رجل الأعمال الكويتي الذي اشتهرت أسرته بخياطة «بشوت» الشيوخ والأمراءأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد يصافح محمد البغلي الكويت: ميرزا الخويلدي لم يكن مساء الأربعاء الخامس من أغسطس (آب) 2015، كغيره من الأيام في بلدة «كيا» الوادعة في الريف الروماني، هذه البلدة التي تحيط بها الغابات، وتخترقها جداول الأنهار وبعضها ينساب من نهر براهوفا، وترتسم في أفقها سلسلة جبال تلتقي مع جبال الكارابات الشرقية لتعطي البلدة الهانئة جواً ساحراً يبعث على التآخي بين الدببة البنية وغزلان الشامواه والقطط البرية التي تحتضنها الأودية والغابات. في هذه البلدة التابعة لمدينة «مانيشيو» في منطقة «براهوفا» التي تقع على بعد 135 كيلومترا شمال العاصمة بوخارست، والغنية بمواردها الطبيعية ومنها النفط والغاز الطبيعي والفحم والحجر الجيري والحجر الرملي والصلبوخ والطين والمياه المعدنية، فُقد أثر رجل الأعمال الكويتي، محمد طاهر البغلي الساعة الثامنة والنصف من مساء الأربعاء الخامس من أغسطس 2015، وحتى الآن ما زال الغموض يكتنف اختفاءه.الابن البارمحمد البغلي أمام الكعبة المشرفة كان البغلي الذي كان يبلغ من العمر وقت اختفائه قبل نحو عامين «79 عاماً» يتريّض بالقرب من قصر العائلة (يمتلكه شقيقه) في «كيا» كعادته منذ عشرين سنة، حيث خرج حاسر الرأس مرتدياً الزي العربي التقليدي الأبيض «الدشداشة»، وممسكاً بعصا من الخشب الأسود عليها نقوش من الفضة باللغة العربية، ورغم أنه كان في سنّ متقدم، فإنه لم يكن يعاني من أمراض مقعدة. قصة اختفائه سرت كالنار في الهشيم في البلدة والمدينة، بل وفي عموم رومانيا. فالرجل الذي قرّر منذ عشرين عاماً أن يجعل من الريف الروماني منتجعه الصيفي ويحول جزءا من استثماراته في مقاطعة براهوفا الرومانية، عرف على الدوام بمشروعاته الإنسانية والخيرية لمساعدة الأهالي ومؤسساتهم، وتقديم يد العون للجمعيات الخيرية، حتى اصطلح على تسميته هناك «الابن البار»، ولذلك انطلقت عمليات البحث تشارك فيها عناصر شرطة وإطفاء وحرس الحدود، مع وجود أكثر من 27 متطوعاً من قرية «كيا» لمشاركة السلطات الرومانية في عمليات البحث الميداني، بالإضافة لاستخدام طائرات الهيلوكوبتر والاستشعار الحراري والكلاب البوليسية، وتشمل عمليات البحث مناطق الغابات المحيطة، واستخدام الغواصين لتمشيط البحيرات الموجودة في المنطقة.صناعة البشوت عائلة البغلي تعود في أصولها إلى قبيلة «حرب»، وهاجر أفرادها من موطنهم الأصلي الحجاز إلى الأحساء في بداية القرن السابع عشر الميلادي، قبل أن يستقر قسم منهم في الأحساء، ويهاجر قسم آخر إلى الكويت. وعرفت هذه العائلة بخياطة المشالح، «البشوت»، بل إن هذه العائلة تمرست في هذه الصناعة حتى أصبحت معروفة بها، واشتهرت بإنتاج أفضل أنواع البشوت وأكثرها جودة، وصارت هذه المشالح تأخذ طريقها في الكويت ودول الخليج نحو كبار الشخصيات من شيوخ وأمراء وتجار وأدباء وشعراء، كما كانت لباسا تقليدياً لـ«النواخذة» قبل عصر النفط. فيما بعد أنشأت العائلة شركة البغلي للنسيج (محمد طاهر البغلي وشركاؤه)، واستمرت في تطوير صناعتها، ليصبح «بشت البغلي» الأكثر شهرة في الكويت ومنطقة الخليج. ومصنعها المقام في منطقة صبحان هو المصنّع الوحيد للبشوت في الكويت.سرّ الغابة رياض البغلي، يقول لـ«المجلة»: «دأب والدي على التردد على رومانيا لقضاء فترة الصيف في نُزل صيفي في قرية (كيا)، يُطل على نهر وغابة… رغم أنه يملك شقة سكنية في العاصمة». وعن المنزل الواسع الذي يعود لأسرة البغلي في القرية التي اختفى منها محمد البغلي، يوضح رياض، قائلاً: «هذا بيت يملكه عمي (شقيق محمد البغلي)، ويقضي الوالد فيه بعض الوقت، ولكن في فترة الذروة في فصل الصيف حيث تتردد العائلة على هذا المنتجع، ينتقل الوالد إلى السكن في (بنسيون) قريب يتمتع بإطلالة مميزة، لكن معظم اليوم يقضيه بصحبة العائلة في البيت الكبير». يستذكر رياض اليوم الذي اختفى فيه والده، رجل الأعمال محمد البغلي بالقول: «مساء الأربعاء، (5 – 8 – 2015) غادر والدي منزل الأسرة، قبيل الغروب، وتحديدا الساعة 1.5 مساءً، لممارسة رياضة المشي… وفي طريقه إلى البنسيون الذي يسكن فيه، تقول معلومات الشرطة إنه توقف بجانب (بنسيون) آخر يطل على غابة… وطلب الدخول إليها». يضيف: «بالنسبة إلينا هذه المعلومات محل شك، لأن الولوج للغابة يستدعي صعود 166 درجة وهو ما لا يمكن للوالد بحكم السنّ أن يقوم به». لكن بعد أكثر من عام من حادث الاختفاء، اكتشفت الشرطة وجود علاقة تربط الشاهد الوحيد الذي أفاد بدخول البغلي البنسيون قاصداً الغابة، ومالك ذلك البنسيون، وصاحبة البنسيون الآخر الذي يقطن فيه… هذه العلاقة لم تكن مكشوفة طوال عام من الاختفاء… لكن الشرطة التي عرضت هذه المعطيات الجديدة للتحليل لم تبن عليها أي فرضية جديدة.ما زال التحقيق مستمراً تسعى السلطات الرومانية لفكّ لغز اختفاء البغلي، وهي تعمل على مسارات متعددة، لا تستثني حتى فرضية أن يكون انزلق في مجرى مائي ولذلك انتدبت الغواصين لتمشيط الأنهار، أو أن يكون وقع فريسة دبّ جائع، أو حتى أن يكون قد ضلّ طريقه في الأحراش. لكن الفرضية الأكثر تداولا أن يكون البغلي وقع في عملية خطف مدبرة بقصد الحصول على فدية. ولكن أهله وعائلته الموجودة هناك، وكذلك السلطات المحلية لم تتلق حتى الآن أي إشعار بهذا الخصوص، ولا طلب فدية من أحد، وهو ما يجعل الغموض سيد الموقف بشأن مصيره.محمد طاهر البغلي السلطات الرومانية، مدفوعة من متابعة يومية من قبل السفارة الكويتية في بوخارست، شكلت خلية أزمة أغسطس 2015، بعد أيام من فقد البغلي، وترأس هذه الخلية رئيس الوزراء داسيان سيولوس، وشارك في هذه الخلية وزير الداخلية بيتري توبا (الذي كان مفتشاً عاماً للشرطة وقت اختفاء البغلي، مسؤولاً عن هذا الملف)، ورئيس الاستخبارات الداخلية، ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الأمنية والخارجية، ورئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الروماني. وتم تحليل كثير من البيانات والاستعانة بصور تم التقاطها عبر الأقمار الصناعية لحركة مرور المركبات وتنقل السياح، واستعين بفرق على الأرض، وطائرات عمودية، لفكّ لغز هذه العملية… كما حاولت السلطات الربط في تحقيقاتها بين الحادث وسقوط طائرة شراعية بعد أشهر من الاختفاء، تم وضع افتراض أنها يمكن أن تكون وسيلة لنقل البغلي إلى خارج المنطقة المحاصرة أمنياً. من جهتها، شكلت السفارة الكويتية في رومانيا غرفة عمليات لمتابعة ملابسات اختفاء مواطنها البغلي، وأعلنت وقتها أن وزارة الخارجية الكويتية عبر سفارتها في رومانيا على اتصال مستمر مع السلطات الرومانية للوصول إلى أي معلومات تقود إلى العثور على البغلي. كما انتقل فريق من السفارة الكويتية إلى قرية «كييا» منذ اليوم الأول لاختفاء البغلي ليبدأ عملية البحث بالتنسيق والتعاون مع السلطات الرومانية. ورغم توسع دائرة البحث لتشمل قرى أخرى فإنه لم يتوصل أحد إلى أي نتائج ملموسة في عملية البحث عنه. السلطات الكويتية قالت إن الشرطة الرومانية استخدمت جميع الوسائل التكنولوجية الحديثة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، كما تم استخدام الطائرات العمودية والكلاب البوليسية وأجهزة الحرارة الجسدية وتمشيط مياه البحيرة لتفقد أثر البغلي. كما أشارت إلى مشاركة الجيش الروماني في تمشيط الغابات للمدينة المجاورة لمحل إقامة المفقود. يقول رياض البغلي لـ«المجلة»، نقّدر الجهود التي تقوم بها السلطات الكويتية، ولكننا ندعو الشرطة الرومانية لأن تولي هذا الأمر الجديّة المطلوبة، فهناك رجل كبير في السنّ تعرض لمحنة الاختفاء، وربما يعاني حالياً، وخلفه أسرة ومحبون يعانون من اختفائه… وهم مطالبون بأن يبذلوا جهداً مضاعفاً لفكّ لغز هذا الاختفاء. يضيف: «لم ننقطع عن رومانيا يوماً، ونحن في تواصل مستمر معهم… ونعلم أن الشرطة هناك لديها خبرة واسعة في منع الجرائم وفك ألغازها، وعليهم أن يفعلوا شيئا من أجل قضية والدنا».مائة ألف يورو يقول رياض البغلي، لـ«المجلة» إن أسرته خصصت جائزة مقدارها مائة ألف يورو لكل من يدلي بمعلومات تؤدي للعثور على والده، أو تساعد المحققين في الكشف عن مصيره. يضيف: «منذ الأيام الأولى وضعنا هذه الجائزة لمساعدة المحققين وحتى الآن لم نتلق أي معلومات إيجابية تساعدنا في فهم ما جرى. بالنسبة إلينا نحن نعتبر والدنا حيّاً وسنسعى بكل قوة لضمان عودته إلى أسرته وإلى محبيه». يضيف: «تلقينا دعماً ليس محدودا من حكومة الكويت، ونحن نشكرها، ونشيد بالمواقف المتضامنة معنا من كل أنحاء الكويت والخليج، الوالد كان منفتحاً على الجميع وله علاقات قوية وممتازة داخل الكويت وخارجها».البغلي حاملاً أحد أحفاده… اشتهرت أسرة البغلي بصناعة المشالح الفاخرة
مشاركة :