خيري منصور حاول كاتب لبناني أن يجمع ما استطاع من الكتابات والشعارات التي كانت تغطي جدران المدينة كي يتوصل إلى الدوافع العميقة لدى الناس عندما يعبرون عن أنفسهم بلا رقابة، ووجد أن هناك حرباً أهلية أداتها وسلاحها اللغة، غالباً ما تسبق الحرب الأهلية الفعلية، وهذا ما ردده باحثون من مختلف الثقافات عن دور الكلام في التحريض وبالتالي تحوله إلى حرب أهلية باردة بانتظار اللحظة المناسبة للانفجار!وتكررت المحاولة في أكثر من عاصمة عربية خلال السنوات الست الماضية، لكن تسارع الأحداث جعل من الصعب على أي راصد أن يضبط خطواته على إيقاعات صاخبة!إنها تجارب في اكتشاف المخفي والمسكوت عنه لدى مجتمعات عانت طويلاً فائض الكبت، وكظمت الغيظ، لكن من كانوا يشكون من غياب حرية التعبير وجدوا أنفسهم يعانون فائض هذه الحرية ليكتشفوا أن المسألة ليست في حرية التعبير فقط، بل في القدرة على ترجمة الأحلام إلى واقع، لأن أحلام اليقظة والشعارات الفضفاضة تزداد كلما اتسعت المسافة بين الرغبة والقدرة على إشباعها.لقد كانت المقاربات السياسية والإعلامية العاجلة واللاهثة خلال السنوات القليلة الماضية أضعاف المقاربات المنهجية التي ترتكز إلى أسس علمية خصوصاً في المجالين النفسي والاجتماعي، لهذا بقيت ناقصة وأشباه جمل، نعثر فيها على المبتدأ ثم لا نجد الخبر!إن شعارات المواسم الانتخابية والحراكات الشعبية على اختلاف أهدافها ودوافعها أصبحت منجماً للباحثين خصوصاً في حفر المعرفة التي تتخطى التوصيف والتشخيص إلى العمق، لكن مثل هذه المعالجات لا تزال في عالمنا العربي شحيحة وخجولة أيضاً ظناً من المتخصصين أن خطابهم لن يصل إلى الناس بسبب اختلاف مفردات معجمة وخروجه عن النص المقرر من خلال الميديا السائدة.الطبيب الخبير والماهر قد يحزر مرض من يعالجه من سعاله أو لون عينيه، فهل سيعرف فقهاء الحراكات الشعبية المسكوت عنه من خلال الشعار؟
مشاركة :