الخليفة، رجل تعطى له مهمة قيادة المجتمع والأوطان، وتحديد ما ينبغي لهم فعله، وما يجب عليهم تركه، على أن يحكم وفق الشريعة الإسلامية، وهو في نهاية المطاف "ظل الله في الأرض" طاعته ملزمة وواجبة شرعاً، وهو خليفة رسول الله، وتجمع المدارس السنية على أن تنصيب خليفة للمسلمين واجب شرعي، وأن أوامره ونواهيه قوانين ملزمة، وهو مصدر كل السلطات، بما فيها السلطة القضائية. الولي الفقيه هو كذلك في المحصلة، فهو من يحدد السياسات العامة للدولة، وهو القائد العام للقوات المسلحة، ينصب ويعزل من يشاء، ووقتما يشاء، ومن صلاحياته عزل رئيس الجمهورية، وهو يُعيّن كما الخليفة والملك مدى الحياة، لكنه يختلف عن الخليفة بكونه وكيل الإمام المهدي، الذي هو إمام آخر الزمان، والإختلاف هنا مجرد إختلاف فقهي ليس إلا، إذ النتيجة واحدة، والهدف واحد، فالولي الفقيه يحكم بالشريعة الإسلامية أيضاً، ولكن وفق الفقه الجعفري الإثنى عشري، وكل الخلفاء والسلاطين السابقين حكموا باسم الشريعة، ووفق فقه معين، إسماعيلي، أو زيدي، شافعي، أو حنبلي، مالكي، أو حنفي، أو علوي، أو جعفري، أو فقه متصوف أو مجموعة متصوفين، وكلهم إستندوا في الحكم على مرجعية دينية كانت تزكيهم وتبرر إجراءاتهم، وتسوغها، وتمنحها الشرعية اللازمة. من يمنح هذه السلطة للخليفة، هم في العهد الراشدي "أهل الحل والعقد"، وهم عدد محدود جداً من الصحابة، عددهم ستة أثناء تولية عثمان بن عفان، وهم في الجمهورية الإيرانية الإسلامية "مجلس خبراء القيادة" المتشكل عبر الإنتخاب المباشر لفترة محددة أمدها دورة واحدة مدتها ثماني سنوات وعددهم 86 عضوا. وأهل "الحل والعقد"، يختارون الخليفة من بينهم، لأنهم هم عصارة وخلاصة الأفضل من بين الناس، ولا يختارون الخليفة من خارج أهل الحل والعقد، وقد تغير الأمر فيما بعد، بعد أن أصبحت الخلافة بالوراثة، أو الغلبة، حيث يجبر الناس بعدئذ على البيعة، وقد تم فيما بعد الإستغناء عن البيعة، فما الحاجة لها إذا اصبح الحكم بالغلبة، ووجد فقهاء يبررون حكم من لا أهلية له بالحكم، دينياً وأخلاقياً، بذريعة الغلبة، والخشية من الفوضى والخراب. و"مجلس خبراء النظام" يختار الولي الفقيه ممن هم ليس بالضروره من داخله، وهو موجود لمهمة محددة هي إختيار الولي الفقيه أو عزله. "مجلس خبراء القيادة" هو تطوير أو تنويع لـ"أهل الحل والعقد"، والولي الفقيه ليس سوى الخليفة ولكن في القرن العشرين والحادي والعشرين، ونظام ولاية الفقيه أبدل الشورى والبيعة بالإنتخابات العامة المأخوذة من الديمقراطيات الغربية، حيث تجري انتخابات البرلمان ورئيس الجمهورية عبر الانتخابات المباشرة، وحتى الولي الفقيه ينتخب كما أسلفنا، ويمكن القول أن الولي الفقيه يصبح بعد إنتخابه كالملك في الحكومات الملكية التي تعود كل الصلاحيات فيها للملك. عندما يقف السلفي ضد ولاية الفقيه فموقفه لا علاقة له بالإسلام، إنما هو موقف طائفي يدعي الحرص على الإسلام، وعندما يقف الشيعي ضد الخليفة أو الخلافة فموقفه لا علاقة له بالإسلام إنما هو موقف طائفي يدعي الحرص على الإسلام أيضاً، وكلا الموقفين الطائفيين لا علاقة لهما بالإسلام. الذين يقفون ضد الإستبداد، وإستثمار الدين في السياسة، يعارضون بداهة ولاية الفقيه، كما يعارضون بنفس القدر الخليفة، لأن أمر إدارة شؤون الناس موكول للناس أنفسهم، وهم وحدهم من يحق لهم إختيار من يقودهم أو يقودونهم، وهم وحدهم من يحق لهم عزل من لا يرون في وجوده مصلحة لهم. أما من يقف ضد ولاية الفقيه ويتناسى ذكر الخليفة والذي يقف ضد الخليفة ويتناسى ذكر ولاية الفقيه فهو مخادع يحاول تمرير أجندات لا علاقة لهما بالموضوع، أو جاهل يهرف بما لا يعرف. يمكن القول أن العلمانيين الحقيقيين، لا الذين يتخفون تحت أقنعة، كقناع المدنية، أو الليبرالية، هم حصراً، الذين يفصلون بين الحكم والدين، ولا يخشون الجهر بضرورة فصل الدين عن السياسة، والعلماني لا يمكن أن يعارض ولاية الفقيه، ويقبل بالخليفة أو حكم الملك المستند على الدين، أو الرئيس الذي يرى أنه مكلف بتطبيق شرع الله بين الناس، ولا نعرف من كلفه بهذا. مثل العلمانيين المتخفين، أو الذين يخافون من علمانيتهم أو يخشون الجهر بها، كمثل الطائفي، سنياً كان أم شيعياً، وهو يتخفى برداء الدين، في حين أنه قلباً وقالباً طائفي حتى النخاع، وهما كليهما لم يفهما حقيقة العلمانية أو الإسلام، فتوسلا بما ليس لهما فيه علم ولا دراية. صباح علي الشاهر
مشاركة :