تعرضت في الأيام الماضية لمواقف هزَّتني من الداخل، وهزت قيمي ومبادئي التي أؤمن بها عن قناعة، وليس عن موروث اجتماعي أو ثقافي أو عائلي.. لم أدرِ ماذا أفعل عندما تعارضت غريزتي وحاستي السادسة مع قيمي. من أصعب لحظات حياتك عندما تحتار بين فعلين، أحدهما أنت تؤمن به، والآخر أنت تصدقه بحدسك ومشاعرك دون أي دليل يثبته. أن تظلم أحداً دون أن تقصد؛ لأنك لا تملك الدليل ضده، لكن بنفس الوقت غريزتك كأم أو كأب أو كزوجة أو كزوج أو كصديق تقول لك غير ذلك، فاعلم أنك في موقف لا تحسد عليه؛ لأنك تختار بين شيئَين أحدهما نابع من قلبك، والآخر نابع من عقلك. حين تتنازع نفسك في مكان ضيق لا تتجاوز مساحته المساحة بين عقلك وقلبك، فأنت في موقف صعب لا تحسد عليه. قد تُحرم من ورائه النوم والطعام وراحة البال والمتعة بكل ما هو جميل حولك.. فإذا ما عزمت واتخذت قرارك بأن تصدق أحدهما، وعلى الأغلب سيكون ما يمليه عليك قلبك، لن تجد الفرصة حتى تستمتع بلحظة اتخاذ القرار؛ لأن عقلك سيشغّل صفارة الإنذار الخاصة به كما تفعل تماماً سيارة الإسعاف منذراً إياك بأن الحالة في خطر، وأن عقلك هو الأضمن لتصديقه وأن تقنع بحلوله عوضاً عن قلبك الأخرق الذي كل ساعة هو في شأن، فإن أحب أحداً رفعه إلى السماء، وإن كرهه أوداه طريحاً على الأرض.. وهنا تطفو القيم وتكون هي سيدة الموقف فللقيم هيبة لا يعلمها سوى من وُضع في موقف الاختيار بينها وبين شيء آخر مهما كان.. القيم هي بوصلتك نحو الوجهة الصحيحة، وإن كانت حلول أخرى أسهل منها، لكن صدقني يا عزيزي هي لذة مؤقتة وأقصر بكثير مما تخيل. أما أن تحكّم القيم في مواقفك مهما كانت هي أهدأ للنفس، وإن كانت في لحظتها مرة، لكن ستذوق حلاوتها بالمستقبل كلما تذكرتها؛ لأنك ستشعر بنبلك، ونقاء سريرتك التي أنت نفسك كنت تجهلها ولا تظنها فيك. عندما تستطيع أن تُرمم نفسك بنفسك بعد أن أعلنت لنفسك فوز القيم على أي شيء آخر، وإن كان في هذا الفوز انكسار لشخصك، والأنا المتعلقة بك كأن تعتذر ممن أخطأت في حقه، وإن كنت لا تحبه، لكن قيمك تأمرك بذلك عندها ستتعلم من دروس الحياة ما يجعلك أقوى وأعقل في تجاربك المقبلة.. حين تخلو بنفسك لتقيّم مواقفك وتعرضها على ميزانك الخاص بين قلبك وعقلك، ستعلم أنه في معظم الأحيان وليس دائماً سيتغلب العقل على القلب فجميع الكائنات الحية لديها قلب، لكن العقل هذا الكنز الثمين ما وضع إلا فينا نحن البشر، فلا بد أن يكون له حضور قوي في حياتنا، وإلا لانجرفنا وراء كل شيء حالنا حال البهائم دون تفكير بعواقب الأمور، ولَظلمنا وقتلنا وكذبنا بغية أي شيء، فالشر موجود في النفس البشرية كما الخير تماماً.. ومن يُعمل عقله لمالَ معظم الوقت للحق والخير ولاستراح راحة تنافسه عليها الملوك من عروشهم. حين تحكّم القيم الصحيحة في حياتك لاستطعت أن تُرمّم نفسك بنفسك دون انتظار أحدهم أن يرممك ولشعرت بقوة في داخلك كنت أنت نفسك تجهلها! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :