تدخل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المقرر عقدها في التاسع عشر من الشهر الجاري، مرحلة السخونة، بعد الحالة الاستقطابية، التي يمثلها ترشّح إبراهيم رئيسي (سادن الروضة الرضوية) في مقابل الرئيس الحالي حسن روحاني. وعلى الرغم من ذلك، فإن محافظ طهران محمد باقر قاليباف يعد مرشحاً مهمّاً في هذه الانتخابات، ليس لأنه حل ثانياً في الانتخابات الرئاسية الماضية فقط، وإنما أيضاً لأنه يمتلك المشروعيات المؤثرّة واللازمة للدخول إلى نخبة جمهورية إيران الإسلامية: المشروعية الجهادية، ومشروعية الإنجاز في مواقع عسكرية عليا ومناصب مدنية مؤثرة، وقبل ذلك مشروعية الانتماء إلى مشروع جمهورية إيران الإسلامية والالتزام بخط «ولاية الفقيه». يشبه محمد باقر قاليباف ـــ إلى حد ما ـــ رئيس البرلمان علي لاريجاني، وينتميان إلى «قماشة» عمرية ومؤسساتية وإيديولوجية واحدة، ويتقاربان كثيراً من حيث الولاءات والانتماءات والتوجهات الداخلية والخارجية، مما يجعله مناسباً لمنصب رئيس جمهورية إيران الإسلامية في هذه الظروف. ولد محمد باقر قاليباف في مدينة مشهد عام 1961، وشارك في الحرب العراقية ــــ الإيرانية (1980 ــــ 1988) كضابط شاب في الحرس الثوري. أصبح قاليباف قائداً لقوات الإمام الرضا عام 1982 التابعة للحرس وعمره لم يتجاوز إحدى وعشرين سنة، وأبلى بلاء حسناً في المعارك، فترقى إلى قائد قوات «نصر»، التابعة للحرس أيضاً، خلال عامي 1983 و1984. وبلغت نجاحات قاليباف العسكرية ذروتها، وهو ما زال في بداية العشرينات من عمره مع توليه قيادة فيلق «رسول الله»، الذي كان له دور حاسم ومؤثر في التخطيط العسكري الإيراني للحرب. ألقى الإمام الإيراني الراحل الخميني خطبة عقد زواج قاليباف، البالغ من العمر وقتها اثنتين وعشرين سنة، على زوجته زهرا مشيري، التي أنجب منها قاليباف لاحقاً ولدين؛ هما إلياس وإسحاق، وبنتاً هي مريم. ترقى قاليباف بعد الحرب ليصبح نائباً لرئيس قوات الباسيج، ثاني أكبر قوة ضاربة في الحرس الثوري الإيراني، ثم ارتقى ليصبح مديراً تنفيذياً لشركة خاتم الأنبياء الهندسية العملاقة التابعة أيضاً للحرس الثوري؛ وصاحبة المشاريع العملاقة في طول إيران وعرضها. واصل قاليباف صعوده اللافت بعد ذلك، إذ عيّنه السيد الخامنئي قائداً للقوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني عام 1996، واستمر في هذا المنصب العسكري المهم حتى عام 1999. يقول قاليباف: «مازحني ابني وقتها قائلاً: كيف تتولى هذا المنصب وأنت لا تستطيع الطيران؟»، بعدها مباشرة تعلم قاليباف الطيران على طراز إيرباص، وله صورة شهيرة بملابس الطيّارين. حصل قاليباف على الدكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة تربيت مدرس، وأصبح أستاذاً جامعياً وعضواً في هيئة تدريس الجامعة. ثم عاد السيد علي خامنئي وعيّنه في منصب قائد «الشرطة الوطنية» الإيرانية عام 1999، وأثناء توليه منصبه اندلعت التظاهرات الطلابية في الجامعات الإيرانية في العام ذاته، فوقع مع عشرات من قيادات الحرس الثوري رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس الإيراني وقتذاك محمد خاتمي يحذره فيها من التساهل مع المحتجين. بقي قاليباف في هذا المنصب حتى عام 2005، حيث استقال لتقديم أوراق ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية كما تقتضي القوانين الإيرانية. حل قاليباف رابعاً في انتخابات 2005 برصيد، يبلغ %14 من الأصوات، ثم حل ثانياً في الانتخابات الرئاسية 2013 برصيد يبلغ %16 من الأصوات. انتخب مجلس مدينة طهران قاليباف في منصب المحافظ عام 2005 بأغلبية ثمانية أصوات من أصل خمسة عشر صوتاً. وبسبب نجاحاته الملحوظة في منصب محافظ طهران، أعيد انتخابه مرة أخرى عام 2010، ولكن بعدد أصوات يبلغ اثني عشر صوتاً. ما زالت الحملة الانتخابية في أولها، ومن الطبيعي أن تكون هناك مفاجآت آتية في الطريق، إلا أن محمد باقر قاليباف يبدو من الآن رقماً مهمّاً في معادلات إيران الانتخابية، حتى وإن تبدو أن المنافسة محصورة بين روحاني ورئيسي. د. مصطفى اللباد
مشاركة :