ملامح الشخصية اليهودية في رواية "يهود الإسكندرية" (2 / 3)

  • 5/12/2017
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

الادعاء الكاذب بالدور الوطني هو إحدى سمات الشخصية اليهودية بعامة ويهود مصر بخاصة، إذ نقف على زعم بعضهم بأن لهم أدوارا وطنية لصالح الوطن مصر، وفي ذلك يلجأ اليهود غالبا إلى تزوير التاريخ والكذب على الأجيال، فعند الجيل الثاني لاحظنا من خلال حوار أحد الحاخامات لمظلوم أنه يعترف بالوشايات التي كان يقدمها للوالي عن احد أقاربه وكأنها خدمة وطنية، وعند الجيل الثالث حينما ترافق جوهرة بعض زوار يهود العالم لضريح جون تقدم قبر أبيها منير بوصفه رمزا لمن كان له دور وطني فتزعم أنه كان يصنع القنابل للفدائيين ضد الإنجليز وهو في الحقيقة – وكما أظهرت الرواية – كان يصنع البمب للأطفال، وكاد أن يصنع قنابل يدوية لأحد الضباط السابقين وهو السادات سنة 1942 بدافع المال إذ أغراه السادات بذلك، ومع ذلك فالمشروع لم يتم إذ انفجر مصنع منير واحترقت عزبة جون ومات منير أبوها وأمها وصال وجدتها نظيرة وعشرات من اليهود، لكن جوهرة تعمد على تزوير تاريخ أبيها وتلفيق الأحداث وتقديمها كما لو كانت قصة حقيقية مستدلة على زيارة السادات لها بعدما أصبح رئيسا لتأكيد هذه الكذبة (بحثت بين القبور، حتى وصلت إلى قبر منير – والدها – ووصال – أمها – ونظيرة – جدتها. صلت عليهم في خشوع، حدثت الموجودين عن ذكرياتها معهم، وكيف مات والدها وهو يصنع قنابل يقاوم بها المحتل، بكت وهى تتحدث عن هذه اللحظات التي مازالت تذكرها، ذكرت لهم أن الرئيس السادات جاء بنفسه ليتفق مع والدها على صناعة هذه القنابل، وأن والدها كان متفهما لقضية الوطن، فصنع القنابل، دون أن يعيى مدى قدرة ورشته على صناعة هذه القنابل ضحى بورشته من أجل مصر". ص 513. 5- والانحلال الخلقي والتحلل من أي قيم دينية هو إحدى أهم سمات شخصية المرأة اليهودية التي تقدم جسدها لأجل المتعة أولا أو تحقيق مصلحة ثانيا، والعجيب أن الرجل الزوج لا يجد غضاضة أن يلحظ ذلك فيغض الطرف عنه أو ربما يحاول ان يستفيد أن تقيم امرأته علاقة غير شرعيه مع غيره من اليهود حتى ولو أنتجت هذه العلاقة ابنا أو بنتا سفاحا فلا يجد بأسا أيضا من أن ينسب هذا الطفل له ويمارس عليه دور الأب. فالرواية عبر أجيالها الثلاثة نلحظ فيها بيسر ووضوح شديدين مدى انتشار هذه العلاقات غير الشرعية وتشابكها وما نتج عنها من شخصيات أصبح لها دورا في الرواية عبر أجيالها، فالهادية زوج جون الحصور تمارس الجنس مع الشباب الصغير تقيم علاقة غير شرعية مع بنيامين وتلد منه سفاحا رزق الذي ينسب لجون زوجها. وملاذ زوج بنيامين وابنتها نظيرة سفاحا من مخلوف الرسام، ووصال زوج منير ابن نظيرة وابنتها جوهرة سفاحا من مظلوم. ونائلة زوج مرجان حارس قبر جون وابنها زكي سفاحا من غير أبيه. ومع ذلك فكل هؤلاء الأبناء السفاح ينسبون إلى أزواج أمهاتهم، وهؤلاء الأخيرون لا يجدون غضاضة من تناسي هذا الأمر. يصف السارد الهادية كأبرز هذه الشخصيات وكأنها بغي محترفة بقوله: (فالهادية كانت مصابة بالشبق، ولا بد من ممارسة الجنس كل ليلة، وأحيانًا أكثر من مرة في اليوم، كما أنها عجوز، والعجوز تمص الشاب مصًّا، وتقتله" ص 232. وعن نائلة يصفها ايضا السارد بتعدد علاقاتها مع الرجال لأجل المتعة والمال معا بقوله: "احتملته نائلة، ووجدت أن الحل هو التصرف في المشكلتين بطريقتها. هي في حاجة إلى المال الذي يخفيه عنها، والرجال لن يعطوها المال إلا إذا أخذوا منها ما يريدون، وهى في حاجة إلى هذا أيضا؛ بعد أن حرمها مورجان منه. فسعت لنيل الاثنين معا: المال والجنس. ص 387 . حتى إن جوهرة التي أحبت كمال المسلم التي عاشت مع أسرته حتى كبرت قد راودته عن نفسه مرارا ولما رفض اتخذت من قاعود حارسها بمنطقة الطابية وسيلة لإشباعها جنسيا، كذلك فعلت مع اليهودي الفنان زكي مرجان (ابن نائلة) صديقا وعشيقا مصالحهما متفقة من الناحية المادية والأيدلوجية. وهنا نؤكد ما لفتنا إليه في صدر الدراسة من احتلال المرأة في الرواية عتبات بل محطات رئيسة كل واحدة منهن هي أبرز جيلها الجيل الأول ملاذ، ووصال في الثاني، وجوهرة في الثالث. إن الجنس والعلاقات غير الشرعية بعامة هي إحدى الوسائل التي تتخذها المرأة اليهودية وسيلة وغاية في آن، وربما تصدر في ذلك عن ثقافة خاصة أسهمت بعض الأدبيات الدينية في وجودها وكأنها مقدسات عند اليهودى، جعلَتْه من أشدِّ الكائنات انغِماسًا في التناقُض بين الظاهر والباطن، وهو تطرُّف يُذكِّرنا بجماعات يهوديَّة مثل السكوبتسي والخليتسي التي تُحرِّم الجماع الشرعي من ناحية، ثم تُقِيم من ناحية أخرى احتفالات ذات طابع جنسي داعر، وقد تأثَّر يهود اليديشية بتلك الحركات، ولعلَّ كلَّ ذلك أدَّى إلى تهيئة الجوِّ لظهور شبتاي تسفي الذي نادَى بالترخيصيَّة وبإسقاط الأوامر والنواهي، وبدأ في ممارساتٍ جنسيَّة كانت تفسر تفسيرًا رمزيًّا من قبل أتباعه، فالتقرب إلى الله أنْ يتَّصِل بعاهرةٍ ويُنجِب منها أبناء، وقد فعل ذلك بحماسٍ أو بنشاط كما تحكي روايتهم. "انطلق فاتَّخذ لك امرأة زنا وأولاد زنا، فإنَّ الأرض تزني عن الرب"وبذلك تُعبِّر هذه السمة عن حالة السيولة الشاملة التي بلغَتْها الشخصيَّة اليهوديَّة في التاريخ والثقافة. وهى حالة تكشف مزيدا من سمات الشخصية اليهودية التي تنطوى علي الانحلال الخلقى، والتناقض، وموت العواطف فى سبيل تحقيق أهداف خبيثة أو إشباع رغبة رخيصة، وهذا كله يكمن فى المجتمع اليهودى بوصفه واحدا من الجماعات الوظيفية، حيث لا مجال للعواطف في عمل الشخصيَّات المنتمية لـ"الجماعة الوظيفيَّة"؛ لأنَّ الأخلاق والعواطف قِيَمٌ إنسانيَّة ترفَع من معدلات انتماء الشخصيَّة للمجتمع الإنساني وتزيد من تماسُكه وانسجامه، في حين لا يطلب من عضو الجماعة الوظيفيَّة إلا الالتزام الصارم بالوظيفيَّة المحدَّدة لها خالية من أيِّ قيمة، وهذا الفصل بين الفعل والقيمة صُلبُ الفلسفة العلمانيَّة الصِّهيَوْنيَّة. "ويتجاوَز مفهوم الجماعة الوظيفيَّة الجوانب الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة المباشرة ليصلَ إلى الجوانب المعرفيَّة وإلى رؤية الإنسان للكون". 6 - ومن دلائل حيدة الراوي حين تعرض لتقديم شخصية اليهودي، انه قدم بعضهم بوصفهم يهودا غير صهاينة، وهم في ذلك جزء من النسيج المصري وإن كانوا أقلية، وهذه تشمل معظم فقراء اليهود الذين كانوا يسكنون سوق السمك، ولعل ما وصفه من ملامح شخصية جون يعكس لنا الطبيعة الإنسانية الخالصة، إذ قدمه بوصفه رجلا متدينا من القرائين، وهي جماعة دينية قليلة، مشوه الوجه يبتسم دوما في بلاهة، طيب القلب، زاهدا في كل شيء، راضيا قانعا بحياته وفقره، لا يأبه بشيء حتى بالثروة التي نالها من الوالي سعيد. وفى ذات الوقت يلمح الكاتب إلي تقبل المسلمين والأقباط لجيرانهم من اليهود، في إشارة إلى الطبيعة الكزموبلوتانية لمصر والإسكندرية، حيث تنصهر شتى الطوائف والأعراق مع النسيج المصري. يصف لنا لحظة توديع المسلمين والأقباط لجيرانهم اليهود حينما قرروا الهرب من عزبة جون عندما وصلتهم أنباء بتقدم قوات روميل على حدود الإسكندرية "جاءت السيارات لنقل أمتعة اليهود، وسافروا وهم يلوحون باكين للمسلمين والأقباط الذين تجمعوا على الصفين لوداعهم". ص 382. 7- وقد كان للسمات النمطية التي عرفت بها شخصية اليهودي في شتى الأدبيات حضور في الرواية، فالبخل والنفاق والحقد من السمات الملازمة التي طالما نطقت بها النصوص الأدبية ولعلنا هنا نتذكر شخصية شيلوك في "تاجر البندقية" لشكسبير ذلك المادي البخيل الحاقد على من حوله. يقدم لنا مصطفى نصر صورا مختلفة لهذه الملامح؛ فزاكن ذلك اليهودي الغني الذي رغم غناه إلا أنه بخيل عربيد متحلل أخلاقيا، كذلك كان مرجان حارس قبر جون نموذجا صارخا للبخل، إذ عانى ابنه زكي من بخله، كما عانت زوجه نائلة من ذلك البخل الذي تعدى حدود البخل بالمال إلى البخل بالجنس معها، الأمر الذي اضطرها إلى معاشرة الآخرين طلبا للمال والجنس معا كما رأينا ذلك في أحد النصوص السابقة. والحقد والحسد سمتان أصيلتان في شخصية اليهودي، وقد برزتا لدى كل اليهود حينما علموا بفوز جون بعزبة الوالي، فبنيامين قريبه كان أكثر الحاقدين عليه كاد أن يموت حزنا وحقدا عندما علم بذلكك "جاء بنيامين. صاح بصوت مرتفع سمعته سرينة من نافذتها القريبة:  "أين ابن عمي؟ أريد أن أهنئه على ما وصل إليه. قابله جـون بابتسامته البلهاء، وأسرع مخلوف فأخفى الصك بعيدًا عنه. فالحارة كلها تعرف أن بنيامين حاقد على جون لاختياره لهذه المهمة، ويعلمون أن بنيامين يستطيع فعل الكثير، يكفي أنه وثيـق الصلة بزاكـن الذي يفعل كل قبيح" 139. وقوله أيضا: "كان بنيامين حزينًا، يود أن يبكي، إنه لم يُهزم في حياته مثلما هُزم الآن، حتى عندما اضطر أن يغلق دكانه في ميدان القناصل؛ لم يكن الحزن بهذه الدرجة. تنهَّد في أسى ثم وضع رأسه فوق راحة يده المسنودة على المائدة الصغيرة أمامه. لقد أرسل زوجته إلى زاكن لأنه يعرف أن لها تأثيرًا عليه، يعرف أنها كانت عشيقته قبل أن يتزوجها. لكن زاكن لم يفعل شيئًا للآن. عندما عادت من عنده؛ سألها عما قاله زاكن لها، فقالت في لا مبالاة: وعد بأن يتصرف. حتى ملاذ تأخذ الأمر باستهانة، لا تُقدِّر ما يعانيه ولا تحس بالنيران المستعرة داخل جوفه. "نظر إلى ابنه، لقد عاد من دكان جون، ومن بيته أيضًا. فجون رجع إلى بيته ودكانه، وليسوا في حاجة الآن إلى رزق. ضحك بنيامين لسذاجته. أي دكان هذا الذي يتحدث عنه؟ جون يمتلك مئات الفدادين، أبعادية بأكملها، أسيبحث بعد ذلك عن عمل" ص 142. ولم يكن زاكن بأقل من بنيامين حقدا على جون، وكذلك مخلوف وسائر اليهود. وقد يدفع الحقد والحسد اليهودي إلى ارتكاب أشنع الخطايا والجرائم، فالقتل وسيلة لكسب المال أمر شائع بينهم، تآمر زاكن مع امرأة جون وابنه على قتل جون وسار القتل بين أجيالهم سنة يقتل بعضهم بعضا طمعا وحقدا حتى إن العزب المجاورة لعزبة جون قد تحدثت عن قتل اليهود بعضهم لأجل المال. ولأجل المال أيضا لم تتورع جوهرة في أخر الرواية عن ضمان ثرائها بتطوير دخلها المادي فعملت مع زكي مرجان على الاتجار مع العصابات الإيطالية في جلب مخدر الهروين إلى مصر وفتح أسواق جديدة لهذه التجارة في إشارة من الراوي إلى الدور الصهيوني في قتل الشباب المصري. 8- ومن هذه السمات التي عرفت عن أي تجمع لليهود محاولة صنع ما عرف بـ (اللوبي) وهي جماعات ضغط يلجأ إليها اليهود أحيانا لدى الحكام لتنفيذ ما يرونه متفقا مع مصالحهم، نلحظ ذلك حينما أشيع أن الوالي سعيد قد أمر بقتل جون، هنا يصيب عامير التوتر، ويؤكد رزق لصديقه هارون ابن جون أن اليهود لن يسكتوا على هذا الخبر بل سيمارسون ضغطا على الوالي للإفراج عن جون: "أخذه رزق صديقه بعيدًا عن النساء النائحات، حدثه عن الأمل الباقي. ما دام لم يُقتل للآن، فهناك أمل. لن يتركه عامير ولا دوف ولا زاكن. كل كبار اليهود سيتدخلون، وقد يستعينون بقناصل الدول الأجنبية حتى يضطر الوالي لأن يتراجع عن قراره، فاليهود على صلة وثيقة بقناصل الدول الأجنبية" ص 99. وهذا ما حاولته جوهرة فيما بعد حينما اتصلت في جولة لها خارج مصر بكبار يهود العالم للضغط على الحكومة المصرية لتعترف الأخيرة بملكية اليهود أراضي وقبورا بعزبة جون بالطابية كما لاحظنا ذلك من النصوص السابقة. وقد لاحظنا مجموعة من السمات التي تميز شخصية اليهودي دون غيره، وهذا ما أكده بعض الباحثين تحت عنوان "السمات المميزة للشخصية اليهودية". أ‌. د. محمد عبد الحميد خليفة - أستاذ الأدب والنقد، رئيس قسم اللغة العربية - جامعة دمنهور

مشاركة :