الدب الروسي والتنين الصيني

  • 5/24/2014
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي يبدو أن زيارة الرئيس الروسي للصين اكتسبت أهمية كبيرة، بسبب التوتر الذي تشهده العلاقات الأميركية - الروسية بعد أحداث أوكرانيا منذ شهرين وضم شبه جزيرة القرم لروسيا، ولذلك تعد هذه الزيارة الأولى خارجياً التي يقوم بها بوتين منذ بداية العام الحالي، والأولى بعد انضمام القرم إلى روسيا وتوتر العلاقات مع الغرب، وفرض العقوبات الغربية على روسيا، حيث تضمنت هذه الزيارة العديد من المواضيع والاتفاقات (46 اتفاقاً) التي عقدتها الدولتان اللتان لهما العديد من المشكلات مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يعتبره المحللون والخبراء صراع نفوذ، ومصالح بين الدولتين من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، إذ جاءت زيارة بوتين للصين قبل قمّة مؤتمر «التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا» في شنغهاي بيومين. وقبل زيارة الرئيس الروسي للصين بأسبوع، كان وزير الخزانة الأميركي جاكوب ليو، في بكين محاولاً تحذيرها ودعوتها لتجنب أية خطوات قد تقلل من تأثير العقوبات المفروضة على روسيا، على أثر الأزمة الأوكرانية، مع قناعة المسؤولين الأميركيين بصعوبة تلبية طلبهم، لحاجة الصين الماسة إلى الطاقة، وكذلك فرصتها للحصول على أفضل المميزات من روسيا، في هذه الفترة التي تشهد توتراً بين الغرب وروسيا. كذلك، يبدو أن زيارة بوتين أتت بعد بوادر أزمة ديبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، إذ استدعت وزارة الخارجية الصينية السفير الأميركي في بكين في الأسبوع الذي سبق الزيارة، احتجاجاً على توجيه الإدارة الأميركية تهمة «القرصنة المعلوماتية» و«التجسس الاقتصادي»، لخمسة ضباط من الجيش الصيني، كما أصدرت وزارة الدفاع الصينية بياناً شديد اللهجة حول هذه المسألة، متهمة فيه الولايات المتحدة بـ«الخبث» وبانتهاج «ازدواجية في المعايير»، وهو ما يظهر أن التوجس والريبة لا يزالان قائمين بين البلدين. كانت زيارة الرئيس الروسي للصين حافلة بالعديد من الفعاليات، التي يمكن أن نعتبرها رسائل موجهة للغرب، فهناك المناورات البحرية المشتركة بين البلدين «التعاون البحري 2014»، التي تقام للمرة الثالثة، وللمرة الأولى يفتتحها ويشاهدها الرئيسان الروسي والصيني، وكذلك توقيع شركة «غازبروم» الروسية وشركة النفط والغاز الوطنية الصينية CNPC، على صفقة القرن، التي طال انتظارها لتوريد 38 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز الروسي من شرق سيبيريا إلى الصين 30 عاماً، تقدر قيمته 400 بليون دولار، وفقاً لشروط مرضية، إذ تم التوقيع بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ. هذه الصفقة ستساعد البلدين على تنويع خياراتهما الاقتصادية والسياسية، فروسيا بحاجة إلى تنويع مسارات التصدير بعيداً من أوروبا، والصين بحاجة إلى مصادر الطاقة مع تزايد نموها الاقتصادي، وتخفيف حدة نقص الغاز والتقليل من اعتمادها المتزايد على الفحم تماشياً مع متطلبات معايير البيئة العالمية. سياسياً يعتقد العديد من الخبراء والمحللين بأن بكين - وبفضل الأزمة في أوكرانيا - حصلت على فترة هدوء سياسي بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، بسبب تحول واشنطن من التركيز على الصين ومحاولة احتوائها، إلى الضغط على موسكو ومواجهة نفوذها المتعاظم في أوروبا، ومحاولة تحجيم طموحاتها، وهو ما يستدعي اهتماماً صينياً لاقتناص فرصة الاستفادة من توتر العلاقة بين الغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى، في تعزيز المصالح الصينية، ليس في المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم بأكمله، ولاسيما في آسيا وأفريقيا، حيث تعلم الصين أن الفرصة مواتية لها؛ لأن روسيا كانت في السابق مترددة وتضع القيود على الاستثمارات الصينية في القطاعات الاستراتيجية الروسية، كالطيران والصواريخ الباليستية، وقطاع الذَّرَّة وغيرها من القطاعات الاستراتيجية الأخرى، لكن يبدو أن الأزمة مع الغرب، بسبب الوضع في أوكرانيا جعلت موسكو تصبح أكثر مرونة، في تخفيف تلك القيود، وهو ما يسهل للصين الاستفادة من هذه القطاعات لتطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية. فعلى سبيل المثال ذكرت صحيفة «كوميرسانت» الروسية أن أهم موضوعين سيتم التطرق إليهما في مجال التعاون العسكري الفني بين الدولتين خلال الزيارة هما: مشروع تصميم وإنتاج مشترك لطائرة للمسافات البعيدة يمكنها أن تنافس في المستقبل طائرات بوينغ وإيرباص، وكذلك مشروع إنتاج المروحية الثقيلة «مي -26» في الصين، وهو ما يعزز قدرة البلدين التصنيعية في المجالات الاستراتيجية. في الجانب الآخر، ومنذ تسلمه الرئاسة أظهر الرئيس الصيني شي جين بينج مدى تقديره للعلاقات مع موسكو، ولاسيما مع الرئيس بوتين بقيامه بأول زيارة خارجية كرئيس للصين، لموسكو، وحضوره افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في مدينة سوتشي، وهي رسالة للولايات المتحدة الأميركية في مواجهة استراتيجيتها لاحتواء الصين، علماً أن حجم التجارة بين روسيا والصين ازداد بنسبة 8.2 في المئة العام الماضي، فوصل إلى 8.1 بليون دولار، لكن روسيا ظلت على رغم ذلك سابع أكبر شريك تجاري للصين من حيث الصادرات، لكن ما يتعلق بالواردات فلا تزال روسيا شريكاً ثانوياً، أما الاتحاد الأوروبي فيمثل أكبر شريك تجاري لروسيا ويمثل نصف حجم تجارتها بالكامل، وهو ما يقلق خبراء الاقتصاد الروس في حال تفاقمت الأزمة الأوكرانية. يرى العديد من الخبراء أن زيارة بوتين للصين وتوقيعه العديد من العقود والظهور الإعلامي في مؤتمر «التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا»، مثلت نجاحاً كبيراً له في ظل الضغوط والتهديدات الغربية بعزل روسيا، ولاسيما الاتفاق مع الصين لتوريد الغاز، هو ما يمكن وصفه باتفاق القرن، إذ يعتبر أول خط أنابيب يربط قطبي آسيا، روسيا كأكبر منتج للغاز في العالم، والصين كأكبر مستهلك للطاقة، كما يمكن أن يؤسس لشراكة جديدة في آسيا، في الوقت الذي يحاول الأوروبيون - بضغوط من أميركا - تقليص الاعتماد على الغاز الروسي في أعقاب الأزمة في أوكرانيا، والضغط على روسيا سياسياً واقتصادياً. الدب الروسي بحاجة إلى الاستثمار والتجارة والاقتصاد وكذلك الدعم السياسي، لمواجهة ضغوط الغرب، والتنين الصيني بحاجة إلى الطاقة النظيفة والرخيصة، وكذلك الأسواق، لمواجهة الاحتواء الأميركي، فيبدو أن الضغوط الغربية على روسيا والأميركية على الصين، وضعتهما في خندق واحد. والسؤال المطروح هو: هل يستطيع الدب الروسي والتنين الصيني بعد تقاربهما أن يغيرا قواعد لعبة الشطرنج في السياسة الدولية وتوازناتها؟     * أكاديمي سعودي.  alanazi15@hotmail.com

مشاركة :