عندما نكتب دستورا نصر على وصفه بالوضعي ينظم حياتنا، نجرد ابنتنا وأختنا التي تزوجت من غير أبناء بلدها بمباركتنا من حق منح جنسيتها لأولادها الذين نحن أخوالهم.العرب فتحي بن عيسى [نُشر في 2017/05/08، العدد: 10626، ص(9)] ليس في العنوان من خطأ، ونقطة الخاء ليست موجودة إلا في أوهام فئة من البشر تدعي الأفضلية والمزية فقط لأنها تنتمي لأرض ما، أو يعود نسبها لنبيّ مرسل، أو قدّيس معمم تارة وبطاقية تارة أخرى. أوهام ترسخت على مرّ العصور من أجل هدف واحد فقط، هو السيطرة والسيطرة فقط، والحصول على مزايا ومكاسب دونما جهد ولا استحقاق، فقط لأن القوم ولدوا في أرض ما، أو ينتسبوا لرمز تنوعت تسميته، فتارة هو نبي، وتارة هو ولي، وتارة قديس، وتارة عالم، وتارة شيخ، وتارة بابا، وهلم جرا. هذه الأوهام بالأفضلية فقط لاعتبارات بيولوجية صرفة ساندتها نصوص نسبت للدين، ومأثورات شعبية ليست هنا مجال تفصيلها ولا مناقشتها، وسأذهب للقول إن مجرد طرحها والاشتغال بها نوع من العبث والحط من قدر النعمة الإلهية التي منحنا الحق سبحانه وتعالى إياها. كيف نستسيغ أن يكون عرق أسمى من عرق، وبالتالي جنسية أفضل من جنسية، في حين نؤمن كما ندعي أننا جميعا خلقنا الله سبحانه وتعالى وصوّرنا في أحسن صورة، ثم نفخ في أجسادنا من روحه. هل نقصد أن نفخة الروح الإلهي ليست على درجة واحدة من القداسة والطهارة، لهذا نجد من نفخ الله فيه من روح طاهرة عالية، وآخر نفخ فيه من روح خبيثة سفلية، والعياذ بالله من هذا الفهم. ألم يخلقنا الله من أب واحد وأم واحدة، ونفخ فينا من روح واحدة، فمن أين جاء التمييز بيننا على أساس العرق ونحن في الأساس واحد؟ ألسنا نقرأ قول الله تعالى في القرآن الكريم الذي ندعي كمسلمين أنه دستورنا ومنهجنا وتشن الحروب باسمه دفاعا عنه؟ ألسنا نقرأ قوله تعالى في سورة الحجرات “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير”، ألسنا نقول بعدها إظهارا لإيماننا بكلام الله سبحانه وتعالى “صدق الله العظيم”؟ فهل فعلا نحن مؤمنون بهذا؟ وهل نحن ممتثلون لهذا التوجيه الإلهي؟ وهل فعلا نحن ننتمي لهذا الدين الذي نحرص على أن نرفع الشعارات باسمه في كل مناسبة؟ فتارة نقول إن الإسلام دين الدولة، وتارة نقول القرآن شريعة المجتمع، وتارة ندعي أن الإسلام هو الحل، وتارة نصر أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد/ الرئيس للتشريع في بلادنا. ومع هذا عندما نكتب دستورا نصرّ على وصفه بالوضعي ينظم حياتنا، نجرد ابنتنا وأختنا التي تزوجت من غير أبناء بلدها بمباركتنا من حق منح جنسيتها لأولادها الذين نحن أخوالهم، وفي ذات الوقت ننسب للرسول تارة وللعرف تارة بفخر “الخال والد”. وإذا تعطفنا ومنحناها هذا الحق فإن أبناء اختنا هم مواطنون من الدرجة الثانية. أما دعاة المدنية والتنوير في بلادنا فهذه قصتهم قصة، تراهم يعيرونا بأننا شعب متخلف، لم نرتق بعد في سلم الحضارة. ويضربون المثل متباهين بكندا التي جعلت من مهاجر عربي صومالي من مواليد 1975، وصلها عام 1993 وعمره 16 عاما وزيرا في حكومتها بعد أن انتخبته في برلمانها. وسيذكرون لك قائمة بأسماء وزيرات في حكومات فرنسا وبلجيكا من أصل عربي، مردفين ذلك بقولهم “انظروا للعالم المتحضر كيف لا يميز بين البشر إلا على أساس عطائهم ومقدرتهم وكفاءتهم وبهذا صنعوا مجدا ودولة”، ولا بأس إن عيرونا ببلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وكيف ساوى الإسلام بينهم وبين أبي بكر وعمر وعثمان وسواهم من سادة قريش في دلالة على انفصامنا وعدم اتباعنا لتعاليم الدين. نفس هؤلاء التنويريين ستجدهم يرفعون في وجهك شعار “يجب الحفاظ على النسيج الاجتماعي” لمنع ابن ليبية متزوجة من غير ليبي من تولي أي وظيفة عليا وإن كان كفوءا! وسيصدمونك بشوفينية وهم يقولون “لن نسمح بتفسخ الهوية”، ثم تراهم وهم يدعون لمنح المناصب لفلان وعلان لأن القبيلة الفلانية لم تنل حظها من الغنيمة، والإقليم العلاني مهيض الجناح، وإن حدثتهم عن كفاءة، أداروا ظهورهم فلا حديث يعلو عن المصلحة. ألسنا شعب الله المحتار، الذي فقد البوصلة، أينما توجه لا يأت بخير. كاتب وصحافي ليبيفتحي بن عيسى
مشاركة :