مدريد: «الشرق الأوسط» بعد عشر سنوات احتكر فيها برشلونة وريال مدريد لقب الدوري الإسباني لكرة القدم، كسر أتليتكو الهيمنة الثنائية وخطف لقب المسابقة ليتوج مشروعه الناجح بأغلى بطولة في تاريخه. وقدم أتليتكو مدريد صورة جديدة للدوري الإسباني بعدما قضى على فكرة الهيمنة الثنائية على اللقب. ومنذ فوز فالنسيا باللقب في 9 مايو (أيار) 2004 تحت قيادة المدرب الإسباني رافاييل بينيتيز، لم يخرج اللقب من قلعتي برشلونة والريال حتى جاء أتليتكو ليخطفه وينطلق به بعيدا عن الناديين الكتالوني والملكي ويؤكد أنه «روبن هود» الكرة الإسبانية حاليا. إذا كان أي شخص قد توقع قبل بداية الموسم أن أتليتكو قد يتفوق على منافسيه الأكثر ثراء ليحرز اللقب، لكان عُدّ ساذجا. وكان توقع تأهل فريق المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني، الذي أحرز لقبه العاشر في الدوري المحلي والأول منذ 1996، إلى نهائي دوري أبطال أوروبا سيثير الضحك. لكن هذا بالتحديد ما حققه أتليتكو بفضل مدرب ملهم ومجموعة من اللاعبين الموهوبين الملتزمين الذين تعين عليهم اللعب لدقائق أطول والركض لكيلومترات أكثر من كل منافسيهم بسبب القائمة الصغيرة من اللاعبين. ويعود الفضل في أغلب نجاح أتليتكو أخيرا إلى تأثير سيميوني المدرب الذي كان أيضا لاعب وسط مقاتلا ضمن تشكيلة أتليتكو الفائزة بثنائية الدوري وكأس الملك عام 1996 والذي تولى تدريب النادي المعتاد على الوجود في مراكز متواضعة، في نهاية 2011. وحسم أتليتكو اللقب بشكل يبرهن بالفعل على الإمكانات الفنية والبدنية والذهنية الرائعة للفريق ومن خلال تعادل ثمين 1 - 1 مع مضيفه برشلونة الذي كان بحاجة للفوز في هذه المباراة بالمرحلة الأخيرة من المسابقة ليحافظ على لقبه المحلي. وأثبت أتليتكو في المباراة أنه يستطيع اللعب باتزان هائل ويعرف كيف يتحكم في إيقاع المنافسة ويحقق النتيجة التي يريدها. وسبق لجابي قائد أتليتكو أن قال في أواخر 2013: «أتليتكو يشن ثورة وحملة تمرد على الهيمنة الثنائية لريال مدريد وبرشلونة في الدوري الإسباني». وكانت هذه التصريحات عندما كانت المنافسة لا تزال على أشدها بين الفرق الثلاثة في المسابقة وكانت بعض التوقعات تشير إلى أن أتليتكو لن يستطيع استكمال مسيرة النجاح حتى النهاية. ورغم هذا، فإن الفريق بقيادة سيميوني اجتاز كل التوقعات التي ظهرت قبل بداية الموسم وخلاله وأحرز اللقب بجدارة واستحقاق. ولم يقتصر إنجاز أتليتكو هذا الموسم على الفوز باللقب بالتفوق على برشلونة والريال، وإنما قدم الفريق أفضل مواسمه على الإطلاق من حيث روعة الأداء والأرقام القياسية التي حققها للنادي، إضافة لبلوغه نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ 40 عاما. وذكرت صحيفة «ذي وول ستريت جورنال» الأميركية: «أتليتكو هو روبن هود الكرة الإسبانية». وأوضحت الصحيفة: «أتليتكو ناد لديه مدرب يعيش ويعمل في كل مباراة كما لو كانت مشاجرة داخل حانة»، في إشارة لحماس وشجاعة سيميوني في العمل. وأظهر الفريق المدريدي قدرة هائلة على تحسين مستواه والتمسك بفكرة الأداء الجيد رغم أي صعوبات يواجهها. وفي وقت مبكر من الموسم، كان سيميوني بحاجة للتعامل مع أمرين؛ أولهما هو رحيل المهاجم الكولومبي راداميل فالكاو غارسيا عن صفوف الفريق، والثاني الحاجة لتجديد وإنعاش طموحات الفريق لكسر حاجز الخوف من مواجهة ريال مدريد على ملعبه في استاد «سانتياغو برنابيو» بعدما حقق الفوز على الريال في عقر داره من أجل استعادة أمجاد السنوات الماضية التي فاز فيها بألقاب الدوري الأوروبي وكأس السوبر الأوروبية وكأس ملك إسبانيا. وعلى مدار الموسم، كان أتليتكو دائما فريقا يعرف ما يقدمه وما يريد أن يقدمه في الملعب، بينما عانى برشلونة من أزمة حقيقية، حيث فقد هويته وأسلوب لعبه المعتاد منذ أن تولى الأرجنتيني خيراردو مارتينو تدريب الفريق قبل بداية الموسم وظهر الأمر بوضوح أكبر في النصف الثاني من الموسم. كما احتاج الإيطالي كارلو أنشيلوتي المدير الفني للريال إلى أكثر من ستة أشهر ليجد السبيل المناسب إلى إعادة فريقه لدائرة المنافسة بقوة. واجتذب أتليتكو بعروضه القوية وإنجازه في الموسم الحالي إشادة كثيرين من كل أنحاء إسبانيا وكذلك أوروبا. وقال فران إسكريبيا المدير الفني لفريق إلتشي: «أتليتكو هو الفريق الأفضل في الدوري»، واتفق معه في هذا كل من خوان إغناسيو مارتينيز المدير الفني لبلد الوليد ومارسيلينو غارسيا تورال المدير الفني لفياريال. وبينما ترددت عبارة «أتليتكو والسقوط» في النصف الأول من الموسم، توارت هذه العبارة واختفت تماما في النصف الثاني من الموسم رغم المنافسة الشرسة ومعاناة الفريق من الإجهاد في طريقه لمنصة التتويج باللقب حتى الثانية الأخيرة من مباراته مع برشلونة في ختام الدوري هذا الموسم. وعلق سيميوني، بعد نهاية الدور الأول من الدوري الإسباني هذا الموسم، على الفارق في الإمكانات بين فريقه من ناحية والريال وبرشلونة من ناحية أخرى قائلا: «هناك فارق بين 400 مليون يورو وفريقنا بإمكاناته البسيطة الذي يكافح لأبعد مدى». وأحرز أتليتكو لقب المسابقة رغم أن هجومه سجل أقل من برشلونة أو الريال بنحو أكثر من 20 هدفا، لكنه برهن بهذا على إمكانية الفوز بلقب المسابقة من خلال استغلال الفرص والتركيز والولاء والإخلاص في الملعب. والآن يواجه الفريق وسيميوني الاختبار والتحدي الأخير للنادي هذا الموسم عندما يصطدم بجاره ومنافسه التقليدي العنيد ريال مدريد يوم السبت المقبل في المباراة النهائية لبطولة دوري أبطال أوروبا بالعاصمة البرتغالية لشبونة من أجل حلم التتويج باللقب للمرة الأولى في تاريخه. واحتفل نحو 300 ألف من مشجعي أتليتكو باللقب العاشر بشكل صاخب ولكن سلمي، واستمرت الاحتفالات حتى مساء أمس مع تجول حافلة الفريق في شوارع العاصمة الإسبانية، للاحتفال بين الجماهير العاشقة. واحتفت وسائل الإعلام الإسبانية بالبطل الجديد الذي أعلن عن ظهور منافس حقيقي أخيرا للقطبين ريال مدريد وبرشلونة. وتحدثت صحيفة «آس» عن «انتصار أخلاقيات العمل على الترف»، وقالت: «يا لها من طريقة للفوز.. هناك شيء يسعدنا جميعا في هذا الانتصار، هذا الفوز وإن كان يسعد جماهير أتليتكو على وجه الخصوص، إلا أنه يسعد كل الجماهير التي تنتمي إلى مدينة مدريد، بل وكل الجماهير الإسبانية أيضا». بينما ذكرت صحيفة «إل باييس» أن نجاح أتليتكو «إيجابي لكرة القدم الإسبانية لأنها تظهر أن الفريق صاحب الميزانية الضئيلة يمكنه أن يحقق النصر، وأن هناك العديد من الطرق المختلفة للعب». ونال سيميوني قسطا وفيرا من الإشادة، حيث وصفته صحيفة «إل موندو» بأنه «النجم الحقيقي لأتليتكو»، مشيرة إلى أنه حقق نقلة نوعية في الفريق منذ توليه المسؤولية الفنية في يناير (كانون الثاني) 2012 وقالت: «لقد تولى فريقا بلا أهداف، ثم حوله إلى بطل بلا منازع، من خلال الانضباط والروح والعزيمة». كما نالت طريقة 4 - 2 - 3 – 1، العملية التي يعتمد عليها سيميوني والتي قد تتحول إلى طريقة 4 - 2 - 2 - 2 عند الضرورة، إشادة واسعة من الإعلام الإسباني، بجانب قدرة المدرب على إخراج أفضل ما في لاعبيه، وهو ما لم يتحقق قبل قدوم المدرب الأرجنتيني. في المقابل، كان لفشل برشلونة في الفوز على أرضه ولفقدان اللقب أثره المباشر في إعلان المدرب مارتينو استقالته عقب نهاية المباراة. وكان المدرب الأرجنتيني يمني النفس بتحقيق انتصار يقوده للقب الدوري بعد موسم تعرض فيه لانتقادات واسعة، لكنه في النهاية اكتفى بالتعادل 1 - 1 مع أتليتكو ليصبح بلا ألقاب للمرة الأولى في ست سنوات. وكان برشلونة قد فشل في تخطي قبل نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة في سبع سنوات بعد خروجه أمام أتليتكو في دور الثمانية. وقال مارتينو مودعا: «أود أن أشكر النادي على الثقة التي منحني إياها، وأنا آسف على عدم قدرتي على النجاح، لقد قاتل الفريق حتى النهاية بشرف كبير. أود تهنئة أتليتكو لأنه أبلى بلاء حسنا طيلة الموسم».
مشاركة :