أضعف الإيمان (محمد العجيان وقصة حريق مصفاة النفط)

  • 5/9/2017
  • 00:00
  • 28
  • 0
  • 0
news-picture

< عام 1978 التقيت الصحافي السعودي محمد العجيان، في مبنى «مؤسسة اليمامة الصحافية» التي تصدر عنها جريدة «الرياض» ومجلة «اليمامة». كان لقاء عابراً برجل لم أعرفه سابقاً، واكتشفت، لاحقاً، أن العجيان صانع المهنية في الصحافة السعودية الحديثة. كان تولى للتوّ تطوير مجلة «اليمامة»، أقدم مجلة أسبوعية سعودية. وفي اللقاء العابر طلب العجيان أن التقيه غداً صباحاً، واستمر اللقاء سنوات. العجيان رجل مهذب، ويتصرف بلباقة يحسده عليها حتى الأمراء. خلال تجربتي القصيرة مع الصحف السعودية، قبل التخرج في الجامعة، أصبت بخيبة أمل من حال البيئة المهنية الفقيرة. لكن محمد العجيان بدّد خيبة أملي بالوصول إلى صحافة سعودية تحتفي بالنص الموضوعي. كان صحافياً يكتب الجملة القصيرة، ويحترم معايير الخبر. لم يكن في جيله، ولا من سبقه، من يكتب لغة الصحافة الحديثة مثله. محمد العجيان أول من نقل النص الصحافي من الجملة الأدبية إلى الخبرية، وأفسح المجال للنص الموضوعي، والجملة القصيرة، والمباشرة. وهو الأب الروحي للصحافة السعودية الحديثة من دون مبالغة. في عام 1980 احترقت طائرة تابعة للخطوط السعودية، وهي تهبط في مطار الرياض. في اليوم التالي نشرت الصحف صور الطائرة المحترقة، وأسماء القتلى. سألني، العجيان: ماذا ستفعل في تغطية حادث الطائرة؟ قلت له بسذاجة صحافي مبتدئ: ماذا يمكن أن أفعل؟ الصحف اليومية حرقت علينا القصة. قال العجيان: هناك الكثير الذي يمكن فعله. اذهب الى المطار واطلب أسماء الركاب الذين ألغوا حجوزاتهم على هذه الرحلة. اتصل بهم، واسألهم عن الظروف التي كانت سبباً في نجاتهم من موت محقق. كنا نقرأ على مقاعد الدراسة أن المواضيع الصحافية ملقاة على قارعة الطريق ولكن لا يراها إلا الصحافيون. محمد العجيان حقق هذه القاعدة في الصحافة السعودية. في عام 1976 كُلِف العجيان رئاسة تحرير جريدة «اليوم». قال له وزير الإعلام آنذاك الراحل محمد عبده يماني: هذه الصحيفة يا عجيان تحتاج هزة كهربائية. بدأ العجيان عمله، وشرع في استقطاب صحافيين، وهو ماهر في الاختيار. وفي أحد الأيام اتصل به أحد الصحافيين العاملين معه، وكان يجري حواراً مع مسؤول في شرطة المنطقة الشرقية. قال له: الضابط دعاني أن اذهب معه إلى راس تنورة، هناك حريق كبير. رد العجيان: اذهب واكتب كل ما تشاهد. وسأله: مكرم معاك؟ (يقصد المصور المصري مكرم جاد الكريم الذي صوّر مقتل السادات، وكان العجيان أقنعه بالعمل معه في «اليوم»)، وتحدّث مع مكرم وأعطاه توصياته. في اليوم التالي صدرت جريدة «اليوم» بعنوان على ثمانية أعمدة: «حريق هائل يتلهم مصفاة النفط في راس تنورة». وأرفق بصورة كبيرة، وفي نص الخبر مربع صغير يتضمن بيان وكالة الأنباء السعودية، الذي يقول: «حريق طفيف في رأس تنورة، أخمد في ساعته وتاريخه». كل الصحف السعودية التزمت خبر وكالة الأنباء المضلل. اتصل وزير الإعلام بالعجيان غاضباً، وقال له: «ماذا فعلت يا محمد»، فرد العجيان: «ألم تقل لي أن جريدة «اليوم» في حاجة إلى هزة كهربائية؟»، قال الوزير: «هذا زلزال يا محمد العجيان!».

مشاركة :