من الواضح أن لدى الولايات المتحدة دوافع عدة لمنح «وحدات حماية الشعب» الكردية الدور الرئيس في الهجوم المزمع، بمشاركتها ورعايتها، على الرقة. لكنّ ثمة غموضاً يتعلق بكيفية التوفيق بين تعاون تنظيم صالح مسلم مع الأميركيين والتزام خططهم، وبين ولائه لنظام بشار الأسد الذي عاودت واشنطن حملتها ضده. قد يكون أمراً مفروغاً منه أن لأكراد سورية، مثل أبناء قوميتهم في العراق وتركيا وإيران، هدفاً بعيد المدى هو الاستقلال الذي قد يتخذ في مراحل أولى شكل حكم ذاتي على غرار الحالة العراقية. وكانوا يرون منذ البداية أن سلوك هذا الطريق يتطلب بالضرروة رضا دمشق، وتصرفوا على هذا الأساس. وكان أن أخلت القوات النظامية السورية مواقعها بين الرقة وحلب قبل سنوات، وسمحت لـ «وحدات الحماية» بتولي الأمن فيها وإقامة نوع من «الحكم الإداري»، قبل أن تدخل هذه في مواجهات عنيفة مع فصائل «الجيش الحر» رداً للجميل. وجاء المؤتمر الصحافي الأخير لوزير الخارجية السوري وليد المعلم ليعلن تأييد الدور الكردي المدعوم أميركياً في معركة الرقة، ويصفه بأنه «حرب مشروعة ضد داعش تندرج في إطار حماية وحدة سورية وسيادتها»، في خروج واضح عن مواقف سابقة اتهمت الأميركيين بغزو سورية لأنهم دخلوها من دون التنسيق مع دمشق. وكان الأكراد تلقوا بارتياح إشارة واضحة إلى قبول روسيا، الداعم الرئيس لنظام الأسد، بخيارهم، عبر مسودة الدستور التي وضعتها موسكو ونشرتها أواخر العام الماضي، والتي لحظت في البند الثاني من مادتها الرابعة أن «أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته تستخدم اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين». ومع أن بوتين صرح أخيراً بأنه «لا يرى ضرورة لتسليح أكراد سورية»، إلا أن موقفه كان يهدف إلى مسايرة أردوغان عشية زيارته واشنطن، بعدما وفرت تركيا غطاء سياسياً ضرورياً لاتفاق آستانة. ومنذ معركة عين العرب (كوباني)، بدأ الأميركيون يتعاملون مع الأكراد السوريين بصفتهم طرفاً مستقلاً وحليفاً موثوقاً به، ووفروا لهم غطاء جوياً. وكان امتناع إدارة أوباما عن إعلان تأييدها حكماً ذاتياً كردياً، يعكس رغبة في إبقاء عبء مثل هذا القرار على دمشق وحدها. لكن ذلك تغير في عهد ترامب الذي منحهم حماية كاملة وعارض قصف أنقرة مواقعهم أخيراً. هناك إذاً توافق أميركي – روسي – سوري غير معلن على دور الأكراد ومستقبلهم في سورية، حتى أن «وحدات الحماية» قد تكون عنصر تقارب أو يمكنها أن تلعب دور «وسيط» بين إدارة ترامب ونظام الأسد، على رغم التوتر المستجد بينهما، والذي يندرج في إطار التفاوض مع روسيا على التسوية السورية. ومع أن إيران لا تشارك واشنطن وموسكو ودمشق هذا الموقف، إلا أنها لا تفصح عن عدائها له مثل تركيا التي فشل رئيسها أردوغان في إقناع ترامب، خلال لقائهما قبل يومين، بالتخلي عن التعاون مع الأكراد، لأنه لم يقدم له بديلاً منهم، إذ يستحيل على قوات «درع الفرات» المدعومة من أنقرة أن تصل إلى الرقة من دون معارك مسبقة غير محسومة النتائج، سواء من الجنوب حيث يفترض أن تعبر مناطق الجيش النظامي والميليشيات الإيرانية، أو من الشمال، حيث يجب أن تخترق مناطق الأكراد. وإذا كان الأميركيون وعدوا أردوغان بأن «وحدات الحماية» ستخلي الرقة بعد طرد «داعش» وتسلمها إلى «مجلس محلي»، فهذا يعني أن النظام السوري سيستعيد نفوذه عليها. وكانت دمشق سربت أنباء عن أن «قوات سورية الديموقراطية» قررت تسليم سد الطبقة الذي انتزعته من مقاتلي «داعش» إلى «الجهات الحكومية السورية المختصة». ومع أن أردوغان ذهب إلى واشنطن وهو يعرف مسبقاً أن القرار الأميركي بدعم الأكراد نهائي لا عودة عنه، إلا أنه شدد على نقطة الخلاف هذه للحصول على مكاسب في مجالات أخرى، بينها خصوصاً التعاون الاقتصادي، بعدما بدأت أوروبا تغلق أبوابها في وجهه تدريجاً، لابتعاده من معايير حقوق الإنسان.
مشاركة :