خوف المكرّس من الكتابة يختلف عن خوف الناشئ، هو خوف من عدم المحافظة على السويّة، خوف الباحث عن قمم جديدة يصبو إليها، ويحتاط من تقليد ذاته، أو الوقوع في فخّ التكرار الذي قد يوصف باجترار أدبيّ ما.العرب هيثم حسين [نُشر في 2017/05/08، العدد: 10626، ص(15)] للكتابة غواية وإغراء، لها رهبة وهيبة، عالمها مثير، وباعث على الخوف في آن واحد، لكن أيّ نوع من الخوف ذاك الذي تثيره الكتابة في نفس الكاتب؟ هل يقتصر الخوف من الكتابة على الكاتب فقط؟ هل يقتصر على كاتب مبتدئ ناشئ أم أنّه يلازم المخضرمين أيضاً؟ ألا يكون الخوف من الكتابة ملازماً للسلطات الدكتاتوريّة أيضاً؟ أي لغز تشتمل عليه الكتابة حتّى تكون مصدر خوف وترهيب للكاتب نفسه تارة وللقارئ تارة أخرى وللسلطات القامعة في أحيان كثيرة؟ يتأرجح حجم الخوف -إذا جاز النظر إليه ككتلة حجميّة- بين كاتب مغامر في تجربته الأولى وآخر مكرّس خاض الكثير من التجارب، وقد يكون دافعاً أو محبطاً في مختلف الأحوال، وما ينبغي استثماره في ميدان الخوف هو ضرورة جعله دافعاً لتطوير الذات وسبيلاً إلى بلورة النصّ بالصيغة الأنسب من وجهة نظر صاحبه، وإبقاء شعلة التأهّب مستعرة في روحه من باب الحرص لا الإحباط. هنالك خوف يلازم الكاتب في مغامرته الكتابيّة، ولا سيّما حين يقارب موضوعاً شائكاً، إشكاليّاً، أو حين يبني عوالم نصوصه؛ سواء الشعرية أو النثرية، وهو خوف محرّض، إيجابيّ، مشوب بالحذر والخشية من ألّا يرتقي نصّه إلى مستوى حلمه به، لذلك يكون باعثاً على المزيد من الاجتهاد للوصول به إلى المستوى الذي يرنو إليه، وهذا الخوف يظلّ صديق الكاتب، وأنيسه غالباً، في مختلف نصوصه، ويبقيه متأهّباً للتجديد والتجريب، يمنعه من الاستكانة للآليّة التي قد يستسهلها. خوف المكرّس من الكتابة يختلف عن خوف الناشئ، هو خوف من عدم المحافظة على السويّة، خوف الباحث عن قمم جديدة يصبو إليها، ويحتاط من تقليد ذاته، أو الوقوع في فخّ التكرار الذي قد يوصف باجترار أدبيّ ما، وقد يضع صاحبه في خانة الشيخوخة الأدبيّة أو نضوب الخيال وعدم القدرة على الإتيان بجديد في مجال صنعته الأدبيّة، وهنا أيضاً قد يبقي الخوف صاحبه نزيله وقد يدفعه إلى اكتشاف وتجريب عوالم جديدة. خوف السلطات القمعيّة من الكتابة بدوره مختلف، فهي تخاف من زعزعة مكانتها عبر الإشارة إلى جرائمها المقترفة أو فضح سياساتها وممارساتها الاستبدادية، وتخشى دور الكتابة في تفتيح العيون على فسادها وقمعها وقدرتها على خلق جرأة لدى الصامتين الراضخين لها، وهنا تمارس الفتك والإيذاء بالكاتب الذي تستشعر أنّه قد يشكّل خطراً عليها، وتمنع كتابته وتمارس التضييق عليه قدر ما تستطيع، وقد يصل الأمر إلى تصفيته أحياناً، وهناك أمثلة على ذلك من تاريخ الدكتاتوريات هنا وهناك. لعلّ من الأهمّيّة بمكان استغلال الخوف وتجييره لخدمة الكتابة والارتقاء بها، وجعله طاقة خلاقة للإبداع لا وسيلة إحباط قاتلة، كما أنّ من المهمّ أن يكون وسيلة لتجاوز المشقّات لا عاملاً إضافيّاً من عوامل تعطيل حياة مَن تستوطن أرواحهم وأفكارهم وتحوّلهم إلى نزلاء في دوّامة رمليّة تغرقهم يوماً بيوم. كاتب سوريهيثم حسين
مشاركة :