«زرايب العبيد»..قصة حب «أسود» ومحطة رقّ أخيرة في ليبيا

  • 5/10/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مساحة «سوداء» مجهولة من تاريخ بلد مجهول - بالنسبة لكثيرين - تنبش فيها رواية «زرايب العبيد» للمبدعة الليبية، نجوى بن شتوان، التي تضرب بعيداً في ماضي بلدها، لتنتصر لمنسيين، وشخصيات مرّ بجوارها التاريخ الرسمي ولم يرها، ليأتي خيال الكاتبة ويهب هؤلاء حياة وروحاً، يفصّل لهم يوميات حافلة بالأوجاع والقهر، حتى علاقة الحب، يتحكم فيها اللون: الأبيض في مقابل الأسود، والسيد في مواجهة العبد، لتنتج عن العشق ثمرة مرّة تشبه المرحلة التي تدور فيها الحكاية. (ليبيا 2006 - إيطاليا 2015).. تاريخان تُذيّل بهما نجوى بن شتوان روايتها التي نافست على جائزة «البوكر العربية»، في إشارة إلى المدى الطويل (10 سنوات) الذي اشتغلت فيه الكاتبة على «زرايب العبيد»، إذ بنت للشخصيات حيزاً على بحر بنغازي، يأتي عليه الموج الغادر، فيعاودون تشييده مجدداً، يقفون - رغم قساوة الواقع - بجوار بعضهم بعضاً، فمَن للضعيف سوى الضعيف، كما تبني الكاتبة مساحات أخرى، تبدو قريبة منها، تعرفها جيداً، أو هكذا أدارت اللعبة السردية، وأرادت لها أن تكون بيوت «السادة» تنتمي إلى «شتوان»، ومن كان بعض شخصيات الرواية «عبيداً» لديهم، فبين جنبات تلك الأمكنة ولدت حكاية عشق «أسود»، لم يسلم من عواقبها طرف دون آخر، إذ دفع الثمن السيد (محمد) وكذلك الجارية (تعويضة). جوائز مؤلفة «زرايب العبيد»، نجوى بن شتوان، روائية ليبية من مواليد عام 1970. من أعمالها الروائية كذلك: «وبر الأحصنة» (2007)، و«مضمون برتقالي» (2008)، وكذلك ثلاث مجموعات قصصية ومسرحية. فازت «وبر الأحصنة» بجائزة مهرجان البجراوية الأول للخرطوم، عاصمة الثقافة العربية 2005. واختيرت بن شتوان ضمن أفضل 39 كاتباً عربياً تحت سن الـ40، وأدرجت قصتها «من سيرة البركة والبيانو» في أنطولوجيا «بيروت 39». وحازت بن شتوان جائزة الشارقة للإبداع العربي في المسرح. ونجحت «زرايب العبيد» في الوصول إلى القائمة القصيرة لـ«البوكر العربية» الأخيرة التي حازتها رواية «موت صغير» للكاتب السعودي محمد حسن علوان. 350 صفحة تقع فيها رواية «زرايب العبيد» الصادرة عن دار الساقي اللبنانية فترة خرساء إلى فضاء زماني بعيد، تعود رواية «زرايب العبيد»، تروي عن فترة خرساء ربما، لم ينطقها كثيرون بشكل فني على الأقل، في تلك المرحلة التي شهدت تسليم «رجل أوروبا المريض» (الدولة العثمانية) تركته إلى أوروبا، لتكون ليبيا من نصيب «الطليان»، والمفارقة أن ذلك المحتل هو من حرّر العبيد، ومن ألزم السادة بإطلاق سراح من بأيديهم من الجواري، لكنه استعبد البلد كله. تنتصر الرواية، الصادرة عن دار الساقي في 350 صفحة، لشخصيات مجهولة، لا تكتفي بمجرد فصل العبودية الأخير، بل تذهب إلى ما وراء ذلك: من أين جُلب أولئك المستعبدون؟ وما محطاتهم المختلفة: رحلة الأنين في الصحاري، والسوط الذي يجلد ظهور فتيات في العاشرة، وحرّاس القوافل الذين يبخلون بقطرة ماء على العبيد ويتركونهم ليموتوا ظمأى وسط رمال ملتهبة، ومن يعتدون على شرف بنات في عمر الورد، وتؤرخ الرواية كذلك لتسلسل بعض «العبيد» في تلك البقعة من الأرض، وتلقي مزيداً من الضوء على عاداتهم وثقافاتهم وأغانيهم، وبالطبع أحلامهم التي لا تكتمل أبداً. تتعمّق الحكاية في مأساة من انتهت بهم الحال في «الزرايب» بحرية منقوصة، تلخص جوانب من الدراما في شخصيات: تعويضة وعتيقة ومفتاح وعيدة وسالم وجاب الله، لكن الأكثر حضوراً، وربما مأساة، هي تعويضة التي تعلق بها «السيد» محمد، وهام بها عشقاً، وحملت منه أكثر من مرة، وكاد أهلُه لها، واحتالوا على «الجارية» ودفعوا إليها بشراب تسبّب في طرحها ما في بطنها، وحينما أفلتت تعويضة بطفل، تسببوا كذلك في قتله، ولعل تلك اللحظات التي فصّلتها الرواية هي من بين الأشد قسوة في حكاية تعويضة، إذ سعت نجوى بن شتوان إلى رسم تفاصيل دقيقة لتلك الأحداث، لم تترك شيئاً، حتى حليب الأم الذي «يهطل من صدرها ويبلل ثوبها الممزق» وهي مقيّدة وحبيسة مكان مظلم، وغير بعيد عنها رضيعها الذي يصرخ جوعاً وعطشاً، ولا أحد من «السادة» يرحم تلك المرأة ورضيعها الذي لم يصمد طويلاً. ولم ينتهِ عقاب تعويضة عند مجرد حرمانها من طفلها، إذ تدخلها تلك الأسرة في فصل مأساوي جديد، يمكن لقارئ الرواية الرجوع إليه ومعرفة كيف نسجت لها مكائد أكثر انحطاطاً. تقسيم رغم أن شخصيات الرواية فعلياً تنتمي إلى عالمين: عبيد وسادة، إلا أن نجوى بن شتوان لا تكتفي - خصوصاً على المستوى الداخلي - باللونين الأبيض والأسود، ولا حتى بتقسيم بشر الحكاية إلى أخيار على طول الخط، وفي المقابل أشرار بوجوه أبالسة، حتى صاحبا حكاية الحب (محمد وتعويضة) لا تضفي عليهما الكاتبة هالات الرومانسيين وطيبتهم، وإخلاصهم اللامحدود لقلوبهم، إذ يصطدم ذلك العشق بما هو أقوى، وهو جبل العادات والمجتمع. ومن أجواء الرواية على لسان (عتيقة) التي تقطّرت عندها المأساة: «أنا محطة الرق الأخيرة حيث توقفت آخر القوافل وامتزجت في الشرايين. هنا تكونت من كل شيء، من الرق والعتق، من الماء والملح، من الذل والحرية، من الشمس والتراب، من الجوع والظمأ، من الارتواء والشبع، من نظافة بنغازي وقذراتها، من جفائها وحنانها، من دمعها ودلالها، من دوالي عنبها وكروم تينها، من أسوارها القصيرة ومجونها وتعاليها، من سباخها الضحلة وطينها الأحمر، من نخيلها وجريدها ورملها ومائها وتلالها، من لهجتها الغارقة في الدلال، من صوتها المتشج بالجلال، من نسقها المتشح بالتيه.. من صوامعها المكبرة ونواقيس كنائسها المترنمة وقباب رقودها الصالحين، ودفوف عبيدها الصادحة بالألم والأمل. هنا نشأت حكايتي واتسعت. أأنا ابنتها أم هي ابنتي؟ لا فرق! كلتانا شهادة ميلاد للأخرى، فيها استطعت أن أكون نفسي من عدم الأماكن التي رمتني إليها بنغازي، محمد وتعويضة الأزليان، وأنا بذرة الحب الأكيدة بينهما. بنغازي مفتاح التائه الصغير بين الدروب وعتبات المساجد، الممسك مثلي بطرف رداء أمنا تعويضة، كلانا كان للآخر ضوء منارة لسفينة في حالة ضياع. كلانا لا يختلف عن منارة اخريبيش، لكي تضيء لابد أن يحيطها الظلام».

مشاركة :