سكان الموصل وأطرافها يتزودون بالمياه باستخدام وسائل بدائية

  • 5/13/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تحمل رقيّة ابنة السنوات الخمس بيديها الصغيرتين المتسختين قارورة بلاستيكية فارغة، وتسلك بحذائها الرياضي الزهري الطريق نزولا إلى النهر، لتأتي بالماء إلى عائلتها القاطنة في قرية الصيرمون على ضفاف نهر دجلة في أطراف الشطر الغربي لمدينة الموصل التي استعادتها القوات العراقية أخيرا من تنظيم داعش.وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن رقية ليست الوحيدة التي تسلك طريق النهر لجلب المياه المقطوعة عن المنطقة. فمنذ 19 فبراير (شباط)، تاريخ بدء هجوم القوات العراقية لاستعادة الجانب الغربي لمدينة الموصل، انقطعت المياه بالكامل عن الصيرمون وعن ثلاث قرى أخرى مجاورة، بسبب تضرر الشبكة الكهربائية التي كانت تزود محطة التكرير بالكهرباء، وتعرض المولد الكهربائي التابع لمحطة التكرير إلى السرقة، بحسب مختار القرية أحمد فتى أحمد.وترفع مريم التي غطت شعرها بمنديل أزرق سروالها الزهري، بينما تتقدم في الماء برفقة والدها الخمسيني المريض على خطى رفيقتها رقية، حتى الوصول إلى جزيرة صغيرة في وسط النهر. ويوضح غانم سلطان (35 عاما)، أن «المياه على الشاطئ المحاذي للقرية ضحلة، وتلك التي أمام الجزيرة أكثر نظافة نسبيا».وعلى مقربة من المكان، تمر شاحنة عسكرية تنقل جنودا إلى جبهة القتال غير البعيدة في غرب الموصل، بينما تحلق طائرة في سماء المنطقة، من دون أن يثير ذلك اهتمام أحد. فقد اعتاد سكان الموصل الحرب، وما يهمهم هو الحصول على الأمور الحياتية الأساسية.وأصبحت طريق النهر اليوم تعج بالمارة، بشرا... وحيوانات. وقفز سعر الحمار من مائتي ألف دينار قبل شهرين إلى 500 ألف اليوم. «وماكو حمير للبيع»، أي لا حمير للبيع، كما يقول حسين محمد إبراهيم (47 عاما)، لأن من لديه دابة في قرية الصيرمون يعتبر اليوم محظوظا. ويشير إبراهيم بسبابته إلى حمار صغير يشق طريقه صعودا وعلى ظهره قارورتان ضخمتان معبأتان بالمياه، وخلفه حمار آخر وحصان ينقلان أحمالا مماثلة.ولا يعاني سكان الصيرمون والجوار من انقطاع المياه فحسب، بل الكهرباء مقطوعة أيضا والخدمات الأساسية معدومة. وتكاد هذه القرى تكون معزولة عن العالم، تجوبها آليات القوات الحكومية القادمة من خارجها. لكن المنطقة عسكرية ولا يمكن لأي سيارة مدنية أن تعبرها «ولا حتى سيارات المنظمات الإغاثية»، بحسب إبراهيم.وفي المناطق التي تم «تحريرها» في غرب الموصل، فرضت القوات الحكومية حظرا على سير العربات المدنية، والسبب الأساسي في ذلك هو الخشية من الانتحاريين والسيارات المفخخة. لذلك، يقوم الجيش في الصيرمون وغيرها من القرى بإيصال مياه الشرب إلى السكان بواسطة صهاريج. كما يوزع عليهم مواد غذائية.ويبلغ عدد أهالي الصيرمون والجوار نحو 2500 شخص.ويقول المختار أحمد فتى أحمد: «مياه النهر ليست صالحة للشرب، ولدينا حالات تسمم كل يوم. أما عن حالات الإسهال فحدّث ولا حرج». ويرى أن «الحل بسيط»، مناشدا «كل من بإمكانه مساعدتنا أن يفعل، سواء عبر توفير مولد كهرباء لمحطة التكرير أو عبر ربط القرية بمحطة الطاقة الكهربائية التي تبعد ستة كيلومترات تقريبا».وقد تسببت المعارك المتواصلة بتدمير البنى التحتية وبحرمان المدنيين في المناطق الواقعة قرب جبهات القتال في الشطر الغربي من ثاني كبرى مدن العراق من كل شيء. في أحياء غرب الموصل، مبان مهدمة وطرق تجوبها عربات يجر بعضها دواب، والبعض الآخر رجال وفتية وأطفال. ويقول أبو محمد (سبعيني)، وقد بدا عليه التأثر: «حتى قبل ستين عاما، لم تكن حالنا هكذا. لقد عدنا إلى الوراء عشرات السنوات». وفي المخيمات التي تستضيف نازحين في محيط الموصل، فإن الحصول على الماء ليس سهلا أيضا. ولا تكفي قناني المياه الموزعة حاجات النازحين الذين بلغ عددهم أكثر من أربعمائة ألف. أما الماء التي يتم استقدامها بالصهاريج فلا تخضع لأي تكرير.في مخيم حمام العليل، أحد أكبر المخيمات في المنطقة، يملأ ياسر أحمد غالون ماء من خزان مشترك.ويقول رب العائلة، البالغ من العمر 37 عاما: «يعطوننا عبوات مياه، لكنها لا تكفينا للشرب وللطبخ، لذلك نستخدم هذه المياه بعد تصفيتها وغليها». مع ذلك، لا ينوي ياسر العودة إلى حي المأمون في القسم الغربي من الموصل الذي انسحب منه التنظيم المتطرف، لأن «الناس فيه يشربون الماء من آبار ملوثة». ويروي كثير من العائدين إلى مناطق استعادتها القوات العراقية المعاناة بسبب نقص المياه.وتعبر منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في العراق ليز غراندي عن خشيتها من أزمة أكبر مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة التي يمكن أن تصل إلى خمسين درجة. وتقول: «الناس بحاجة إلى مياه للشرب، وسيكونون بحاجة أكبر في الأسابيع والأشهر المقبلة». ويبذل برنامج الأمم المتحدة للتنمية «كل جهده لتصليح محطات تكرير المياه لتعود وتعمل بسرعة. إننا نتقدم، لكن لا يزال هناك عمل كثير».

مشاركة :