حسن السبع: لم أطرق باباً جديداً من أبواب الأدب مجاراة لنزعة سائدة

  • 5/16/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

{ انتقد الكاتب والشاعر حسن السبع المؤسسات الثقافية الرسمية، موضحاً أنها في واد آخر، وأن لا تواصل بينها وبين الكتَّاب والأدباء، وأن تفاعلها مع ما ينشر يكاد لا يذكر. وقال حسن السبع في حوار مع «الحياة» إن المؤسسات الثقافية غير قادرة على المساهمة في الحراك الثقافي بفعالية. الشاعر السبع الذي أصدر رواية منذ فترة، ذكر أن للسرد «شيطاناً» أيضاً كما للشعر. وهو شيطان ما زال يحرضه على كتابة سيرة ذاتية ثقافية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه لم يطرق باباً جديداً من أبواب الأدب مجاراة لنزعة سائدة.. إلى نص الحوار:  { الدمام - نداء آل سيف    > قليل من الأدباء الذين يحتفى بهم وهم لا يزالون في أوج عطائهم. أنت أحد هؤلاء القلة، إذ تم الاحتفاء بك وتكريمك تكريماً ثقافياً وفنياً وحتى يمكن القول شعبياً، ما تعليقك؟ ـ أقول: قد يسهم التكريم في تسليط الضوء على شخص ما أو على نشاطه الثقافي، لكن التكريم لا يضيف لهما قيمة أخرى غير القيمة الموجودة فيهما أصلاً. كذلك لا تستطيع الجوائز، وهي شكل من أشكال التكريم أيضاً، أن تضيف إلى العمل الإبداعي قيمة غير قيمته الأصلية. بقدر ما تلفت نظر الناقد والقارئ إليه. في ما يخصني جاء التكريم من مؤسسات أهلية وأصدقاء ومن رفاق الكلمة الذين استطعت من خلال شهاداتهم الصادقة أن أرى نفسي وأدائي على المستويين الإنساني والاجتماعي والثقافي. رأيت نفسي في مراياهم الخاصة. فالآخر مرآتنا. وإذا ما تعلق الأمر بالتوقيت فإنه لا جدوى من بعض المبادرات التي تأتي متأخرة. لست ممن يقول: «إذا متُّ عطشاناً فلا نَزَل القَطْر»، لكن التكريم حين يأتي في وقته يصبح دافعاً لمزيد من الإنتاج. إنه بمثابة حافز، وحياتنا سلسلة متواصلة من الحوافز. لا ينبغي أن تكون رسالة التكريم على هذا النحو: «شكرا لك.. لقد انتهى تاريخ الصلاحية»، بل على نحو آخر هو: «كنت رائعاً.. ونحن نتوقع منك المزيد». > غالبية الكلمات أكدت دورك في الأخذ بالشباب إلى فضاءات الكتابة الجميلة، أكدوا كذلك انحيازك إلى نفسك وصونها من الصخب الذي يقع فيه عدد من الكتاب، بالنسبة لك أنت ماذا كنت ستقوله عن حسن السبع؟ ـ مكْمَن الصعوبة في هذا السؤال أن الإجابة عنه تعني الحديث عن الذات. وقد تفسر على أنها شكل من أشكال الاعتداد بالنفس. أستطيع أن أقول فقط إن في كل واحد منا نسبةً من الاعتداد بالنفس. تزيد تلك النسبة أو تنقص وفقاً لشخصية الفرد. قد يكون الاعتداد صحيحاً، وقد يكون زائفاً وبلا معنى، لكن ما دمتِ أشرتِ إلى مسألة «الصخب» فإن بعضهم يمتلك اللباقة اللازمة كي لا يكون «صاخباً» أكثر مما ينبغي. تكمن صعوبة هذا السؤال في أن ما يمكن أن أقوله لحسن السبع، أسهل بكثير مما يمكن أن أقوله عن حسن السبع. > انضم الشاعر حسن السبع أخيراً إلى نادي الشعراء الذين يكتبون الرواية، هل هذا مجاراة لما أضحى سائداً، أي توجه الشعراء إلى الرواية، أم أن هنالك دوافع أخرى؟ ـ عندما صدر ديواني الأول «زيتها وسهر القناديل» وتضمن بعض النصوص النثرية مازحني أحد الأصدقاء ممن يكتبون النص النثري بقوله: «لماذا تقتحم علينا عالمنا؟»، كان جوابي آنذاك: «كن شاعراً واخْتَر الشكلَ الذي تريد!». وإذا ما تعلق الأمر باقتحام عالم الرواية، فقد بدأت مشواري الأدبي سارداً. نشرت في مجلة اليمامة في نهاية السبعينات مجموعة قصص قصيرة. لكنني وجدت الشعر أقدر على التعبير عني فكرست نفسي للشعر. غير أني أعشق السرد. وللسرد «شيطان» أيضاً كما للشعر. وهو شيطان ما زال يحرضني على كتابة سيرة ذاتية ثقافية. والسيرة شكل من أشكال السرد. لم أطرق باباً جديداً من أبواب الأدب مجاراة لنزعة سائدة، لكنه قد تشكل عندي نص سردي هو «ليالي عنان» فلم أشأ أن يبقى حبيس الأدراج. مثلما تشكلت عندي ذات يوم مجموعة من القصائد الساخرة فأصدرتها بعنوان «ركلات ترجيح» وقد قيل آنذاك إنها قد تسيء إلى تجربتي الشعرية الجادة. لكني قبلتُ «الإساءة» المزعومةَ راضياً لاعتقادي بأنَّ صدقَ التعبيرِ ليس وقفاً على الأعمالِ الأدبية الجادة من دون سواها. > اللعب بالأزمنة وتداخلها في الرواية بدا مشوقاً، حدثنا عن فكرة الأزمنة المختلفة كيف خطرت؟ وهل كان من السهل التعاطي معها؟ ـ مع توظيف الحلم لم تكن المسألة بذلك التعقيد. فالمؤلف الحالم القادم من القرن الـ15 الهجري (الـ21 الميلادي) يلتقي بمرافقه، أو (دليله السياحي) في دار السلام، أبي الفرج الأصفهاني القادم من القرن الرابع الهجري، ليسافرا معاً إلى القرن الثاني الهجري، إذ يلتقيان بشخوص هذا العمل السردي، وهي جميعها شخصيات حقيقية تنتمي إلى ذلك العصر، والتقى أولئك الشعراء والأدباء والنقاد والفنانون بالشاعرة عنان. سامرها بعضهم، وأحبها آخرون، واختلف معها من اختلف. أي أنه لم يتم استدعاء أي شخصية عنوة أو بشكل اعتباطي. وفي ما عدا المؤلف وأبي الفرج الأصفهاني فإن جميع تلك الشخصيات تنتمي إلى حقبة تاريخية واحدة. هي الفترة الزمنية الممتدة من عام 170 هـ إلى 187 هـ.   التاريخ بطل > بدوت مشدوداً إلى الماضي إلى التاريخ، ألم تخشَ أن يثقل التاريخ على الرواية، على رغم طابع السخرية والفكاهة؟ - الوقائع التاريخية التي يقوم عليها هذا العمل السردي قليلة جداً، ولو بدت للقارئ خلاف ذلك. أعني القارئ الذي لا يميز بين التاريخي والمتخيل. إذ لعب الخيال دوراً رئيساً في تدفق السرد، وفي لغة الحوار. ليبدأ الأدب حيث ينتهي التاريخ. لعبت المخيلة دور البطولة فصار التاريخ وسيلة لا غاية، وجسراً للكتابة التي تجعل التاريخ متحركاً نابضاً بالحياة والناس. لذلك فإن الحاضر - زماناً ومكاناً - ماثل في صفحات الرواية. وأول علامة على ذلك الحاضر هو الراوي نفسه الذي ينتمي اجتماعياً وثقافياً للألفية الثالثة. ومن العلامات الأخرى على ذلك الاسقاط الفني على الحاضر وقضاياه، الاقتباسات الفكرية والأدبية الحديثة، ثم العودة في الفصل الأخير من الرواية إلى الحاضر بشكل أكثر واقعية ومباشرة. والرواية هي «فن تهريب التاريخ والشعر والفلسفة» كما تعبر أحلام مستغانمي. > كل عمل أدبي لا يخلو من هدف، إلى ماذا كنت تهدف؟ وهل يمكن النظر إلى الرواية بصفتها تحمل إسقاطاً على الحاضر؟ - الرواية كما قلت مزيج من التاريخي والمتخيل، ومن الواقعي والفنتازي، ومن المادي والحلمي في محاولة لإزاحة أستار النسيان عن الماضي وقراءته بعين الأديب أو الفنان وليس المؤرخ. لذلك يقال «إن التاريخ من الخطورة بحيث لا يمكن تركه للمؤرخين»! ما الذي يفعله المؤرخ غير رصد الحوادث وتدوين الأرقام. كل شيء صامت وجامد وغائب عن الوجود حتى تلمحه عين الأدب السحرية، تلك العين التي تحيل كل ما تقع عليه إلى حياة مفعمة بالوجود مكتظة بالمعنى. العين التي ترى ما وراء الأشياء، وتستقرئ الحوادث والأرقام الصماء. من دون تلك اللمسة السحرية يغدو التاريخ مقبرة زاخرة بالمومياء، أو فترينة لعرض القطع الأثرية النادرة. > يقول الروائي والكاتب عبدالله العبدالمحسن في مقالة نشرتها «الحياة» عن روايتك «حيل فنية برع فيها لربط الحاضر بالماضي بمهارة وسهولة. حيل فنية ذكية ورشيقة يلج التاريخ ويتوغل في متاهاته، وبخفة رشيقة أيضاً يعود إلى الحاضر» فهل ستغريك هذه الحيل إلى معاودة التجربة وأن تكتب رواية، لكن تنطلق من «هنا والآن»؟ ـ إذا لم يتحقق ذلك فلست الوحيد الذي كتب في حياته رواية واحدة. يذكر محمود السمرة في كتابه «متمردون.. أدباء وفنانون» كيف عاش جيوزيبي لمبدوزا (1896 - 1957) متوحداً في شبه عزلة عن الناس لا ينشر في حياته حرفاً، ثم تنشر بعد وفاته بسنة قصة تركها وراءه عنوانها «الفهد» يعتبرها الأدباء ومنهم الشاعر الفرنسي أراجون أحد الكتب الفريدة في عالم الأدب. كذلك عرف الشاعر الروسي بوريس باسترناك خارج روسيا من خلال روايته «دكتور زيفاجو» وليس من خلال أشعاره. وفي الساحة الثقافية العربية والمحلية شواهد كثيرة على كتّاب لم تصدر لهم سوى رواية واحدة. وكما قلت فإني أفكر في إصدار سيرة ثقافية تجمع ما هو مشترك بين الخاص والعام في محاولة لاستعادة أزمنة وملامح أمكنة ووقائع يكاد يطويها النسيان.   الاهتمام بروايتي فاق توقعاتي > روايتك لاقت اهتماماً جيداً من نقاد وكتاب وقراء، لكن في ما يخصك كيف تقوم أنت هذا الاهتمام؟ هل كنت تنتظره أم كنت تنتظر اهتماماً أكبر من ذلك؟ ـ شخصيا لم أتوقع احتفاء أكثر مما كان. لقد فاق ذلك الاهتمام توقعاتي، وذلك لأسباب كثيرة، ومن تلك الأسباب أن الساحة الثقافية نادراً ما تتفاعل مع عمل أدبي جاد بإيجابية. إذا استثنيت خبراً هنا أو تقريراً هناك، وهي جميعاً متشابهة في صياغتها، وربما صاغها المؤلف نفسه بطلب من دار النشر التي تقوم بتعميمها على محرري صفحات الثقافة. أما المؤسسات الثقافية الرسمية فإنها في واد آخر، لذلك فإن التواصل بينها وبين الكتَّاب معدوم. أما تفاعلها مع ما ينشر فلا يكاد يذكر. وهي بالتالي غير قادرة على المساهمة في الحراك الثقافي بفعالية. وأما القارئ العادي فإنه يبحث عن الإثارة وعن «الحدوثة» المشوقة السهلة، ولا يمتلك صبر وجَلَد القارئ النوعي. وكان تفاعل القارئ النوعي مع الرواية جيداً. صحيح أن الكاتب هو الناقد الأول لعمله، لكن القارئ النوعي مؤلف آخر، له قراءته الخاصة، ورؤيته وتأويلاته وإسقاطاته، ومن المهم للمؤلف الاطلاع على رأي المتلقي ناقداً متخصصاً وقارئاً نوعياً. > كيف ترى هذه الهجرة إلى الرواية من الشعراء؟ ومتى تكون هجرة ملحة وليست بحثاً عن الأضواء والاهتمام؟ ـ أرى أن الرواية وسيلة تعبير، وأن مجال التعبير متاح للجميع. لذلك ينبغي أن ينصب الاهتمام على القيمة الأدبية والفنية لأي عمل. سواء كتبه شاعر أم روائي أم طبيب أسنان. والبقاء دائماً للأكثر رسوخاً في الذاكرة الأدبية. شعراء كثيرون كتبوا الرواية لكنهم ظلوا أوفياء للشعر. أن يكتب شاعر رواية لا يعني انتهاء زمن الشعر. مثل هذه النهايات لا توجد إلا في رؤوس أصحابها. إن ازدهار الرواية قد لا يكون، كما يظن بعضهم، على حساب أشكال التعبير الإبداعية الأخرى. وعليه استبعد أن يكون الهدف من تجربة لون أدبي ما هو البحث عن الأضواء. > هل تحن إلى تلك الأزمنة عندما كان الشعر فيها سيد الأنواع الأدبية، وكان الشاعر محاطاً بهالة من الأضواء؟ - لا بد للإجابة عن هذا السؤال من معرفة المقصود بـ«تلك الأزمنة». هنالك زمن لعب الشاعر فيه دوراً إعلامياً لمصلحة قبيلته أو لمصلحة السلطة أياً كان شكلها، وهنالك زمن للتكسب بالشعر، وهو الزمن الذي تختصره عبارة «ليمتلئ فمه ذهباً»! أو «اقطعوا ألسنة الشعراء بالهبات». وزمن للالتزام الأيديولوجي. وزمن لشعر الزخرفة اللفظية. أما زمن الشعر فهو خارج جاذبية كل تلك الأزمنة. لا يهم إن كان الشعر سيد الأنواع الأدبية أو أحد تلك الأنواع. المهم أن الشعر وكغيره من الفنون ما زال شكلاً تعبيرياً يضفي على حياتنا شيئاً من الجمال ووسيلةً للبحث عن معنى للوجود، ورغبةً في السمو على الواقع، ونداءً ضد التلاشي والانقراض. لذلك ستبقى القيم الجميلة التي يسعى الشعر إلى تكريسها تتسلل إلى النفس البشرية على شكل شحنات مستمرة، وبذلك تبقى الاشعاعات المضيئة التي تبثها كلمات المبدعين ضرورة حياتية، حتى لا نصبح أسرى المنفعة العابرة، والحسابات التي تلغي المشاعر الإنسانية، وحتى لا يصبح كل شيء برسم البيع ابتداءً من الفنون وانتهاءً بالضمائر. قد لا يستطيع الشعر وبقية الفنون الجميلة تغيير العالم. لكنها جميعاً تسهم في إضفاء معنى على وجودنا، وإبقاء الحياة على هذه الأرض محتملة. هذا هو زمن الشعر الذي أتوق إليه. > ما جديدك على صعيد الشعر؟ ـ لدي مجموعة شعرية معدة للطباعة. إنها مسألة وقت.

مشاركة :