إجراءات حمائية تونسية لوقف تفاقم العجز التجاريأعلنت الحكومة التونسية عن ملامح استراتيجية جديدة لكبح انفلات الواردات، في محاولة لتقليص العجز التجاري المتفاقم خاصة مع تركيا والصين، وتخفيف معاناة المواطنين من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية جراء تدهور قيمة الدينار.العرب رياض بوعزة [نُشر في 2017/05/17، العدد: 10635، ص(10)]سلع رخيصة ترهق التوازنات المالية كشفت مصادر بوزارة التجارة والصناعة التونسية لـ“العرب” الثلاثاء، أن الوزارة بدأت في مراجعة الرسوم الجمركية على مجموعة من المواد الاستهلاكية المستوردة من دول وقّعت معها تونس اتفاقيات للتبادل الحر. وأوضحت المصادر أن من بين الإجراءات تقليص الامتيازات الممنوحة لوكلاء توريد السيارات مع إجبار كافة المورّدين على تقديم وثائق وشهادات المنشأ، إضافة إلى تعزيز الرقابة الفنية على السلع المورّدة. ويرى خبراء أن تونس تهدف من الإجراءات لزيادة الرسوم الجمركية على واردات السلع الاستهلاكية غير الأساسية التي شهدت زيادة بنحو 11 بالمئة منذ عام 2011، لكن دون تجاوز المعدل المسموح به في إطار الاتفاقيات التي تخضع لمنظمة التجارة العالمية. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية في وقت سابق هذا الأسبوع عن خالد بن عبدالله، مدير التجارة الخارجية في الوزارة قوله إن “وزارة التجارة تدرس إمكانية إقرار إجراءات جمركية جديدة على توريد منتوجات استهلاكية كمالية”. ورغم نفي المسؤول وجود أي خطة لتطبيق إجراءات حمائية وفقا للبنود التي تتضمنها اتفاقيات التبادل الحر مع الدول المعنية، إلا أن وزير التجارة والصناعة زياد العذاري أكد وجود نية لتطبيقها مع تركيا على وجه التحديد. وبرّر بن عبدالله عدم اتخاذ مثل هذا الإجراء حتى الآن بأن رد فعل البلدان التي ترتبط معها تونس باتفاقيات تبادل حر ستكون مشابهة مما قد يضر بالاقتصاد التونسي، لكنه استطرد قائلا “لذا من المفترض أن يكون هذا الحل الملجأ الأخير”. ورغم أن التدابير الجديدة جاءت متأخرة لتقليص الفجوة بين الصادرات والواردات التي استنزفت الاحتياطيات النقدية للبلاد، فإن الخبراء يرون أن مجرد إحداث تغيير في سياسة التبادل التجاري ستكون له انعكاسات إيجابية في الفترة القادمة رغم أن العملية ستكون بطيئة. وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع العجز التجاري في الثلث الأول من العام الجاري بنسبة 28 بالمئة بمقارنة سنوية ليبلغ نحو 2.2 مليار دولار. ويعتقد محللون أن نمو الواردات بشكل غير مسبوق في السنوات الست الأخيرة كان نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة في ما يتعلق بمراجعة الرسوم الجمركية، وهو ما أدى لتسويق حصة كبيرة من السلع المهرّبة في السوق المحلية. وتعكس المبادلات انفتاح الاقتصاد التونسي على العالم، لكنها تثير مخاوف واسعة خاصة حين تتدفق الواردات بلا ضوابط من بلدان لا ترتبط معها تونس باتفاقات تجارية مثل الصين، إضافة إلى الوتيرة المقلقة لارتفاع الواردات بسرعة تفوق بكثير نمو الصادرات. وتشير البيانات إلى أن 32 بالمئة فقط من واردات المواد الأولية والمنتجات نصف المصنعة التي استوردتها الشركات في العام الماضي، كانت موجهة للتصدير. وتعتزم وزارة التجارة تكليف لجنة لمراقبة واردات جميع المؤسسات الحكومية من الوقود والحبوب والزيوت النباتية والسكر والأرز والقهوة باعتبار أن حجم مشترياتها كبير جدا ويؤثر على التوازنات المالية في البلاد. وكان العذاري قد أشار بداية الأسبوع الحالي إلى أن مصالح رئاسة الحكومة تولت مهمّة ترشيد وجدولة وتنسيق البرنامج العام لمشتريات المنشآت الحكومية حتى نهاية العام الحالي. وأكد أن من أسباب تفاقم العجز التجاري منذ بداية العام، تضاعف فاتورة واردات الطاقة 5 مرات وارتفاع واردات المواد الأولية بنسبة 30 بالمئة والمواد الغذائية الأساسية بنحو 11 بالمئة والمواد الاستهلاكية بنحو 8 بالمئة. وفي مقابل تقليص الامتيازات الممنوحة لوكلاء السيارات، أكد الوزير أن الحكومة هيّأت مناخ الأعمال المناسب لمصنعي السيارات للاستثمار والتعاون مع مصنعي مكونات السيارات في تونس وتقديم الحوافز الضرورية لهم. وكشف العذاري وجود مساع لتفعيل الإجراءات الحمائية بموجب الاتفاقية المبرمة بين تونس وتركيا وذلك في إطار مجلس الشراكة التونسي التركي الذي سينعقد قريبا، في محاولة لمعالجة الخلل في الميزان التجاري بين البلدين. وطلبت تونس من تركيا مساعدتها في توسيع دخول السلع التونسية إلى أسواقها. وطلبت تجديد أو إعفاء قائمة إضافية من السلع التونسية من الرسوم الجمركية وفتح خطوط تمويل تركية بشروط ميسّرة لتعزيز الصادرات التونسية. ويقدر اقتصاديون خسائر تونس جراء إغراق السوق المحلية بالتوريد العشوائي للبضائع التركية المعفاة من الرسوم الجمركية بنحو مليار دولار سنويا. ودعت الحكومة التونسية الصين لفتح خطوط تمويل لتشجيع استثماراتها الصناعية في تونس. كما طلبت مساعدة تقنية لزيادة دخول الصادرات التونسية إلى الأسواق الصينية.
مشاركة :