في مطلع شهر أيار (مايو) من كل عام ومع احتفال العالم بعيد العمال تتجدد المطالب في الشارع التونسي بتوفير الشغل للعاطلين من العمل والذين تتزايد أعدادهم من سنة إلى أخرى. وعلى رغم أن ثورة الحرية قامت من أجل الحق في العمل والعيش الكريم، إلا أن الحلول المقترحة من طرف الحكومات المتعاقبة على البلاد منذ سنة 2011 كانت شحيحة ولم تحقق الأهداف المرجوة. وقد حض وزير التشغيل التونسي زياد العذاري في آخر تصريحاته الشباب على بعث المشاريع الخاصة وتفعيل المبادرة الشخصية أسوة بالبلدان المتقدمة، مؤكداً توقف الانتدابات بالوظيفة العمومية. وكانت كاتبة الدولة المكلفة التكوين المهني والمبادرة الخاصة سيدة الونيسي قد أعلنت خلال ندوة صحافية انعقدت أخيراً عن انطلاق حملة «أنجم» بمعنى «أستطيع» والتي تهدف إلى دفع الشباب نحو المبادرة الخاصة وتأطيرهم في ما يتعلق بمراحل إنجاز مشاريع صغرى ومتوسطة. هذه الحملة جاءت في إطار الاستراتيجية الوطنية للمبادرة الخاصة التي بعثتها وزارة التشغيل للتصدي لظاهرة البطالة التي ساهمت في توسع رقعة الاحتجاجات، خصوصاً من قبل أصحاب الشهادات العليا الذين يتجاوز عددهم 200 ألف من جملة أكثر من 600 ألف عاطل من العمل. وكانت الحكومة قد وضعت على ذمة الراغبين في إطــلاق المشاريع 5 صناديق بقيمة تتجاوز 100 مليون دولار ستوزع في شكل قروض صغرى. وكان وزير التشغيل أعلن أيضاً عن انطلاق برنامج «مشروعي» بدعم من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بقيمة تتجاوز 15 مليون دولار أميركي. وعلى رغم الجهود التي تبذلها الحكومات من أجل ترسيخ ثقافة المبادرة الخاصة في المجال الاقتصادي فإن التفاعل الشبابي بقي محدوداً ويعود ذلك وفق تصريحات سابقة لوزير التشغيل إلى الخوف من الفشل وتواصل عقلية الاتكال الموروثة عن الأجيال السابقة والتي تفضل العمل الحكومي الذي يضمن راتباً شهرياً مستقراً من دون الإضطرار إلى بذل جهود خاصة من أجل تحريك سوق الشغل وجعله أكثر حداثة وشباباً. مهاب هو أحد المهتمين بالقطاع الخاص قرر بعد سنوات طويلة من البطالة إنشاء مشروعه الخاص. غير أن مهاب لم يعتمد على موارد الدولة تخوفاً من أية ارتباطات مالية مصرفية غير مضمونة. ويقول مهاب لـ «الحياة»: «حين أدركت أنه لا بد من إنهاء وضع البطالة الذي أعيشه منذ ثماني سنوات خطر لي أن أستثمر بعض المال في تجارة الخضار فقررت أن افتتح مخزناً كبيراً لبيع كل أنواع الخضار والغلال في المدن الكبرى في تونس». ويضيف «بخصوص التمويل كنت مخيراً بين الحصول على قرض مصرفي وبين الاستعانة بمساعدات العائلة والأصدقاء فاخترت الحل الثاني وكان لي ما أردت حيث جمعت المبلغ المطلوب وبدأت في العمل ونجحت بعد ستة أشهر من العمل في سداد ديوني، وبإمكاني أن أودع اليوم البطالة نهائياً كما أودع أحلامي في العمل مستشاراً قانونياً فسوق العمل هو من يقرر.» «هيفاء» شابة في الثلاثين وخريجة كلية الآداب في قسم الجغرافيا، حصلت منذ سنة على قرض لا يتجاوز ألفي دولار من إحدى الجمعيات وشرعت في حياكة ملابس الأطفال الرضع وبيعها عبر الانترنت. وقد نجحت هيفاء في سداد القرض وتأسيس مصنع صغير داخل منزلها. وفي حديث لـ «الحياة» عن تجربتها تقول هيفاء «لا ضير من المحاولة والبدء بأفكار بسيطة ستكبر بمرور الأيام، تركت الصعوبات التي مررت بها وراء ظهري وأنا أتسلى الآن بتصميم لوغو خاص بالماركة التي أنتجها، وحين تنتهي الصعوبات يصبح الإبداع متعة خالصة، أتذكر جيداً أن حالة اليأس التي عشتها بسبب البطالة هي ما دفعني إلى الاستقلال والعمل لمصلحتي الخاصة، أشعر الآن بأنني أمتلك مفاتيح المستقبل من دون الحاجة إلى التعويل على وعود الأحزاب السياسية الانتهازية.»
مشاركة :