بعد نشر الجزء الأول من هذا نستكمل الجزء الثاني السؤال السابع: ما هي وجهة نظرك عن التطور قبل الحقبة الكامبرية وبعدها من منظور تطوري؟ لماذا كانت هناك تغيرات تطورية طفيفة للغاية أو منعدمة منذ فترة (3.8 مليار سنة) تقريباً، ثم تطورت الكائنات جميعها في 550 مليون سنة تقريباً، وهذا أشبه بالظهور المفاجئ للحياة بدلاً من التطور التدريجي؟كارل زيمر: لا أظنني استوعبت سؤالك، الأرض عمرها 4.56 بليون سنة، بداهة لا وجود للحياة على الأرض قبل ذلك، لا فكرة عندي إن ظهرت الحياة على كواكب أخرى في بدايات عمر الكون. إن كانت تتوفر على مقومات الحياة على الأرض (النسخ، الوراثة، الطفرة) حينها يمكن للحياة أن تتطور، التطور ينشأ تلقائياً من أنظمة شبيهة. السؤال الثامن: إذا كانت الأعضاء التكاثرية الذكرية والأنثوية قد تطورت من مسارين تطوريين مختلفين، كيف تطورت ليصبح العضو التكاثري الذكري مناسباً تماماً لتأدية وظيفته مع العضو التكاثري الأنثوي مع اختلاف المسارين التطوريين؟كارل زيمر: إذا كان الذكر والأنثى يعملان معاً بالصورة المثلى، فستتوقع أن كل تزاوج سينتج عنه نسلٌ مخصب، وهذا ما ولم ولا يحدث. الأعضاء التكاثرية تعمل بشكل جيد، لكنها بعيدة كل البعد عن أن تكون مثالية. في الواقع، فإن تطور الأعضاء التكاثرية ممكن أن يتم على نحوٍ متضارب، وهذا ما يفسر التركيب التشريحي/البنيوي الحائد عن المألوف للأعضاء التكاثرية عند البط، وهو موضوع سبق أن كتبت عنه: http://www.nytimes.com/2007/05/01/science/01duck.html أما فيما يخص أصل الأعضاء التكاثرية، فمن الأهمية بمكان الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأعضاء يمكن أن تأخذ أشكالاً متنوعة. في أغلب الطيور على سبيل المثال، لكلا الجنسين شق شرجي. عند البط والطيور المائية الأخرى العضو الذكري تطور ليصبح بذاك الطول بسبب الصراع التطوري مع الإناث، والتي بدورها طورت أجهزة تناسلية معقدة. أما فيما يتعلق بالبنية التناسلية للإنسان، فعلينا أن نتجه إلى الثدييات، وكذا أشباه الثدييات التي انقرضت؛ لنكوّن صورة عما كانت عليه الأمور حينها. لكن ولسوء الحظ، فالسجل الأحفوري للأنسجة اللينة لا يرقى لنفس الجودة مقارنة بنظيره المحتوي على العظام.ورينا نفسك: لكن هذا التكيف الذي أشرت إليه أشبه بسباق التزين الذي يعطي الذكر فرصة أفضل في الوصول للأنثى إذا حصل على مقومات تؤهله لذلك تفوق ما يمتلكه باقي الذكور وهو أشبه أيضاً بسباق التسلح بين الفريسة والمفترس وفي كلا الأمرين يكون كل عنصر في هذا التفاعل محفزاً لباقي العناصر على الترقي والحصول على قدرات أكبر، لكن هذا كله لا يفسر الحد الأدنى من التناسق المطلوب في الذكر والأنثى للبدء في عملية التكاثر. السؤال التاسع: كان السند الأساسي لداروين هو افتراض وجود سلف مشترك، تفرعت منه جميع الكائنات الحية، التي مثلت شجرة الحياة، معتمداً على التشابه الخارجي بين بعض الكائنات الحية.. إلا أنه بعد الفحص الدقيق لهذا الفرض نجد أن التشابه - سواء على مستوى الشكل الخارجي أو الجينات أو البروتينات - لا يمكن أن يكون دليلاً صحيحاً على وجود سلف مشترك. كمثال يمكنك مراجعة بحث "Baptiste et al.2005" عن الجينات أو بحث "Koonin & Wolf 2010" عن البروتينات. لذلك لا يمكن أن يمثل السلف المشترك تنبؤاً صحيحاً عن طريق التشابه، ما رأيك؟كارل زيمر: الادعاء الذي تم طرحه في هذا السؤال لا تدعمه الورقات المستشهد بها / المشار إليها. هذه الأبحاث تقدم أدلة على أن النقل الأفقي للجينات قد ساهم في نقل بعض الجينات من سلالات لأخرى. ومع ذلك، لإثبات الأمر، قام هؤلاء العلماء بإعادة بناء تاريخ هذه الجينات وتاريخ تطورها من سلف مشترك. هم ببساطة يزودوننا بنظرة أكثر عمقاً للتطور الميكروبي. كما أن هذه الأوراق لا تتحدى حقيقة أن التطور الحيواني عبارة عن نقلِ جيناتٍ عمودي (تناسل) في أغلب حالاته. وبالتالي، فبإمكاننا الاستعانة بالحفريات لتشييد شجرة من الصفات الظاهرية تظهر العلاقة بين الكائنات الحية. وطبعاً فالتطور المقارب كذلك جزء مهم من نظرية التطور، كما أشار إلى ذلك داروين في 1859. لكن التطور المقارب ليس هو نفسه في جميع الحالات، العلماء باستطاعتهم رؤية كيف أن أنساباً غير قريبة وراثياً تتقارب لتكتسب نفس التكيفات من طرق (تطورية) مختلفة (بمعزل عن بعضها البعض).ورينا نفسك: بل هذه الدراسات تؤكد المعنى الذي استخدمتها للاستشهاد عليه وهذه بعض الاقتباسات منها: "مثل هذه النتائج تشير إلى أن المفهوم البسيط لوجود شجرة واحدة للحياة تستطيع أن تصف بدقة وبشكل قاطع تطور جميع الكائنات الحية، قد رحل إلى الأبد". (1) "المتعصبون لفكرة الشجرة يتجاهلون الإشارات المتضاربة كأنها مجرد ضوضاء حتى لو كان هناك أحداث تطورية هامة تكمن وراءها". (2) "في هذه الورقة، قمنا بفحص إشارات الشجرة الفيلوجينية لأربع مجموعات من البيانات؛ لكي نعالج سؤالاً بسيطاً هو: هل الأشجار الفيلوجينية للجينات المتماثلة حقاً تدعم فرضية الشجرة؟ وبالتالي تبرر محاولات إعادة إعمار تلك الشجرة؟.. قد لاحظنا أنه لا يوجد تاريخ موحد مشترك يمكن أن ينشأ عن هذه الجينات المتماثلة. في جميع الحالات، الجينات تفشل في دعم شجرة واحدة، وقد لاحظنا أيضاً أن بعض هذه الجينات تدعم التعارض في التواريخ، وبالتالي فإن فرضية الشجرة التي تتسلسل عليها الجينات، ليست نتيجة دلت عليها الشجرة الفيلوجينية، وليست مُسَلمة يجب أن تُبنى عليها الشجرة الفيلوجينية". (2) وهذا البحث انتهى إلى نفس النتيجة بدراسة التشابه في البروتينات. (3) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) Wolf, Y. I., Rogozin, I. B., Grishin, N. V., & Koonin, E. V. (2002). Genome trees and the tree of life. TRENDS in Genetics, 18(9), 472-479 (2) Bapteste, E., Susko, E., Leigh, J., MacLeod, D., Charlebois, R. L., & Doolittle, W. F. (2005). Do orthologous gene phylogenies really support tree-thinking?. BMC Evolutionary Biology, 5(1), 33 (3) Koonin, E. V., & Wolf, Y. I. (2010). The common ancestry of life. Biol Direct, 5(1), 64-64. السؤال العاشر: هناك أعضاء ادعى علماء التطور أنها سيئة التصميم بسبب أنه كان يمكن تصميمها بشكل أفضل من ذلك، ومن أشهر تلك الأمثلة العين، لكن مؤخراً تم اكتشاف أن هذا التصميم هو التصميم الأمثل لنا، أليس هذا مجرد توسل بالمجهول؟كارل زيمر: حتى لو اتضح أن هذه التدابير هي المثلى من بعض النواحي، ستبقى هناك إشكاليات أخرى مطروحة حول العين يجب التعاطي معها، على سبيل المثال حقيقة أن هذه التدابير لشبكية العين جعلتها سهلة الانفصال، وأيضاً لماذا نجد الشبكية عند الفقاريات معكوسة نقيض رأسيات القدم؟ (كالأخطبوط أو الحبار). هذه الأسئلة يمكن التعاطي معها بصورة أفضل عن طريق سبر أغوار تاريخ تطور الأعضاء مثل العين. السؤال الحادي عشر: فكرة التعقيد غير القابل للاختزال يمكن أن تنطبق على بعض الأعضاء دون غيرها، لكن أليس من الصعب جداً أن نعتقد أن فكرة التكيف التعاضدي المسبق ستنطبق على كل شيء معقد حتى لو كنا لا نملك دليلاً على ذلك؟كارل زيمر: التعقيد غير القابل للاختزال ليس حجة صحيحة ضد نظرية التطور. الأشياء يمكن أن تتطور من أصول بسيطة؛ لتصبح أكثر تعقيداً. تعاضد الصفات المسبقة (co-option) ميزة مهمة في التطور، التي تم تقديمها بإسهاب في عدة دراسات. على سبيل المثال، فإن تعاضد الصفات هو ما مكن الجلد أن يتطور ليصبح ذا وظيفة جديدة (الريش). لا أعلم أحداً ادعى أن تعاضد الصفات المسبقة يمكن تنزيله على أي شيء معقد؛ لذا ليس في استطاعتي الجواب على هذا الجزء من سؤالك.ورينا نفسك: المقصود بتنزيله على أي شيء معقد هو الأعضاء أو العمليات البيولوجية التي تفقد وظيفتها بالكلية إذا فقدت أحد عناصرها، مما يترتب عليه ادعاء تكيف تعاضدي مسبق لكل عنصر من عناصر تلك الوظيفة غير القابلة للاختزال وهذا ادعاء معقد جداً في الحقيقة. السؤال الثاني عشر: هل يمكن لعملية عشوائية ما أن تنتج نظاماً معقداً كشيفرة موريس مثلاً؟ وماذا عن الأنظمة الأكثر تعقيداً بكثير من شيفرة موريس، هل العمليات الكيميائية غير الموجهة يمكنها أن تشرح نشوء الشفرة الوراثية وبقية التعقيدات في الكائنات مرة بعد مرة، وهل في هذا دلالة على وجود تصميم ذكي؟كارل زيمر: الجدال من منطلق افتراض غياب تفسيرات كحجة للتصميم الذكي ليس بحجة علمية. يمكنك أن تقول بنفس السهولة إن الكائنات الفضائية خلقت العالم منذ دقيقة مضت، وزرعت ذكريات في أدمغتنا، ما هي أدلة التصميم الذكي؟ لا يوجد، ولا يوجد كذلك في تفسير الشفرة الجينية. ما أريد قوله إن العلماء لا يأخذون التصميم الذكي على محمل الجد؛ لأن الواحد منا لا يمكن أن يجادل عن أية فرضية ببساطة باختلاق تساؤلات حول تفسيرات أخرى.ما هي الأدلة التي تدعم التصميم الذكي؟ لا توجد أدلة من هذا القبيل حظيت باقتناع المجتمع العلمي منذ عقود. أما فيما يخص الشيفرة الجينية فهي لم تتطور عن شيفرة مورس. هناك عدد من الفرضيات يتم التحري فيها حول كيف ظهرت الشيفرة الجينية، ولماذا نملك مثل هذا النظام العجيب المسهب. (ربما بسبب "حادث مجمد" **، أو ربما أن الشيفرة الجينية قد تم تحسينها لمقاومة الطفرات). ** اقترح فرانسيس كريك أن الكود الجيني نشأ عبر حادثة عشوائية سماها "الحادثة المتجمدة - Frozen Accident. شكراً على استضافتكم لي.ورينا نفسك: بالتأكيد غياب الدليل ليس بدليل، ولذلك فنحن لا نبني على غياب الدليل شيئاً. أما شيفرة موريس فلم أقصد بالسؤال أنها أصل الشيفرة الوراثية، وإنما قصدت أن الشيفرة لا يمكن أن تنشأ بشكل عفوي؛ لأنها تتطلب قاموساً ثابتاً يتم الرجوع إليه لفك الشيفرة وهذا قد لا يكون له وجود في وسط متغير تضربه الطفرات منذ ملايين السنين.. شكراً لك. *** نهــايــة الحـــــــــــوار *** ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :