غربة الحجاب.. "نخبة" تونس والجهل باسم الحداثة

  • 5/12/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تطالعك اليوم بين الفينة والأخرى، في تونس، باسم حقوق الفرد وتحرير المرأة منابر محمومة تندّد بما يسمونه "قمع المرأة وتخلّفها" فقط لأنّها ترتدي الحجاب، فالمرأة التونسيّة حرّة في السفور، ولكن أبداً لا يمكن أن تكون حرّة في لبس الحجاب وستر جسدها. باسم الحريّة.. أنت غير موجودة ومثال على ذلك ما يحصل اليوم في تونس، وما تتعرّض له المرأة المحجبّة من إهانات معنوية ومادّية، وخاصّة بعد الثورة، فنحن لا نتحدّث عن العهد البائد؛ حيث قمع الإسلام شرّ قمع، ولكن اليوم أيضاً لا نزال نشاهد ونسمع ما يهين المرأة فقط لأنّها محجّبة، وكأنّه لم تحدث ثورة في البلاد.. وكأنّ حناجر لم تبّح، وهي تنادي بإسقاط نظام عبث بالإسلام أيّما عبث. وتبادرك "النخبة المثقفة" بكلمات هوجاء فضفاضة لم ولن تكون ودقاً مدراراً، فهي لا تمتّ إلى الواقع بصلة؛ إذ ترى العديد من دعاة "الحداثة" لا يضيّعون مناسبة ولا منبراً إلاّ وأطنبوا في الحديث عن "تهميش" المرأة وتخلّفها" وكأنّ في سفورها فقط العلم والتقدّم والرقيّ. فقد شهدت وسائل الإعلام والبعض من صفحات التواصل الاجتماعي والمدّونات بعد الثورة تسابقاً محموماً نحو المسّ بالمقدّسات والسعي إلى "إهانة" حجاب المرأة من طرف مجموعات، تقدّم نفسها على أساس أنّها "نخبة تونس"، وكلّ ذلك طبعاً باسم حريّة الرأي والتعبير. فهؤلاء "الدعاة" يرون في حجاب المرأة عائقاً أمام تقدّمها ومسيرتها، فقد أجمع اليوم ساسة وإعلاميون على أنّ الحجاب، ودعنا لا نقول النقاب، يعدّ عائقاً أمامها، فمن السياسيين ونوّاب الشعب من وصفه بـ"الخرقة البالية"، ومنهم من قال إنّه "يمنع من استيعاب المعلومات، ويمنع من تنفس أنسجة الرأس"، وإنّه "مظهر من مظاهر التخلّف والرجعية". ويحدث هذا طبعاً في بلاطات الإعلام المحلّي الذّي جنّد صوته وكاميراته بمباركة هذه "النخبة" إلى "إهانة " المرأة في تونس وإقصائها، والمسّ بكرامتها، والغريب في الأمر أنّ جلّ نساء تونس تقريباً أصبحن يرتدين الحجاب.. فهل يعقل أن تكون كلّ نساء تونس "رجعيات"؟! فعلى سبيل المثال لا الحصر، يوم 9 مارس/آذار 2017 تمّ في برنامج حول عيد المرأة على القناة الوطنية، عرض صور لنساء من جميع الأحزاب والحساسيات السياسية الموجودة تحت قبّة البرلمان وغير الموجودة، إلا أن القائمين على البرنامج، "وفي حركة غير بريئة ومدانة"، كما رآها العديد من الناشطين، استثنوا نساء حزب النهضة المحسوب على التيّار الإسلامي من الظهور، رغم كثرة عددهن. أو ما حصل مع مضيفة الطيران، ورئيسة لطاقم الطيران بالخطوط الجوية التونسية نبيهة الجلولي، التي منعت من مزاولة عملها بسبب ارتدائها للحجاب، ممّا سبّب ذلك صدمة كبرى، وتحوّلت القضيّة إلى قضيّة رأي عامّ، وكانت أحد بنود المدّ والجزر بين السياسيين. وللتذكير أيضاً، فقد منع عميد كليّة الآداب في ولاية منوبة الفتيات المنتقبات من اجتياز الامتحانات، وقد اصطفّت نخبة الجامعة التونسية معه رغم ضربه لفتاة منتقبة حتى أغمي عليها، وأحدث ضجّة كبرى في تونس بسبب رفضه للنقاب داخل الجامعة، بالرّغم من أنّ وزارة التعليم قد سمحت بذلك، واعتبر البعض من الأساتذة الجامعيين المحسوبين على النخبة التونسية أنّ النقاب "رجعي"، ويمنع من التواصل البيداغوجي، ويقومون بطرد الطالبات من قاعات القسم، وحرمانهنّ من اجتياز الامتحانات. نعم الفتاة المحجّبة أو المنتقبة في تونس تعيش غربة حقيقية، وليس كلاماً واهياً، فبعيداً عن التحزب والانحياز لطرف ما سنجد أنها حقيقة ملموسة ويمكن استشرافها من خلال العديد من الممارسات التّي تصدر من دعاة التحرّر، فما على المرء إلا أن يطالع مدوّناتهم وكتاباتهم ويشاهد لقاءاتهم وسيعلم حتماً أنه باسم الحداثة أن تكون المرأة كما يريدون أو لا تكون. كفاكم تشدّقاً بحقوق المرأة فالإسلام كفلها هذا تعبير صارخ لحال المرأة في تونس التّي عانت الويلات في عهد بن علي، واليوم تعاني التهميش والازدراء من إسلاميين أنفسهم بات شغلهم الشاغل في المنابر هل النقاب فرض أم لا، وبات القاصي والداني يفتي، وصار الكلّ علماء وشيوخاً يفتون بما ليس لهم فيه علم، وينسى دعاة "الحريّة والديمقراطية" أنّ ذلك يدخل في باب الحريّات الشخصية وحريّة المعتقد. وقد تناسى هؤلاء، ولن نقول نسوا؛ لأنهم يتعمدّون النسيان وتمويه الناس، أنّ الإسلام قد كفل للمرأة جميع حقوقها، وجعل منها تلك الدرّة المصونة؛ كفل حقّ المرأة في اختيار زوجها، وحقّها في المهر، وحقّها في الطلاق، وحقّها في الميراث وفي المعاملات، وخصّها بالعديد من الامتيازات المادّية والمعنوية. فعلى اتساع تاريخ الإسلام نجد ربّات خدور وسيّدات قصور وأمّهات رجال وقرينات أبطال. أأنتم القائلون رفقاً بالقوارير؟ ولنا أن نكشف لهذه "النخبة"، ما تغضّ عنه البصر، فمن يتشدق بكلام فلاسفة الإغريق وبعهد الأنوار وفلاسفة النظريات البائدة ليبرز التقدّم والرقيّ فليعلم أنّ المرأة كانت عند الإغريق شجرة مسمومة، وعند الهنود تحرق بعد موت زوجها وعند الروم تسحب بالخيول، وكانت مهيضة الجناح عند الوثنيين وكاسفة البال عند الكتابيين؛ فقط نظرة يسيرة بالعين المجرّدة إلى تاريخ المرأة في جميع أنحاء المعمورة قبل الإسلام، وسنجد شتّى الصور التّي أهانت المرأة فعلاً من "حضارات" تبني عليها اليوم "نخبة تونس" النظريات السياسية والاجتماعية التّي تريد بها أن يقوم المجتمع. ولن نطنب في الحديث عن الروم والفرس، وكيف عوملت المرأة، فالتاريخ كفيل بما شهدته المرأة في تلك العصور. فهل نسي هؤلاء أم غضّوا بصرهم فعلاً عن ماهيّة الإسلام وما أتى به من تكريم للمرأة بعد الويلات التّي عرفتها في عصر الجاهلية حين كان يكظم الوجه لمرآها، فأتى رسول الرحمة، وقال لهم: "رفقاً بالقوارير"، وأوصى بالنساء خيراً، وكرّم الله تعالى خلقه فجعل الجنّة تحت أقدامها وأعزها بالرفق والرحمة والمودّة، فكانت نعمة وسكناً، فأي عزّة تبغيها المرأة غير ما جاء به الإسلام الحنيف؟! امرأتنا.. والغرب ولو تطرّقنا أيضاً إلى حقوق المرأة اليوم، فهل سنجد فعلاً تلك المرأة الإنكليزية والفرنسية والأميركية وغيرها أفضل حالاً من المرأة المسلمة؟ طبعاً كلا، ولن يكون من باب الكلام العريض أو الإنشائي؛ إذ نجد حقائق وإحصائيات تثبت أنّ حقوق المرأة قد كفلها الإسلام حقّاً، وأنّ المسلمين يسيرون فعلاً على طريق الإسلام، إلا من غشيت قلبه غشاوة، ولبّس الحقّ بالباطل، وعامل المرأة بما حرّم الله. ففي فرنسا بلد "الأنوار" الذّي تحنّ إليه "نخبة" تونس، قرّر الفرنجة في سنة 586م بعد جدال ونقاش دام لسنوات أنّ المرأة إنسان! إلا أنّها خلقت للذلّ والهوان، ناهيك ما فعله الإنكليز فيما بين القرنين الخامس والقرن الحادي عشر حين تاجروا بزوجاتهم وظلّوا لقرون يبعنهنّ كما تباع السلّع في الأسواق. كما نشرت العديد من الإحصائيات في السنوات الأخيرة تخصّ حياة المرأة في الدول الغربية، ونجد منها إحصائيات موثّقة من الشرطة الفيدرالية الأميركية تثبت أنّ 79% من الرجال في أميركا بلد "الحريّة" يضربون زوجاتهم ضرباً يؤدي إلى عاهة، ومنهن حالات تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة. وحسب تقرير الوكالة المركزية الأميركية للفحص والتحقيق FPT، هناك زوجة يضربها زوجها كل 18 ثانية في أميركا، أما في فرنسا فهناك مليونا امرأة معرضات للضرب سنوياً، وفي بريطانيا يفيد تقرير بأنّ 77% من الأزواج يضربون زوجاتهم دون أن يكون هناك سبب لذلك. وبطبيعة الحال لن نقف عند جميع الإحصائيات التّي تعدّدت، وأصبحت تعدّ لها التقارير والدراسات والكتب لمناقشة وضع المرأة الغربية التّي تعدّ عند "النخبة" التونسيّة مثالاً ونموذجاً حيّاً للمرأة العربية برمّتها، وكأنّ كينونة المرأة المسلمة لا تحقّق إلا إذا ما اتبعت نساء الغرب في التفكير وفي اللباس. فالمرأة المحجّبة أو المنتقبة في تونس أثبتت جدارتها فعلاً في جميع القطاعات، وليست تلك المرأة التّي يصوّرها العلمانيون على أساس أنّها ضحيّة، وأنّ حجابها يمثل عائقاً أمامها، بل واصلت المسير وقد تحدّت ديكتاتوريات ولها أن تتحدّى عواء هذه "النخبة" التّي استباحت قدسيّتها، وأرادت استحلال حرمتها باسم الحريّة. إن الإسلام منهج حياة ودين، وكفل للمرأة حقوقها وكرّمها أيّما تكريم، أفما آن لأبواق الغرب أن يعلموا أنّ المرأة المسلمة هي المرأة النموذج لكلّ مكان وزمان؟ ولن تهنأ هذه "النخبة" بالمسّ بقيمة المسلمات في تونس، أو في غيرها من بلدان المسلمين؛ حيث يتداعى دعاة الفجور والسفور على شرف الأمّة الإسلامية بتحطيم تلك الهالة التّي صنعها الإسلام للمرأة، والتّي يحسدها عليها العديد من نساء الغرب اللواتي يعانين في ظلّ "حضارات" تتهاوى؛ لأنّها بنيت على أساس سقيم، ولم تبنَ على أساس العزّة والإنسانية. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :