المشكلة الأساسية هي العلاقة بين الوهم والحقيقة وأن هناك مساحة واسعة في الوهم تسمح للتوغل في الوعي وفي انعكاساته وهو ما يدعيه البعض بالزمان المستعاد أو ذلك الذي أسماه بروست بالزمان المفقود. حاولت وأنا أستمع أن أبدأ بغواية غير فاسدة لإيجاد منافذ لحلول معقولة بعد أن تقصدت أن يلامس أحد أصابعي الكتاب الذي أمامي، وسَرَهُ أن أقول: أنني أقلُ عمقا لفهمي. وأن الزمن بحاجة لميتافيزيقيا كاملة وأن كل ما يُشاهد لن يكون ظاهرة عامة للذاكرة، ولكي أديم الصلة وجليسي حركتُ أصبعا أخرَ فلامس حافة الطاولة ومن هنا بدأت بــ مورياك وحافة الأفاعي: - كلا .. كلا .. لا ترفع المرساة أيها القبطان القديم. - كلا .. كلا .. كانت شهواتك خانقة تسد عينيك عن النور. ضمن ذلك أدركت بأنا كنا قد بدأنا باستعراضٍ للعمليات الواعية لذلك وجدت أنه لا بد من الفرار نحو التداعيات المزاجية فمررت بطارف أصبعيَ الثالث وقلبتُ قدح الشاي، وكأني بفعلتي هذه أردت ضمان مسير الضوء نحو الغابة المُعتمة لأستطيع من تبني الأفعال اللاواعية لأستعرض اللامتوازن في إيصال جليسي الخطابَ. قال: كان الشكل الفنتازي معيباً ولن أستطع إنجاز ما أراد وعيي بالكامل لكني أستطيع أن أشوه أولاً عنوان (الوليمة) كي أسرد أمام الضيوف قصصا غير معقولة. إستنتجتُ بأنه بدأ يسبقني بخطوات وأنه بدأ بتحريك أصبع آخر له وهذه المرة نحو إتجاهات الذهن. كانت عوارضي النفسية تحاول التصدي لمراكز العقل وتتجاهل المعاني التي تتطور تباعا: - كلا .. أن المهم في ذلك أن أصابعنا مليئة بالغموض ... استعلمت عن الكلمات الشبيهة، وأستعلمَ عن أصابعه التي لم يستخدمها. وجدتُ أن المتناقض أكثر بكثير من المتوافق وهذا ماكنت أسعى إليه لذلك قلت: - أستطع حفظ الكثير من الكلمات حال رحيل الغيوم. حين علمت بأنه لم يخرج أصابعه من جيبيَ بنطاله منذ عشرين عاما، وأن أوهامه كانت تؤدي له واجباته اليومية. إقتنعت أن أضع أصابعي في جيبيَ بنطالي وأعبر الشارعَ تاركا ظهري لمخبز الرغيف الساخن دون أن أعبأ بما يكون عليه جوعي بعد عشرين سنةٍ من الآن، وكل ما يُشاهد لن يكون ظاهرة عامة للذاكرة إن سُميَ الزمان بالمستعاد أو سميَ كما سماه بروست بالزمان المفقود.
مشاركة :