مساء 24 ديسمبر سنة 1847 وقف الأمير عبد القادر مع مجموعة من رفاقه في البرد وتحت مطر غزير، يترقب البارجة «السولون»، التي رست في «جامع الغزوات» المرفأ الصغير القريب من الحدود المغربية، بعد خمس عشرة سنة من مقاومة الاستعمار الفرنسي، عرف فيها الأمير الهزائم والانتصارات، ووقّع العديد من الاتفاقيات التي انتهت بتوقيع وثيقة استسلامه.ومن خلال محطات من حياة الأمير يكتب عبد القادر الجماعي روايته «ليلة الأمير الأخيرة»، التي ترجمها إلى العربية ساسي حمام، وقد ولد الجماعي في نفس المنطقة التي ولد فيها الأمير، وهي منطقة وهران غربي الجزائر، وعانى مثله الغربة، ولذا كان طبيعياً أن يكتب هذه الملحمة التي انطلقت في القرن التاسع عشر، وبطلها الأمير عبد القادر الجزائري، قائد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، والشاعر الصوفي وعاشق الكتب، والقارئ الذي يحمل مكتبته في حلّه وترحاله، وصاحب العقل المتفتح الحداثي، الذي ألهم بحياته وأعماله فناني القرن التاسع عشر، فكتبت حوله الروايات والقصائد الشعرية وكتب التاريخ واللوحات الفنية.يستلهم الروائي أحداث روايته من محطات مهمة من حياة الأمير عبد القادر منذ نعومة أظفاره وشبابه ومبايعته ومقاومته للاستعمار الفرنسي، التي انتهت باستسلامه ومغادرة الجزائر مع رفاقه نحو فرنسا، حيث يسجنون وبعد مدة يطلق سراحهم، فيتوجهون نحو تركيا ثم نحو سوريا، حيث يستقر ويسكن البيت الذي سكنه قبله محيي الدين بن عربي، وهناك يقضي بقية حياته يدرس كتب الشيخ الأكبر بالجامع. يمتزج في هذه الرواية الخيال بالحقيقة والتاريخ بالأسطورة في موضوعيتها وحياديتها، فرغم أن المؤلف كتبها بالفرنسية، فإنه لم يتملق القارئ الفرنسي ولم يغازله ولم يحاول استمالته بوصف غرائبي وعجائبي، أو بالحديث عن الحريم والحب المحرم، حيث يذكر الروائي أن محيي الدين ربّى ابنه عبد القادر تربية إسلامية صحيحة، فشب متمسكاً بالإسلام عقيدة وسلوكاً، ملتزماً بقيم الإسلام دين التسامح ونبذ العنف مهما كان نوعه.لم يكن الأمير عبد القادر قائداً عسكرياً مقاوماً للاستعمار الفرنسي فحسب، لكنه كان عالماً متسامحاً حداثياً متفتحاً، وعاشقاً للكتب والقراءة، وصاحب خطاب نهضوي، ومن دعاة الانفتاح على حضارة الغرب، والانتفاع ببعض مزاياها، فأخذ عنها بعض الصناعات مثل صناعة الأسلحة، وكان من دعاة الحوار بين الحضارات والأديان، وقد حاور الفرنسيين على مختلف تياراتهم واتجاهاتهم وأطيافهم، وتعامل مع الناس دون مراعاة لدياناتهم أو جنسياتهم، فعامل الأسرى الفرنسيين برفق.كما كشف الروائي وجه الاستعمار القبيح، وفضح ممارساته في الجزائر، وما اقترفه من مجازر، فقد خرّبوا مدناً ومحوا العديد من القرى على وجه الأرض، وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ والعجائز دون ذنب، وسلبوا ونهبوا وجوّعوا وشرّدوا وعذّبوا المواطنين، لقد قدم الروائي عبد القادر الجماعي صورة مشرقة للأمير عبد القادر الجزائري، ومن خلاله للإسلام، للقرّاء الفرنسيين وغيرهم، علّهم يغيّرون قناعاتهم ومواقفهم وأفكارهم المسبقة عن الإسلام والمسلمين.
مشاركة :