دبي: مصعب شريف عبر فضاءات قطع «الكانفس» والقماش وغيرهما من المواد، اختلطت الأحبار والإكريلك والتراب الذهبي مع الخليط المعدني المطلي والألوان الزيتية، لتتمازج مع مجموعة أخرى من المواد، إلى جانب الصور الفوتوغرافية وتشكيلات الفن الرقمي والخط العربي، التي أبدعتها أنامل فنانين ومصورين إماراتيين ومقيمين في الدولة، لتشكل مكونات معرض «تعابير فخر» المتنقل، ضمن مبادرة بذات الاسم ينظمها «مكتب أسر الشهداء» في ديوان صاحب السمو ولي عهد أبوظبي، بالتعاون مع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. وتمثل مبادرة «تعابير فخر» إحدى فعاليات حملة «#الإمارات_بكم_تفخر». انطلق المعرض أولاً في «ياس مول» بأبوظبي، لينتقل بعدها إلى «دبي مول» الاثنين الماضي ويستمر حتى 15 الجاري، ينتقل بعدها إلى رأس الخيمة ليختتم تنقله في 24 الجاري. ترتكز «تعابير فخر» كمبادرة على توظيف جميع أنواع وجماليات الإبداع الفني، كأدوات تعبيرية لتشجيع مشاركة الجمهور من جميع إمارات الدولة على إحياء «يوم الشهيد»، المناسبة الوطنية الغالية التي تخلد ذكرى بطولات جنود الإمارات، وتُجسّد معاني الولاء والوطنية والتضحية في سبيل الدفاع عن تراب الوطن وصون عزته وكرامته. وهي ذات المعاني التي تضج بها أعمال المعرض التي وظف فيها فنانون إماراتيون ومقيمون كل التقنيات بحرفية فنية عالية لإيصال رسالة المعرض، الذي ما إن تبدأ جولتك في أرجائه حتى تجد رسالة «أبناء زايد» المكتوبة بخط عربي بديع كجزء من عمل فني عبارة عن سجادة أبدعت ضمن مشروع «فاطمة بنت محمد بن زايد».المعرض الفني المحتشد بأعمال متنوعة، يجسد مشاعر الفخر ويعكس وحدة وتلاحم فئات المجتمع الإماراتي في تعبيرها عن التقدير والاعتزاز بما قدمه الشهداء من تضحيات دفاعاً عن الوطن وحفاظاً على منجزاته، وهو اعتزاز حشد له الفنانون المشاركون في المعرض أقصى طاقاتهم التعبيرية بدءاً من مجسم «الحروف الهجائية للأبطال»، الذي أبدعته الفنانة عزة القبيسي، على فروع شجرة النخيل لتضع عليها الأحرف الهجائية للأبطال بالفولاذ، لتشير إلى أنهم سطروا أسماءهم بصلابة في صحائف تاريخ المجد والفخر والبطولة. كذلك تقدم لنا وفاء حشر آل مكتوم حزمة من الأعمال المتنوعة، أبرزها بورتريه يرصد علامات الفخر والعزة في وجه أحد أبطال الإمارات، ولم تقتصر التعابير في الأعمال المشاركة على المباشرة حيث نجد أعمالاً تجريدية وسوريالية كثيرة لفنانين مختلفين تحمل ذات الرسائل . قادة الإمارات ورموزها حاضرون كذلك في المعرض عبر بورتريهات مشغولة بعناية فائقة، ففي أحد أعمال آمنة الحمادي يحتضن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والد أحد الشهداء، في لحظة من لحظات الفخر يجسدها العمل عبر رصد دقيق لملامح والد الشهيد، وكأنه يريد أن يقول: إنه لما كان لهذه البطولات والتضحيات أن تأتي لولا هذا التلاحم الفريد بين القيادة وشعبها. كذلك اشتركت مجموعة من الأعمال الفنية المشاركة في المعرض في رصد علامات وتعابير التكاتف والتلاحم بين أبناء الإمارات، لتبين استعدادهم الدائم للذود عنها والموت في سبيل مجدها وكرامتها، وهي أعمال عديدة أبرزها العمل الفني الذي أبدعته الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان، بعنوان «يوم الشهيد 2015»، وهي تقدم من خلاله صورة من صور البسالة التي قدمتها القوات المسلحة الإماراتية في ساحات النزال عبر تقنية بديعة تظهر مجموعة من المظليين وهم يهبطون كشارات للنصر، وتلخص المشهد بمظلات المظليين التي تسبقهم إلى أرض التضحية والفداء. أم الشهيد كذلك شكلت حضوراً في عدد من الأعمال، التي تقدم لنا ملامح الأم الإماراتية التي تشع فخراً بأبنائها الجنود واستعدادها الدائم لتقديم أبنائها فداءً لتراب الوطن وعزه ومجده. ولم يقتصر حضور المرأة الإماراتية على دور الأمومة فقط، بل تعداه إلى المرأة المقاتلة المدافعة عن وطنها، ولم يكن للأعمال الفنية المشاركة في المعرض أن تغفل هذا الجانب أيضاً. ولا يمكن الحديث عن الأعمال الفنية المعروضة بعناية فائقة في باحة القاعة الرئيسية ل "دبي مول"، دون التوقف لدى المنجز الفني للفنانة الإماراتية المعروفة نجاة مكي، الذي أتى بعنوان «منازل الشهداء»، وهي لوحة بطول 150 سم وعرض 190 سم، استخدمت فيها مكي تقنيات متعددة عبر توظيف مواد مختلفة على قطعة "الكانفس"، لتتجلى رمزية المنازل المتشابكة في اللوحة في الفضاء المفتوح أعلاها، الذي يشير إلى أن ثمة آمالاً كبيرة تمخضت عن تضحيات جنود الإمارات وأبطالها، وتتكثف المعاني في اللوحة التي يستغرق تأويلها والوقوف على دلالاتها ورسائلها وقتاً طويلاً، فهي تستلهم البيئة الشعبية المحلية في العمل بالغ الرمزية وتضع فيه بصماتها النحتية التي ترجمتها من قبل في مجموعة من الأعمال. جولة واحدة في المعرض الفني لا تكفي للوقوف على تفاصيله فهو يحفل بالمجسمات والأشكال الفنية الرقمية الحديثة المستلهمة من تراث الدولة، التي تشكل معالمها كذلك حضوراً كبيراً في جميع أقسامه، فالجيش الإماراتي برجاله الشجعان وعتاده المتطور وتقنياته الحديثة، كان أحد موضوعات الأعمال الفنية التي استلهمت كذلك البيئات الإماراتية المختلفة الصحراوية والبحرية والجبلية، كما عمل بعضها على استحضار التراث الإماراتي واحتفى البعض بمظاهر الحداثة المختلفة التي تتجلى في جميع إمارات الدولة، لنجد مثلاً برج خليفة في دبي، كخلفية للوحة يطل من خلالها أحد الجنود البواسل وهو يرسل التحية للوطن الذي يخفق علمه في الأفق، وتتخلل اللوحة التي أبدعتها مرام جمال السياخي، الطالبة في الجامعة الأمريكية بالشارقة، مشاهد تبرز التنوع البيئي في الإمارات، لتقول عبر لوحتها «جنود الإمارات الشجعان»، إن هؤلاء الجنود يستلهمون شجاعتهم من جميع أرجاء هذا الوطن. وتطل «واحة الكرامة» بأبوظبي، كوجهة رئيسية للتعرف إلى تضحيات أبناء الإمارات في سبيل ترسيخ مكانة الدولة كرمز دولي للتسامح والتعايش وكرم الضيافة، في عدة أشكال في المعرض ضمن أعمال التصوير الفوتوغرافي والتصوير الرقمي الحديث، فهي هنا في الصورة الرقمية لسلطان كرالي رمز للشكر والابتهال، حيث يبرز العمل إحدى أمهات الشهداء وهي تبتهل وتحمد الله أمام نصب الشهداء، فيما يرفرف علم الإمارات فوقها، وهي صورة فوتوغرافية تحتشد بالجماليات في أعمال أخرى، كذلك تقدم الصور الفوتوغرافية والرقمية المشاركة في «تعابير فخر»، معاني أخرى للنصر والبطولة والفداء، فهي تقف عند ساعات العودة وترصد ساعات النصر التي ينقلها لنا فنانون بزوايا مغايرة تماماً. مشاركات الصغار.. استمرارية الروح تعدت مبادرة «تعابير فخر» مرحلة كونها مجرد مناسبة، للتأسيس لمدرسة فنية تعنى بالبذل والعطاء، وهي المدرسة التي آتت أكلها عبر جذبها لمجموعة من المبدعين الصغار والشباب، تشير أعمالهم المعروضة في باحة المعرض إلى أن ثمة مستقبلاً فنياً كبيراً لهم، فلن تكتمل زيارتك للمعرض إذا لم تتوقف عند أعمال فنية مكتملة، تجذبك تقنياتها الفنية، وما إن تتفحصها وتقف على أسماء الفنانين الذين أنجزوها حتى تجد أنها تخص هؤلاء الصغار. هنالك لوحة بالألوان الزيتية تقدم من خلالها يالدا عبد الحميد؛ الطالبة بالصف الثامن في مدرسة المعارف الخاصة بدبي، طابوراً عسكرياً تحت ظلال علم الدولة، وعلى ذات العلم تمزج لنا الطالبة الحور محمد الحوسني، مشهداً آخر في لوحة خلفيتها العلم الذي يتكئ عليه الجنود الأبطال، كما يجسد ميكايل ماجسمبول، الذي يدرس بالصف الخامس في مدرسة الشويفات الدولية بأبوظبي، معاني الوحدة في عمله الفني: «بلد واحد وقلب واحد»، وهو عبارة عن تشكيلة من الفنون الرقمية. وتتنوع مشاركات الطلاب الإماراتيين في المراحل المختلفة حتى الجامعية، ليؤكد لنا المعرض عبر هذه اللفتة أن جميع فئات مجتمع الإمارات، أتت لتعبر عن فخرها بالشهداء الأبطال، وأن مشاركة هؤلاء الصغار تشير إلى أن هذه التعابير الفنية ستكون مستمرة، مادامت هذه الروح الموهوبة موجودة على أرض الدولة، فالجميع هنا ينتهز الفرصة ليُعرب عن فخره بما يمتلك من طريقة للتعبير.
مشاركة :