«الجهاد الأكبر» بعد تحرير الموصل

  • 5/18/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كمال بالهاديإذا كانت مسألة تحرير الموصل من براثن التنظيم الإرهابي «داعش»، هي مسألة وقت بعد أن تمت إزاحته من أغلب المنطقة. ولكنّ الأهم من طرد تنظيم متوحش، ترفضه الأغلبية الساحقة من أبناء المدينة ومن العراقيين، هو مستقبل المدينة، ومستقبل العراق، في ظلّ متغيرات إقليمية ودوليّة، تدفع نحو استدامة الأزمة العراقية المستمرة منذ احتلال بغداد في العام 2003.إنّ نشأة التنظيم الإرهابي، بعد انحلال الدولة العراقية، يبدو أنّه أمر منطقي، فكل التيارات العنيفة إنما تظهر وتكبر في الدول الضعيفة، نلاحظ ذلك في أفغانستان وفي ليبيا، وفي سوريا وفي العراق وفي كثير من الحالات الأخرى. ولكنّ حكاية «داعش» مع نينوى ومع الموصل تحديداً، كان لها خصوصية تفسّر وضعية المدينة التي سلّمت أمرها للتنظيم في أيام معدودة. لا يمكن لأحد أن ينكر أن حكومة نوري المالكي، كانت حكومة طائفية بامتياز، وقد عملت على تقسيم العراقيين، وعلى ضرب وحدتهم الهشّة. تجربة الحرب الأهلية في العراق خلال السنوات الماضية، كانت أليمة وقاسية على جميع الطوائف والمذاهب والعرقيات. وهناك دروس عدّة يمكن الاستفادة منها من هذه التجربة بعد تحقيق النصر الشامل على تنظيم «داعش»، بمعنى بعد إزاحته من كل مناطق العراق وليس من الموصل فحسب. الدرس الأول، يكمن في أن الجيش العراقي، وبعد أن تمت إعادة هيكلته، ونجح في الحروب الميدانية ضد التنظيمات الإرهابية، سيخرج من معركة الموصل أكثر قوة. والقيادات العسكرية يمكنها البناء على تجربة الموصل، لتأسيس الجيش على عقيدة الوطن وإخراجه من دائرة الطائفية التي لطالما التصقت به، خاصّة في عهد حكومة المالكي. وهذا الجيش يجب أن يكون القوة المسلحة الوحيدة في العراق، حتى يمكن الانتقال إلى الدولة الوطنية المدنية. فالقوى المسلحة الأخرى، لا يمكن لها أن تكون موجودة في دولة مدنية أياً كانت انتماءاتها. وهذا الجيش حتى يكون في خدمة الجمهورية وفي خدمة الديمقراطية، عليه أن يكون حارساً لوحدة العراق، حتى وإن كانت الأطراف السياسية غير متوافقة.الدرس الثاني، الذي يمكن الاستفادة منه من تجربة الموصل، يكمن في أهمية ترميم الشخصية العراقية، بعد جراحات الطائفية التي مزّقت المجتمع، وجعلت أفراد الأسرة الواحدة والقبيلة الواحدة، على طرفي نقيض إن لم نقل على خطّ التماس والاحتكاك الذي ولّد أنهاراً من الدماء في السنوات الماضية. وضمن هذا الإطار يمكن أن تلعب القبائل دوراً مهماً في تحقيق المصالحات الداخلية، وفي التخفيف من حدة التوتر الطائفي، الذي يمكن أن يعيد الاصطفافات المذهبية إلى المربع الأول، ويمكن أن يعيد إنتاج «داعش» في شكل تنظيمات أخرى، ربما تكون أكثر توحّشاً ودمويّة. الدرس الثالث، يتمثّل في القضية الكردية، التي يمكن أن تظهر بعد نهاية «داعش» في الموصل. ولكن يجب التذكير أن الأكراد قد خيّروا الانضمام للدولة العراقية، في بدايات القرن العشرين، وعند تصفية الإرث العثماني. فعندما رغبت تركيا في ضم المنطقة الكردية والموصل إلى أراضيها، فضّل الأكراد العراق على تركيا. وهم اليوم يشاركون في تحرير الموصل من «داعش»، فيما يقف الأتراك على بعد أميال قليلة من المدينة، وطبعاً لا يمكن أن تخفى المطامع القديمة، على أحد. وإذا ما أراد العراقيون أن يضمنوا بقاء الأكراد في دولتهم الموحدة، فعليهم أن يسعوا جدياً لسحب أسباب تبرّم القيادات في أربيل. وهذا لا يكون إلا بالاتفاق على مقومات الدولة الوطنية الديمقراطية التي تحقق العدالة الاجتماعية، بين كل أبنائها. إن المسألة الكردية، لا تحجب ما عانته بعض الأقليات الأخرى من اضطهاد الإرهاب الداعشي، وهؤلاء يمثلون عمق الحضارة العراقية وتاريخها الطويل، ومن حقهم أن يجدوا مكاناً لهم في العراق الجديد. الحقيقة الموضوعية، تبرهن أن العراق لم يجن شيئاً، سوى مزيد من انهيار الدولة ومن الانقسام المجتمعي ومن ولاء الطبقة السياسية للخارج أكثر من ولائها للدولة العراقية. وقد حان الوقت للعراقيين ليتجهوا نحو أشقائهم العرب، لتصحيح أخطاء الماضي، ولبناء قاعدة علاقات متينة، يعود بموجبها العراق لحاضنته العربية. إن الجهاد الأكبر، المستوجب على العراقيين، سياسيين ونخبة مثقفة وجمعيات مدنية، بعد تحرير الموصل، سيكون ترميم الشخصية العراقية، وإعادة الثقة لمواطن هو صانع حضارات عريقة، ولدولة ذات إمكانات يمكن أن تجعلها قوة اقتصادية وسياسية، لها مكانتها في المنطقة. وقوع الموصل في قبضة «داعش» كان علامة انهيار الدولة العراقية، وتحريرها يجب أن يكون فاتحة عهد جديد، عهد العراق القوي. belhedi18@gmail.com

مشاركة :