف أن المسرح المدرسي ومسرح الطفل بشكل عام هو مسرح مكلف للغاية، ومن أكثر العروض بذخاً من ناحية الأزياء والإكسسوارات والألوان والبهرجة عامة، نظراً إلى أن عقل الطفل يتبع حواسه، ولا بد من استمالة تلك الحواس بالبهرجة، لكي نحفز تفكيره، ونجعل عقله يعمل بشكل جيد ولا شعوري، فيستخلص المضامين التربوية والفكرية والجمالية الكامنة وراء العرض، وترسخ في وجدانه، ولهذا فتكاليفه باهظة، ورغم ذلك فقد تعودت اللجنة المنظمة لمهرجان الشارقة أن توفر كل المستلزمات للفرق المشاركة، وتنسق مع المدارس في كل صغيرة وكبيرة في العرض، علاوة على توفير المدربين والمشرفين، وكذلك رصد الجوائز السخية للفائزين.لقد أصبح مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي وعلى مدى سنواته رافداً مهماً من روافد الساحة المسرحية، خاصة المهرجانات ذات الطابع الشبابي والتأهيلي، كمهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، ومهرجان الشارقة للمسرح الكشفي، ومهرجان دبي لمسرح الشباب، فكثيراً ما نصادف في هذه المهرجانات وغيرها شباباً ومراهقين تلقوا مبادئ المسرح، وخاضوا تجاربهم الأولى على منصة مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، وهذا أيضاً جانب من جوانب النجاح الذي أصبحت تحققه هذه التظاهرة.
مشاركة :