"مقهى اللغة" مبادرة أطلقتها منظمة ألمانية من المجتمع المدني في برلين، في المقهى يلتقي لاجئون سوريون مع مواطنين ألمان بهدف التعارف ومناقشة مواضيع مختلفة. المبادرة تلقى إقبالا متزايدا من الزوار نظرا لعروضها الجذابة. الساعة السادسة مساء، يبدأ شبان في الدخول إلى قاعة كبيرة في إحدى مباني كاريتاس في حي شارلوتنبورغ البرليني، ويتوجهون مباشرة نحو طاولة طويلة الحجم رصفت فوقها أباريق كبيرة من القهوة وأخرى للشاي وطبقين كبيرين من الحلويات المتنوعة بجانبها رصفت كؤوس وفناجين القهوة. "مرحبا بكم جميعا إلى موعدنا الأسبوعي لاحتساء القهوة والدردشة سوية بالألمانية." ما أن انتهت السيدة صبرينا شميد المنظمة لهذا اللقاء الأسبوعي من كلماتها الترحيبية، حتى بدأ الحاضرون في مناقشات جانبية حول أباريق القهوة والشاي. الحاضرون في المقهى هم مجموعتان، الأولى تضم حوالي عشرين شابا وشابة سوريين لا تزيد أعمارهم عن الثلاثين ربيعا، أما المجموعة الثانية فتتألف من ألمان تتجاوز أعمار عدد من الخمسين عاما، قدموا إلى هنا لاحتساء القهوة والدردشة باللغة الألمانية. شرعت السيدة صبرينا تتحدث لـDW عربية قائلة:"ننظم أيام مقهى اللغة بانتظام كل أسبوع لأصدقائنا من السوريين، وضيوفنا من الألمان". تولي السيدة صبرينا التي تسهر على نجاح "المقهى اللغوي" أهمية بالغة لهذه المبادرة، وترى في هذا اللقاء الأسبوعي "إضافة إيجابية بالنسبة لها وإلى زوارها". تعلم اللغة بعيدا عن قاعات التدريس و"جحيم" قواعد اللغة الفكرة نشأت كما تقول السيدة شميد: "لاحظنا في مراكز الإيواء التي نديرها على صعيد المدينة أن اللاجئين لا يتمتعون بعلاقات مع الألمان ويجهلون تقاليد البلد وعاداته، كما أنهم لا يخاطبون سوى أنفسهم بلغتهم العربية، وحينما يكلموننا يستعملون اللغة الانجليزية ولا يتجرؤون على الحديث معنا باللغة الألمانية. وكي نتمكن من التغلب على عقبة اللغة والتواصل بالألمانية بادرنا ببعث فضاء للّقاءات الشخصية، وأطلقنا عليه اسم مقهى اللغة."لقد حظيت الفكرة بنجاح كبير ليس هنا فقط لدى المؤسسة بل على صعيد مدينة برلين. لاجئون سوريون وضيوف ألمان في "مقهى اللغة" ببرلين الإقبال من السوريين على هذه المنتديات كبير - كما تقول السيدة شميد- وتضيف بأن هذا يعكس جليا رغبة هؤلاء في الاحتكاك مع الألمان والاندماج في مجتمعهم الجديد. خلال الحوار مع شميد كان الحاضرون يتبادلون أطراف الحديث ويضحكون بأصوات مرتفعة، وآخرون يذهبون بين الفينة والأخرى إلى الطاولة الكبرى لأخذ ما لذَّ من الحلويات أو ويرتشفون القهوة، ثم يعودون لمواصلة الحديث باللغة الألمانية."هدفنا من اللقاء الأسبوعي بالدرجة الأولى هو التحدث باللغة الألمانية، نريد من ضيوفنا السوريين أن يطبقوا ما تعلموه في قاعات التدريس بعيدا عن السبورة والكتاب وتعقيدات القواعد النحوية." واسترسلت السيدة شميد تقول بأن الضيوف الألمان يساهمون بقسط وافر في دعم اللقاءات اللغوية بدون تقييم لهذا أو ذاك وكل ما نصبوا إليه هو توفير فضاء مناسب حتى يتسنى للضيف السوري أن يتكلم بالألمانية بدون تردد أو خجل." وتستمر السيدة الألمانية ذات الأربعين ربيعا تقول حول مشاركة الشباب السوري في مؤسستها:"لقد لاحظنا أن ضيوفنا من السورين استفادوا لغويا كثيرا من حضورهم لدينا وباتوا يتجرؤون على الحديث في مواضيع شتَّى." هذا ما أكده لنا الشاب علي الشيخ البالغ من العمر 29 ربيعا حيث قال:"بقدومي إلى مقهى اللغة أردت بالدرجة الأولى تطبيق اللغة وزيارة الأصدقاء. وكما تعلمون ليس من السهل أبدا أن تجد أصدقاء ألمان للدردشة والحوار، علاقاتهم الاجتماعية تختلف تماما عن علاقاتنا." ويرى علي في مثل هذه المقاهي المهيَّئة خصيصا للوافدين الجدد فكرة طيبة تساعده على التعرف على الألمان عن كثب. مقاهي اللغة همزة وصل بين الألمان والسورين السيدة أروى سلامي تزور هي الأخرى المقهى منذ عدة أسابيع وترحب كثيرا بمثل هذه المبادرات، فمن خلالها تمكنت ليس فقط من تحسين لغتها وكسب البعض من المفردات كما تقول، بل استطاعت أيضا من الاقتراب من الثقافة والعقلية الألمانيتين.الشابة الوافدة من مدينة حمص السورية، والبالغة من العمر 26 ربيعا، فخورة بما اكتسبته لغويا وثقافيا. وتقول أروى وهي ترتشف حاملة كأس شاي بيدها اليمنى، وتلقي نظراتها تارة ذات الشمال وتارة أخرى ذات اليمين وكأنما تبحث عن شيء ما فقدته في القاعة:"نحن هنا نتجاذب أطراف الحديث في مواضيع مختلفة. أحاول كبقية الحاضرين من السوريين الحصول على أجوبة تخص عادات الألمان وتقاليدهم." ثم تضيف مبتسمة ملوحة بيدها نحو امرأة ستينية قد غزى الشيب شعرها:" إنها السيدة مارغريت، إنها متقاعدة، لقد كانت تعمل معلمة في إحدى المدارس الابتدائية وتربطني بها علاقة صداقة متينة. كثيرا ما نلتقي معا لديها في البيت أو خارجه. إنها لطيفة جدا كثيرا ما تقوم بمساعدتي كل ما طلبت منها ذلك." وتقول السيدة شميد إن العلاقات بين الحاضرين لم تعد تقتصر على هذا الفضاء الذي نوفره لهم، بل نشأت صداقات فيما بينهم، ثم مضت تقول:" غايتنا ليست فقط اللغة بل التعرف عن كثب عن الثقافة الألمانية وكيف يفكر الألماني، كما أن تاريخ ألمانيا الحديث يأخذ مساحة كبيرة في دردشاتنا المسائية." وتضيف إنها سعيدة لما وصلت إليه وتتمنى أن تستمر هذه الصداقات التي تمثل "جسرا حقيقيا بين المجموعتين". التعارف والصداقة هدف نبيل للقاءات في "مقهى اللغة" "مثل هذه المقاهي المنتشرة في برلين والتي تساهم بقدر وافر في تعليم اللغة والتعرف على تقاليد وثقافة الألمان تقوم بدور متميز وناجع في إدماج الوافدين الجدد في المجتمع الألماني الذي لا يزال غريبا عنهم"، هكذا يوضح شتيفان بشتيهر الأستاذ المساعد في جامعة آليس سالامون البرلينية للإرشاد الاجتماعي والتربوي. ويضيف بأن شغف الشباب السوري بالحياة الألمانية اجتماعيا وسياسيا... يترجم رغبة هؤلاء في التعرف والغوص في المجتمع الألماني. "الشريحة الاجتماعية التي تزور مقاهي اللغة تقتصر عموما على الشباب المتعلم وخريجي الجامعات الذين يريدون الإسراع في دخول معترك الحياة الألمانية من بابه العريض."يقول بشتيهر البالغ من العمر 55 ربيعا، وهو يثمِّن المشاركة "المنتظمة والجادة" والدور الذي يقوم به المجتمع المدني الألماني في مد جسر التواصل البناء مع اللاجئين، فبدون "لغة وانفتاح من الطرفين لن يتكلل الاندماج بالنجاح"كما يقول. شكري الشابي - برلين
مشاركة :