رجح اقتصاديون بريطانيون ارتفاع أعداد السائحين السعوديين وإنفاقهم خلال زياراتهم للندن هذا العام، في ظل استمرار هبوط الجنيه الاسترليني الذى بات يغري مزيد من الخليجيين خاصة السعوديين لقضاء إجازاتهم في لندن، وسيُنعش ذلك الموسم السياحي المقبل بشكل عام في بريطانيا.وتتوقع فيه هيئة "زوروا بريطانيا"، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن الترويج السياحي للمملكة المتحدة، أن يبلغ إنفاق السعوديين خلال زيارتهم للندن نحو 772 مليون استرليني بحلول عام 2020، مقابل إجمالي إنفاق بلغ 556 مليون استرليني عام 2015 عندما زارها قرابة 147 ألف سعودي. وتقول تريسي مارش الباحثة الاقتصادية، إن هناك شعورا عاما في السعودية بتحسن الوضع الاقتصادي، وفي تلك الأحوال فإن الأمر ينعكس غالبا على مستويات إنفاق المستهلكين الراهنة. وتظهر أبحاث "زوروا بريطانيا"، أن السائح السعودي يسعى دائما لشراء السلع الفاخرة وذات الجودة العالية لارتفاع مستوى معيشته، مقدرة أن نحو 60 في المائة من الزائرين السعوديين للمملكة المتحدة يقومون بعمليات شراء، وأن السعوديين يأتون في مقدمة المشترين للملابس والأحذية خلال زيارتهم لبريطانيا.وحول مساهمة السائحين السعوديين في إجمالي الحركة السياحية في بريطانيا، يؤكد آرثر لوكر الخبير السياحي أن السائح السعودي في مقدمة السائحين الأكثر إنفاقا في المملكة المتحدة، وأكثر السائحين أيضا فيما يتعلق بعدد الليالي السياحية التي يقضيها هناك".ويضيف أنه نظرا للأهمية التي توليها السلطات السياحية البريطانية لاستقطاب مزيد من السائحين السعوديين، فإن هيئة "زوروا بريطانيا" وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن الترويج السياحي للمملكة المتحدة، قامت أخيرا بافتتاح مكتب لها في الرياض، لتكون بذلك أول هيئة سياحية غربية تقوم بفتح مكتب لها في السعودية، ما يكشف عن الأهمية التي توليها السلطات السياحية البريطانية لتشجيع السعوديين على زيارة المملكة المتحدة.ويشير الخبير السياحي إلى أن السائحين السعوديين يعدون من بين الأعلى إنفاقا خلال زيارتهم لبريطانيا، ويتراوح متوسط إنفاق الزائر السعودي بين 3700-4000 استرليني، كما أنهم يقضون عددا أكبر من الليالي السياحية في بريطانيا، إذ إن المتوسط العام ثماني ليال، بينما متوسط الأيام التي يقضيها السائح السعودي 18 ليلة.وتبدي الجهات الرسمية المسؤولة عن القطاع السياحي في بريطانيا، تفاؤلا بشأن الآفاق السياحية لهذا العام، حيث يسود اعتقاد لدى الخبراء بأن الموسم السياحي سيكون واحدا من أفضل المواسم السياحية البريطانية في العقد الأخير، شريطة أن تتواصل الأوضاع الراهنة، فيما يرى العاملون في القطاع أن سائحو الاقتصادات الناشئة سيصبحون الأكثر إنفاقا في بريطانيا. وفي هذا الإطار، يقول لـ "الاقتصادية"، آندي تشتر الخبير السياحي وعضو مجلس ادارة إحدى الشركات السياحية البريطانية إن الزيادة التي يتوقع حدوثها في إجمالي إنفاق الزائرين لبريطانيا هذا العام ستعود إلى السياح القادمين من الأسواق الناشئة، فالأداء الاقتصادي الجيد لتلك الأسواق يعني ارتفاع القدرة الشرائية لمواطنيها.ويتوقع تشتر أن يصبح سائحو منطقة الخليج في مقدمة السائحين الأكثر إنفاقا في بريطانيا، وربما نشهد تنافسا هذا العام في احتلال المركز الأول في الإنفاق بين السائح القطري والإماراتي رغم أن تجربة السنوات الماضية تشير إلى إقبال الدولتين على زيارة بريطانيا والإنفاق فيها بدرجة أعلى من باقي بلدان مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الاستثمارات القطرية الضخمة في بريطانيا لربما تعد عاملا مشجعا على قيام أعداد أكبر من القطرين بزيارة بريطانيا هذا العام، وغالبا سيحتل السائحون من الصين وروسيا المرتبة الثانية والثالثة على التوالي في معدلات الإنفاق يليهم السائح السعودي.وتشير بعض الدراسات البريطانية إلى أن متوسط إنفاق الأسرة الخليجية متوسطة الحجم على بندي السفر والإقامة يبلغ نحو 3443 استرليني أسبوعيا، ويقفز إلى خمسة آلاف استرليني بالنسبة للسائحين الصينيين والأمريكيين.ويعتقد الخبراء أن لندن ستظل المحطة السياحية الأولى لمعظم الراغبين في زيارة المملكة المتحدة هذا العام من مواطني الأسواق الصاعدة، حيث يتوقع أن ينفق السائحين نحو 15.1 مليار استرليني في لندن بمفردها أي ما يوازي 56 في المائة من إجمالي إنفاق السائحين الأجانب في المملكة المتحدة.وتوضح إيف مولي الخبيرة في المجال السياحي أن التسهيلات في مجال التأشيرات السياحية التي تمنحها المملكة المتحدة لمواطني البلدان الخليجية تلعب دورا رئيسا في تعزيز السياحة الخليجية في بريطانيا، ويتوقع أن ينفق السياح الإمارتيون نحو 448 مليون استرليني في لندن فقط هذا العام، وهو ما يمثل زيادة بنحو 73 في المائة مقارنة بعام 2013.وتضيف أن التقديرات الرسمية ترجح أن يبلغ إنفاق زوار العاصمة البريطانية نحو 7.8 مليار استرليني على الترفيه، لكن يلاحظ حدوث تغير يتطلب رصده بدقة في السنوات المقبلة، وهو تراجع طفيف في إنفاق الزائرين للعاصمة على الجوانب الترفيهية فيها، وقد يرجع ذلك إلى حدوث تغيير في المزاج العام للزائرين في التعامل مع لندن كمركز تسويق أكثر من كونها مركزا ترفيهيا.وأشارت مولي إلى أنه إذا ثبت صحة هذا الاتجاه مستقبلا فعلى الجهات المعنية بالسياح إعادة النظر في خططها السياحية لتلبية احتياجات السائحين لضمان مواصلة لندن التمتع بموقعها الريادي في مجال السياحة.ومع اقتراب أشهر الصيف، يتصاعد الحديث في بريطانيا، حول تأثير الأحداث السياسية والاقتصادية التي تمر بها في الموسم السياحي لهذا العام، فيما يشير بعض الخبراء الاقتصاديين إلى أن المتغيرات الاقتصادية، وتحديدا الانخفاض الحالي في سعر الجنية الاسترليني في مواجهة الدولار، ستسهم بدور بارز في زيادة الجاذبية السياحية لبريطانيا، وجعلها في مقدمة الجهات الجاذبة للسياح في أوروبا والعالم، وسط توقعات بأن يشهد الموسم السياحي قفزة في عدد السياح الأجانب والمحليين أيضا، وزيادة ملحوظة في معدلات الإنفاق.وتعزز الجهات الرسمية توقعاتها بمجموعة من البيانات المقارنة بين العام الماضي وتوقعاتها لهذا العام، لتظهر في نهاية المطاف صورة شديدة الإيجابية لمستقبل القطاع السياحي، في وقت تبدو الحكومة البريطانية متعطشة لأنباء اقتصادية إيجابية، في أعقاب المخاوف التي تنتاب عديد من القطاعات بعواقب مستقبلية وخيمة، مع طلب لندن من الاتحاد الأوروبي تفعيل المادة الـ 50 من اتفاقية لشبونة، لبدء جولة مفاوضات ستستمر عامين مع بروكسل، تنتهي بانسحاب المملكة المتحدة من النادي الأوروبي.وأبرز ما تشير إليه التوقعات في المجال السياحي أن المملكة المتحدة تستعد لاستقبال38.1 مليون زائر هذا العام، بزيادة تقدر بنحو 4 في المائة عن العام الماضي، ويقدر بنك "باركليز" إجمالي إنفاق السياح الأجانب والسياحة الداخلية في المملكة المتحدة لهذا العام بنحو 135.5 مليار استرليني، وبينما يتوقع البنك أن يرتفع إنفاق زوار بريطانيا هذا العام بنحو 33.6 في المائة، فإن إنفاق السياحة الداخلية سيرتفع بنحو 25.3 في المائة.وأجرى بنك "باركليز" استطلاع ضم عينة من عشرة آلاف زائر للمملكة المتحدة من مختلف بقاع العالم بما فيها منطقة الشرق الأوسط، وكشف الاستطلاع أن انخفاض قيمة العملة البريطانية بنحو 15 في المائة منذ تصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي عزز الآفاق السياحية في بريطانيا، إذ قال 31 في المائة من العينة محل الاستطلاع إن الاحتمال الآن أكبر لزيارة المملكة المتحدة مقارنة بالفترة السابقة لعقد الاستفتاء في شهر حزيران (يونيو) الماضي.ريتشارد سوال مدير قسم التسويق السابق في هيئة السياحة البريطانية، يعتقد أن مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية تجعل بريطانيا القبلة السياحية لعديد من السائحين في العالم، خلال هذا الموسم السياحي.ويوضح لـ "الاقتصادية"، أنه ربما يعد التراجع الراهن في قيمة الاسترليني، أبرز عامل اقتصادي وراء احتمال انتعاش الموسم السياحي لهذا العام، ويساعد على ذلك عاملان، الأول أن انخفاض قيمة الاسترليني في مواجهة الدولار واليورو يؤدي إلى انخفاض تكلفة السفر والإقامة في بريطانيا، وتكلفة السفر والإقامة عامل أساسي عند وضع ميزانيات السفر، ومن هذا المنطلق ستصبح بريطانيا وتحديدا العاصمة لندن جذابة بالنسبة للكثير من السياح، والعامل الثاني أن انخفاض قيمة الاسترليني سيسهم أيضا في زيادة الإنفاق على المشتريات والترفيه من قبل زوار المملكة المتحدة، وأغلب التقديرات أن نسبة الزيادة المتوقعة في إنفاق كل سائح ستصل إلى 4 في المائة.وتشير بعض التوقعات الرسمية إلى أن إنفاق السياح الأجانب على المشتريات التجارية ستصل إلى أكثر من 9.3 مليار استرليني، بينما ستبلغ على الجوانب الترفيهية ما يوازي 14.7 مليار جنيه استرليني.جانيت سكينر الخبيرة السياحية، تعتقد أن أحد أبرز الظواهر السياحية التي ستشهدها بريطانيا هذا العام تتمثل في انتعاش السياحة الداخلية بشكل غير مسبوق، وتضيف لـ "الاقتصادية" أن تراجع قيمة الاسترليني في مواجهة العملات الدولية الأخرى وفي مقدمتها اليورو والدولار، سيدفع بعديد من المواطنين البريطانيين الراغبين في القيام بجولات سياحية في الخارج وتحديدا أوروبا والولايات المتحدة إلى إعادة النظر في قرارهم، نتيجة ارتفاع التكلفة، إذ سيكون من الأرخص تحويل وجهتهم السياحية إلى الداخل البريطاني.وأشار سكينر إلى أن انتشار ظاهرة الإرهاب والمخاطر الناجمة عن عدم قدرة المجتمع الدولي في القضاء على تلك الظاهرة، يدفع بعديد من البريطانيين إلى التفكير أكثر من مرة في زيارة بلدان مثل تركيا - على الأقل في الوقت الحالي - نتيجة أعمال العنف والتفجيرات أو مصر التي تعاني خطر الإرهاب، ولهذا فإن زيادة أعداد السياحة الداخلية ستؤدي إلى زيادة في الإنفاق على الترفيه، والتوقعات الراهنة أن يصل الإنفاق على بند الترفيه بمفرده من السياحة الداخلية إلى 69 مليارا استرلينيا، بينما سيصل الإنفاق على عمليات الشراء من محل التجزئة إلى نحو 15.6 مليار استرليني، وأغلب التقديرات تشير إلى أن الزيادة في إنفاق السياحة الداخلية سيبلغ 25.3 في المائة هذا العام.لكن بعض العاملين في المجال السياحي يعربون عن خشيته من أن يؤدي انتعاش السياحة الداخلية إلى إلحاق الضرر بقدرة المملكة المتحدة على جذب مزيد من السياح القادمين من الخارج، فزيادة الطلب الداخلي في مجال السياحة سيترك تأثيرا بين على قدرة البنية السياحية البريطانية في استيعاب الأعداد المتوقع قدومها من الخارج، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الحجوزات في الفنادق وارتفاع تكلفة الليلة السياحية في بريطانيا، وهو ما قد يؤدي إلى تآكل الفائدة التي يمكن أن يجنيها الاقتصاد البريطاني من تراجع قيمة الاسترليني.Image: category: عالميةAuthor: هشام محمود من لندنpublication date: الاربعاء, مايو 10, 2017 - 03:00
مشاركة :