إيران على حافة الفقر المائي: جفاف زاحف قد يحول البلاد إلى صحراءلم تعد معضلة شحّ المياه مجرد مخاوف بعيدة أو خطر مؤجل على بعد عقود من الزمن في إيران، فأزمة المياه التي تواجهها البلاد نتيجة ندرة المصادر والاستنزاف الشديد للموارد المائية، تكشف أن النظام الإيراني وعلى العكس من مخططاته التي يوظفها لمدّ نفوذه الإقليمي بدول الجوار فشل في صياغة استراتيجية للتوقي من أكبر خطر يتهدده خلال السنوات المقبلة.العرب [نُشر في 2017/05/17، العدد: 10635، ص(12)]شبح الموت يحوم حول بحيرة أرومية طهران – قبل 25 سنة كانت بحيرة أرومية في إيران أكبر بحيرة مالحة في الشرق الأوسط والثانية على مستوى العالم. لكن في غضون عقدين من الزمن انحسرت مياه البحيرة وتبخّرت بنسبة 98 بالمئة. وأضحت بحيرة أرومية تحتضر شأنها شأن بحيرة هامون في المنطقة الحدودية مع أفغانستان والعديد من البحيرات ومصادر المياه في إيران الغنية بالنفط والفقيرة من المياه. تبدو إيران اليوم في حاجة إلى دعم قطاع الطاقات المتجددة والاستثمار في معالجة المياه أكثر من أي قطاع اقتصادي آخر، وهي على شفا العطش والجفاف اللذين قد يحولان البلاد إلى صحراء قاحلة. وعبّرت عن هذا القلق أستر كويش لاروش، ممثلة إيران في منظمة اليونسكو خلال مداخلتها في مؤتمر الدورة التقنية الأولى لملتقى “أمن المياه في المستوطنات البشرية” الذي عقد مؤخرا في طهران. وقالت لاروش إن للتوسّع الحضري مساوئه التي انعكست على الموارد المائية التي تنفد بشكل كبير لضمان استمرارية التطور والتنمية ولضمان توفير مياه الشرب وتسهيل النقل في المجال الصناعي. وأضافت أن نسبة كبيرة من المياه المستعملة لا تجري معالجتها بما يمكّن من الاستفادة منها مرة أخرى. ويعدّ الماء الشغل الشاغل للملايين من الإيرانيين الذين سيجبرون على هجر أراضيهم إذا لم تتخذ السلطات إجراءات لدرء هذا الخطر. وتفصح المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام الإيرانية في العديد من المناسبات وتصريحات لعدد من الوزراء والمسؤولين في الحكومة عن أن مشكلة المياه خرجت عن سياق الأزمة المحدودة والظرفية لتتحول إلى تحد حيوي يواجه مستقبل البلاد برمته، مهددا ثرواتها الزراعية والحيوانية ومحيطا الملايين من السكان بخطر الجفاف والعطش.إيران ضمن ثلاث دول استخدمت أكثر من 40 بالمئة من مياهها الجوفية، وهذا يعني الموت التدريجي للبلاد وزاد من تعمّق هذه الأزمة غياب إجراءات جذرية للتعامل مع المشكلة وانغماس السياسيين وصناع القرار في الملفات الخارجية ومشاريع النفوذ الإيراني بدول الجوار. وبدا أن المشكلة خرجت عن نطاق السيطرة بعد أن بلغ نضوب الموارد المائية حدا دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات ارتجالية للحد من استهلاك المياه. وكان مسؤول الشركة الوطنية لتوزيع المياه في إيران كشف أن مستوى الاستهلاك اليومي للمياه في البلاد يبلغ 250 مليون لتر، متجاوزا بذلك معدل الاستهلاك العالمي اليومي البالغ 150 مليون لتر. جفاف السدود يعيش عدد من المحافظات الإيرانية منذ سنوات مشكلات حقيقية نتيجة الضغط الكبير على مصادر الإمداد، خاصة السطحية منها. فعلى مستوى العاصمة طهران تعرضت ثلاثة من أصل خمسة سدود تؤمّن تزويد المدينة للجفاف التام، وهو السيناريو الذي تكرر في مناطق أخرى نتيجة تعرض العشرات من المنشآت المائية للجفاف جراء الإهمال وغياب المتابعة ونقص الأمطار خلال السنوات الأخيرة. وكان نائب وزير الطاقة الإيراني ستار محمودي أشار إلى الآثار السلبية التي سببها التحضّر وخاصة في المناطق التي يقل فيها معدل نزول الأمطار على كامل السنة. وبيّن محمودي أن العديد من المحافظات مثل أصفهان وجنوب خراسان وسيمنان وكرمان مكتظة بالسكان في الوقت الذي لا يوجد فيه ما يكفي من المياه لدعمهم. ويسلّط تعرض العشرات من السدود للجفاف في إيران الضوء على فضائح بالجملة داخل الإدارات الحكومية التي أنفقت الملايين من الدولارات في مشاريع البنى المائية دون مردود ملموس، بسب إنشائها في مناطق تفتقد إلى مخزون كاف من التساقطات سنويا أو مصادر بديلة من المياه الجوفية، ما يحيل على شبهات فساد واسعة في تلك المشاريع. وذكر ممثل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو” بطهران سيرج ناكوزي أن معدل المياه المتجددة في البلاد تقلّص خلال الـ15 عاما الماضية إلى ثلث المعدّل العالمي وذلك نتيجة الاستعمال غير المدروس والمفرط خاصة في مجال الزراعة. وتفيد تقديرات “الفاو” بأن معدل استهلاك المياه المتجددة في مجال الزراعة في إيران يتراوح بين 92 و95 بالمئة من إجمالي الاستهلاك في حين لا يتجاوز المعدل العالمي حدود 70 بالمئة. وتلتقي هذه المؤشرات مع ما كشف عنه وزير الزراعة الإيراني حميد جيت، الذي أفاد بأن بلاده بلغت مرحلة خطيرة من أزمة المياه والتي قد تستفحل خلال سنوات قليلة جدا بسبب استنزاف 86 بالمئة من احتياطياتها من المياه المتجددة، مقارنة بالمعدلات الدولية والتي تحذر من تجاوز أكثر 40 بالمئة من المخزون. ويضاعف الاستغلال المفرط للمياه في مجال الزراعة من حدة الأزمة نتيجة عدة عوامل، أبرزها عدم تطور منظومات الري في المناطق الفلاحية والأرياف في ظل غياب أي مشاريع لتطويرها منذ الثورة الإيرانية مما أدى إلى زيادة معدلات استغلال المياه الجوفية والحفر العشوائي للآبار خاصة بالمناطق الجافة والتي تعاني من ضعف معدل الأمطار. ودق الخبير الإيراني في شؤون المياه ووزير الزراعة الأسبق عيسى كلانتر أجراس الخطر محذرا من أن إيران ستتحول إلى “أرض قاحلة خلال السنوات المقبلة” جراء نضوب المياه الجوفية. وقال كلانتر “إيران تمر بأزمة مياه شديدة ولن نجامل أحدا في ذلك”، مضيفا “نحن من ضمن ثلاث دول استخدمت أكثر من 40 بالمئة من مياهها الجوفية، وهذا يعني الموت التدريجي للبلاد”. ويقدر أن حوالي 140 مليار متر مكعب من المياه الجوفية نفدت من جملة المخزون المقدر بـ200 مليار متر مكعب. وإزاء تعاظم المخاطر التي قد تحملها مشكلة المياه، تحاول السلطات الإيرانية تأجيل مرحلة بلوغ الأزمة والتخفيف من حدتها عبر التفكير في مشاريع لتدوير المياه المستعملة وإعادة معالجتها بهدف استغلالها خاصة في مجالات الري. وبدأت طهران في عقد ندوات وورشات مختصة بالتعاون مع الهيئات الدولية على غرار الورشة التقنية المتعلقة بإعادة استغلال المياه المستعملة بالتعاون مع منظمة اليونسكو، والتي قدمت ممثلتها أستر كويش لاروش توصيات حول توظيف تقنيات معالجة منخفضة التكلفة للمياه، ما يسمح بإنتاج مياه صالحة للاستخدام في قطاعات الصناعة والزراعة، هذا بالإضافة إلى ضرورة تطوير نظام الري الذي لا يزال تقليديا في إيران ويعتمد أساسا على المخزون الجوفي. وتمثل التكلفة الباهظة لتقنيات معالجة المياه وتدويرها أحد التحديات الكبرى التي تواجه السلطات لتمويل المشروع وبناء محطات بعدد من المناطق لتجميع المياه المستعملة وفلترتها لإعادة استعمالها في مجالات أخرى، ما يسمح في الوقت الحاضر بتخفيف مستويات الاستنزاف عن مخزونات المياه العذبة. المياه أخطر من أميركا وإسرائيل قامت مؤخرا مجموعة من الناشطين في مجال حماية البيئة بلفت الانتباه إلى نهر شيراز الجاف رغبة منها في معالجة أزمة الجفاف في إيران، وذلك ضمن حملة توعية بيئية حملت عنوان “أزرق دون ماء” وفق ما نقلته وكالة “مهر” للأنباء. كما نشرت الوكالة الإيرانية صورا لهور “آق كل” تحت تعليق “آق كل” يلتقط أنفاسه الأخيرة في ظل الجفاف المتعاقب على المنطقة وشحّ المياه السطحية. وبحيرة هامون الجميلة، التي فقدت نضارتها وباتت جافة وشاحبة بسبب غيوم العواصف الترابية والجفاف، تقع في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية على الحدود مع أفغانستان التي تلفظ بدورها أنفاسها الأخيرة. وتشهد المدن الإيرانية الكبرى احتجاجات ضخمة بسبب أزمة المياه. وتتصاعد هذه الاحتجاجات خصوصا في المناطق الجنوبية وفي الأحواز، حيث يجري تحويل مجرى مياه الأنهار في تلك المناطق التي تسكنها أغلبية غير فارسية. ويعد نهر كارون من أبرز الأنهار التي تم تجفيفها عبر تحويل المياه إلى مدينة أصفهان، قلب السياحة الإيرانية، والتي تعاني بدورها من جفاف نهر زاينده رود. تزداد رقعة المناطق الجافة في إيران يوما بعد يوم لتتوسع معها رقعة الاحتجاجات بسبب النقص في المياه ما يجعل هذه الأزمة، كما عبّر عنها عيسى كلانتر، تمثل “خطرا أكبر من خطر أميركا وإسرائيل”، فيما يذهب خبير في علم الاجتماع في جامعة طهران إلى القول في تصريح لموقع “المونيتور” الأميركي “تحدّثنا طوال سنوات عن الاقتصاد والسياسة والمجتمع، لكن هذه المحادثات تبدو لي تافهة اليوم. وبسبب الوضع الحالي، فإمّا أن نموت من العطش وإما أن نهرب”.
مشاركة :