لندن: محمد الشافعي «أنا هارب من الظلم لا من العدالة»، هكذا كان عنوان آخر بيان وزعه الإسلامي السوري، عمر بكري محمد فستق من مخبئه على أجهزة الإعلام العربية، يوم الاثنين الماضي، وقال في بيانه: «أنا متوار عن الأنظار هربا من ظلم الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية اللبنانية المنقسمة بحسب التيارات السياسية اللبنانية المتناحرة والمتنافسة على السلطة في البلاد»، في معرض تعليقه على جلسة محاكمته الأخيرة غيابيا، التي عقدتها المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن الطيار خليل إبراهيم. وبعد غياب طويل، وافق بكري المرشد الروحي لحركتي «المهاجرون» و«الغرباء»، قبل أن تحلا نفسيهما عقب تفجيرات السابع من يوليو (تموز) 2005، على الإجابة عن أسئلة: «الشرق الأوسط» ووصف بكري نفسه في أجوبته بأنه «الداعية المظلوم المتواري عن الأنظار في لبنان»، مؤكدا أنه ملاحق حاليا أمنيا من قبل الجهات القضائية اللبنانية. وبكري الذي كان يقيم في العاصمة لندن، هو أيضا زعيم الحركة الأصولية إبان وجوده في بريطانيا، وكان له تلاميذ وأتباع ومريدون بالمئات يدينون له بالولاء والطاعة، قبل أن يغادرها متجها إلى طرابلس بشمال لبنان عقب هجمات لندن. وبكري يحب أن يقدم نفسه للإعلام كخبير في شؤون الإسلاميين وتصنيفاتهم وأدبياتهم، باعتبار أن كثيرا من هؤلاء هم من تلامذته تخرجوا على يديه طوال سنوات، عندما حمل لواء الدعوة في كلية الشريعة في بريطانيا. وعد بكري في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الصراع بين «داعش» و«جبهة النصرة» في سوريا سنة من سنن الله تعالى، وهي ليست الأولى في التاريخ البشري ولا في التاريخ الإسلامي. وحول كلام حسن نصر الله أمين عام حزب الله أنه تأخر في تأييد الرئيس الأسد ونظامه قال عمر بكري «إن نظام الأسد وما ارتكبه من مجازر وجرائم في حق الشعب السوري، لم يكن خافيا على أحد منذ بداية الثورة، ولا حتى على أقرب حلفائه كروسيا والصين وإيران، وعلى وجه الخصوص حسن نصر الله وحزبه، بوصفه الذراع لإيرانية في لبنان بل والمنطقة». وقال: «إن الظلم ظلمات، وأن نصر الله سيلقى ربه يوم القيامة، وسوف يحاسب على كل ما اقترفت يداه في حق الإسلام والمسلمين من أهل السنة، وأن يكف هو وآياته الإيرانيون عن اتهام كل من خالفهم من أهل السنة، بأنهم من التكفيريين والإرهابيين». وبالنسبة لحياته اليومية يقول بكري «أقضي يومي في خلوة داخل غرفة مفروشة في شقة صغيرة شبه فارغة في عمارة، أتفرغ فيها طوال الوقت للصلاة والعبادة وقراءة القرآن، ومطالعة الكتب ومتابعة الأخبار، متصفحا شبكة الإنترنت وغرف التواصل الاجتماعي. وإذا ما حان وقت الغروب أنزوي إلى مكان صغير لا نافذة له، كي أضيء لمبة تساعدني على القراءة في الليل، من دون أن ينتبه الجيران، كونهم لا يعرفون عن وجود سكان في الشقة المجاورة». وأوضح: «أنا لا أتنقل أبدا من مكاني المتواري فيه إلى أي مكان آخر أبدا، خشية أن يتعرف علي الناس، لأن وجهي من النوع المألوف والمعروف عند أكثر الناس بسبب مقابلاتي الإعلامية الدائمة. ولا أتقن فن التنكر والتمويه أبدا». وحول الهجمة التي يتعرض لها في لبنان، وهل يفكر في العودة إلى لندن، قال بكري ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، الهجمة علي في لبنان أقسى وأشد من الهجمة التي كنت أتعرض لها في بريطانيا، كونها كانت إعلامية في بريطانيا، وليست قضائية ولا أمنية ولا بوليسية كحالتي في لبنان فالهجمة هنا تأخذ طابعا بوليسيا، مغلفا بغطاء قضائي وسياسي وإعلامي ممنهج لخدمة هذا الفريق أو ذاك. وأضاف: «كنت تركت بريطانيا وجنسيتها بمحض إرادتي، لأن سقف دعوتي وصراحتي وجرأتي على بيان الحق الذي أعتقده، أصبح يزعج الجميع، وخاصة ما يسمى بالتيار المعتدل، فتصدقت بأمني وراحتي وصحتي وأهلي ومالي وكل ما أنعم الله علي به في بريطانيا، تصدقت به لله، من أجل دين الإسلام ودعوة الحق، وتركت بريطانيا، وعدت إلى بلدي ومسقط رأسي ومكان ولادتي ونشأتي - بيروت، بعد غياب متواصل لأكثر من 30 عاما، حرمت فيها من حق السفر، وأصبحت أموري المعيشية صعبة للغاية نظرا لتخوف الناس من التعامل معي وأصبح استئجار شقة للسكن أو استثمار محل تجاري للعمل من أصعب الأمور لي، نظرا لما تعرضت له من مراقبة أمنية وعسكرية انتهكت حرماتي الخاصة، وخاصة عندما وضعت تحت رقابة مشددة بالتعاون بين جهة عسكرية وجهات من السفارة البريطانية في بيروت، والتي تم فيها زرع جهاز تنصت ومراقبة في سيارتي آنذاك، وكذلك زرع أجهزة وكاميرات مراقبة داخل منزلي للاستماع لي وتسجيل تحركاتي»، وأضيف إلى كل ما ذكرت من التضييق علي أنني حرمت في لبنان من حقي الشرعي في أداء واجباتي الدينية الشرعية كواجب حمل الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرمت حتى من حق الحصول على تأشيرة حج أو عمرة منذ أن خرجت من السعودية عام 1984. وبالنسبة لما افتقده بعدما انتقل إلى لبنان بعدما ترك لندن عاصمة الضباب التي غادرها عام 2005، قال بكري، افتقدت كثيرا الهامش القانوني المتاح لحق التعبير حتى لمن يحمل آراء مخالفة لقوانينهم مثلي، افتقدت إخواني وطلابي وأهلي وأولادي وجيراني، افتقدت إلقاء المحاضرات في المؤتمرات الكبيرة والدروس والندوات العلمية في أكبر وأعرق الجامعات والمعاهد البريطانية في مختلف المدن، افتقدت الشعور بالأمن والأمان المحروم منه أمثالي في لبنان. وبالنسبة للتواصل مع تلاميذه في أوروبا أوضح بكري: «منذ مغادرتي بريطانيا أواخر عام 2005 وحتى يومنا هذا، لم أنقطع يوميا عن تدريس طلابي وأحبابي في أوروبا عامة، وبريطانيا خاصة عبر غرف التواصل الاجتماعي كـ(البالتوك) و(السكايب)، إلا عند توقيفي لعدة أيام، وللأسف انقطعت عنهم مؤخرا عندما تواريت عن الأنظار قسرا خشية الاعتقال منذ بداية شهر أبريل (نيسان) وحتى يومنا هذا وحاليا أتواصل مع أفراد من إخواني وأحبابي في ماليزيا وإندونيسيا وهم بدورهم يتواصلون بالنيابة عني مع بعض طلابي في لندن».
مشاركة :