دخل لبنان مرحلة الشهر الفاصل الذي يحدّد مسار واقعه السياسي العالق بين «مطرقة» فراغٍ يطرق أبواب البرلمان بعد 20 يونيو المقبل وبين «سندان» المساعي الشاقة لاستيلاد قانونٍ جديد للانتخاب يتم على أساسه التمديد لمجلس النواب وتالياً تفادي وضْع البلاد أمام منزلق هو الأخطر منذ اتفاق الطائف.وفي حين تم طيّ صفحة الجلسة التي كانت مقرَّرة غداً للتمديد للبرلمان لمدة سنة (من دون قانون جديد) وسط تَرقُّب ان يبادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالتوافق مع رئيس الحكومة سعد الحريري على فتْح دورة استثنائية لمجلس النواب (تنتهي دورته العادية في 31 الجاري) تمدّد مهلة التفاوض حول قانون الانتخاب حتى 19 يونيو، تبدي دوائر سياسية تفاؤلاً مشوباً بالحذر حيال قرب التوصل الى توافق على القانون، معتبرة ان «الأمتار الأخيرة» من «ماراثون» المفاوضات التي تجري بصمتٍ وبحيوية غير مسبوقة تشهد تَدافُعاً قاسياً لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة لهذا الطرف او ذاك قبل بلوغ «خط النهاية».ورغم ان هذه الأوساط ترى ان «حزب الله» وشريكه في الثنائية الشيعية رئيس البرلمان نبيه بري نجحا في اقتياد الجميع الى خيارهما «الوحيد» القائم على النسبية الكاملة، فإن «شياطين» كثيرة ما زالت تكمن في الطريق الى إنجاز قانون الانتخاب وليس أقلّها طبيعة الضوابط التي يريد الثنائي المسيحي (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) انتزاعها لتخفيف وطأة النسبية وتحقيق قدر عالٍ من صحة التمثيل.ويبدو واضحاً ان مسار المفاوضات بات محصوراً بين طرحيْن: الأول صيغة «المجلسيْن» التي قدّمها الرئيس بري وتقوم على انتخاب برلمان وفق النسبية الكاملة يراعي المناصفة بالتوازي مع إنشاء مجلس شيوخ يمثّل الطوائف ويُعهد اليه البتّ بأمور مصيرية، والثاني النسبية الكاملة مع ضوابط تتصل بحجم الدوائر والصوت التفضيلي.وفيما كان بارزاً إشارات علنية من رئيس الجمهورية اعتُبرت بمثابة إقرار بسقوط ورقة «التأهيلي» لمصلحة البحث عن ضوابط أخرى للنسبية الكاملة، استوقف الدوائر السياسية تذكير بري بأن مشروع «المجلسين» تنتهي صلاحيته يوم غد بحال لم يسبقه تقدُّم جدي في اتجاهه وفق شروطه (لا سيما رئاسة مجلس الشيوخ للدروز وصلاحياته التي لا تأخذ من البرلمان)، وهو ما اعتُبر إما في سياق زيادة الضغط لتحقيق انفراج تحت سقف هذا الطرح وإما ايذاناً بأن تكون النسبية الكاملة (بمعزل عن مجلس الشيوخ) العنوان الوحيد للتفاوض في الفترة الفاصلة عن انتهاء ولاية مجلس النواب.فالرئيس عون أبدى تفاؤلاً بقرب بلوغ رحلة البحث عن قانون الانتخاب خط نهاياتها السعيدة، وقال لصحيفة «المستقبل»: «أنا متفائل وطالما نعمل لبلوغ الحل فمن المؤكد أنّه سيُبصر النور قبل 19 يونيو المقبل»، مشدداً على أنه كان مع النسبية «وما زلت، وحتى مشروع القانون الأخير الذي طُرح وجرى رفْضه (التأهيلي) كان نسبياً، وبالتالي ليست لدينا أي مشكلة مع النسبية لكننا نريدها مع ضوابط لأنّ التوزيع السكاني قاتل»، مضيفاً: «هناك ضوابط جيدة طُرحت في عدد من المشاريع لكنها رُفضت».في المقابل كان بري «على موجة» أخرى اذ نُقل عنه «لا نزال في مرحلة المراوحة. لو كان هناك خرق جدي وأجواء إيجابية لكنا علمنا بذلك»، موضحاً في ما خص النقاش في النسبية ومجلس الشيوخ انه «لم يصل إلى نتيجة بعد»، ومعلناً انه سينتظر حتى الإثنين «إذا لم يحصل أيّ تقدّم فستؤجّل جلسة التمديد وأسحب مشروعي من التداول. قدّمت كلّ ما أستطيع تقديمه، وعلى الجميع أن يُدرك أن المخاطر ستكون كبيرة جداً على البلد».وتعاطت الدوائر السياسية نفسها مع هذا المناخ على انه من مؤشرات الحذَر حيال مآل المناقشات حول قانون الانتخاب المحكومة واقعياً إما باتفاق كامل على القانون او أقله على خطوطه العريضة بما يتيح تمرير التمديد من دون جرّ البلاد الى أزمة كبيرة وضع الثنائي الشيعي أفقاً لها يراوح بين «المؤتمر التأسيسي» والإطاحة بالحكومة وتعطيل العهد.وبدا من الصعب في رأي هذه الدوائر فصْل «التوتر العالي» الذي يسود على خط عون - بري على خلفية ملف الكهرباء (استئجار بواخر لتوليد الطاقة) عن «شد الحبال» على جبهة قانون الانتخاب، متخوّفة من ان تؤدي الاستفزازات المتبادلة الى زيادة التقابُل في الملف الانتخابي.وكان لافتاً في هذا الإطار الهجوم الذي شنّه رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (صهر عون) على الرئيس بري من دون تسميته، اذ تحدّث عن «اتهامات كاذبة» في ملف الكهرباء محذراً «مَن ملأ جيوبه بالمال لا يحقّ له الكلام عن تعبئة جيوب. مَن تاريخه أسود بالفساد، لا يمكن له أن يُبيّض ملفه على حسابنا بل على حسابه».ولم يتأخّر ردّ بري عبر معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل الذي اعلن «اننا نريد خطة في الكهرباء ولا نريد صفقة أو صفقات، واياكم ان تظنوا ان باستطاعتكم قلب الحقائق ولن نسمح بأن ترفع الاصوات بوجهنا عندما نطالب باعتماد الاصول».وفي غمرة هذا الاستقطاب، برزت امس زيارة الحريري لرئيس الجمهورية التي تقاطعت فيها 3 عناوين: فتْح الدورة الاستثنائية، زيارة رئيس الحكومة للدوحة اليوم للمشاركة في منتدى الدوحة السابع عشر بعنوان التنمية والاستقرار وقضايا اللاجئين، والدعوة التي تلقاها الحريري من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للمشاركة في القمة العربية - الإسلامية - الأميركية في الرياض.وفيما كانت عمليات التقصي في بيروت مستمرّة عن خلفيات ومغازي استثناء السعودية للرئيس عون من الدعوات التي وجّهتها الى ملوك ورؤساء في دول عربية واسلامية، تَكرّس أكثر أن الأمر جاء في سياق تنسيق بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة تفادياً لإحراج رئيس الجمهورية بالمشاركة في قمةٍ يُنتظر ان تَصدر عنها مواقف عالية السقف ضد ايران و حزب الله.وقد قطعت قناة «او تي في» (تابعة للرئيس عون) الشك باليقين في هذا السياق اذ تحدثت عن محاولة جديدة للإظهار، وكأن هناك خلافاً طارئاً بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على خلفية دعوة الأخير من الجانب السعودي للمشاركة في القمة التي تعقد في اطار زيارة الرئيس الأميركي للمملكة. غير ان معلومات الـ otv تؤكد أن ما يشاع بعيد كل البعد عن الواقع، فالتنسيق قائم، ولا اختلاف أو خلاف، بدليل مرافقة وزير الخارجية جبران باسيل لرئيس الحكومة في الزيارة، ومنتقدة إصرار البعض المعروف على اختلاق شرخ وهمي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
مشاركة :