واصل الاقتصاد الألماني نموه بعد كبوة صغيرة أصابته في آذار (مارس) الماضي نتيجة تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية المستمرة. وعلى رغم التشاؤم الذي أبداه خبراء ألمان كثر إزاء استمرار الوضع الجيد، بعد إقرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ضد روسيا، سجَّل معهد البحوث الاقتصادية «إيفو» في ميونيخ في نهاية نيسان (أبريل) الفائت ارتفاع مؤشر النمو الاقتصادي في البلاد نصف نقطة عن الشهر السابق، أي من 110,7 إلى 111,2 نقطة. لكن تقدير المعهد الجديد عن الشهر الجاري والصادر اول من أمس، أظهر تراجعاً في مؤشر توقعات مسؤولي سبعة آلاف شركة ألمانية مستطلعة ليبلغ 110,4 نقطة. وقال رئيسه هانس فرنر زِن إن النتيجة تدل «على أن النمو في ألمانيا وصل إلى حده». واعتبر خبراء آخرون مثل رالف أوملاوف من بنك «هاليبا» أن مراوحة النمو الاقتصادي في البلاد مكانه ستبقى على مستوى عالٍ ولن تتراجع في شكل كبير. وكان مؤشر النمو في مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية «زد إي في» في مانهايم سجّل أواسط الشهر الجاري تراجعاً مفاجئاً من 43,2 إلى 33,1 نقطة. وأعربت غالبية خبراء المال الذين يستطلعهم المعهد شهرياً عن اعتقادها «بأن الأزمة الأوكرانية وآفاق العمل للأشهر الستة المقبلة غير مشجعة». وجاء اعلان المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن خلال الأسبوع الماضي ليشير الى أن الاقتصاد الألماني نما في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 0,8 في المئة لينهي التخوفات التي أثيرت من قبل. وأظهر مقدار النمو القوي الذي تحقق، وقوف ألمانيا على رأس لائحة دول منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي المنتعشة اقتصادياً في الربع الأول من العام الحالي. وإضافة إلى أن نسبة النمو فاقت توقعات الخبراء والمراقبين، فانه يعتبر أيضاً النمو الأقوى الذي يسجله الاقتصاد الألماني منذ ثلاث سنوات. وأوضح مكتب الإحصاء إن ارتفاع الاستثمارات، وزيادة الاستهلاك الداخلي، والطقس المعتدل في البلاد «ساهمت في تحقيق هذا النمو المفاجئ الذي يؤشر لمرحلة انتعاش مقبلة». وتُعتبر روسيا المورِّد الرئيس للغاز إلى أوروبا، وإلى ألمانيا بخاصة. وتخوَّف مسؤولون هنا من أن تردّ موسكو على العقوبات الاقتصادية ضدها بالتوقف عن إرسال الغاز، ووقف العمل بعقود مبرمة مع شركات ألمانية بقيمة عشرات البلايين من اليورو. لكن العقوبات الأوروبية التي اتخذت ضد روسيا لا تزال حتى الآن معتدلة ولم تستدع رداً انتقامياً من موسكو. وعلى رغم أن نقابات أرباب العمل الألمانية وعدت الحكومة الألمانية بالالتزام بقرارات المقاطعة التي تتخذ تباعاً ضد روسيا، إلا أنها لفتت نظر برلين إلى المدى الذي يمكن أن تتضرر فيه مصالح البلاد الاقتصادية في حال اتخاذ عقوبات موجعة ضد موسكو. وأشارت في حينه إلى أن عمل نحو 400 ألف شخص في ألمانيا سيتأثر سلباً. وفي خطوة لها دلالاتها، شارك مسؤولو شركات ألمانية ضخمة مثل «دايملر» و «بي أ اس اف» و «مترو» و «إيون» في الملتقى الاقتصادي السنوي الذي عقد بين 22 و24 من الشهر الجاري في سان بطرسبورغ الروسية حيث ألقى الرئيس فلاديمير بوتين كلمة، الأمر الذي أحرج برلين، بخاصة أن إعلان المشاركة جاء غداة إقرار المستشارة الألمانية أنغيلا مركل وضيفها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قبل أقل من أسبوعين، حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا بسبب الاستفتاء الذي جرى في شرق أوكرانيا لتأييد الانفصال عن البلد. ورأى الخبير في معهد «إيفو»، كلاوس فولرابه، أن الأزمة الأوكرانية «لم تنعكس على الاقتصاد الألماني حتى الآن، لكنها تبقى عنصراً خلفياً»، لافتاً إلى أن تأثيرات الأزمة ساهمت في رفع أسعار المواد الخام مثل النفط والغاز في الأسواق الدولية. وأضاف: «الجميع يعلم بأن الأزمة لم تنته بعد، وتبقى المحذور الأكبر للنمو في منطقة اليورو». وشدد الخبير المالي كريستيان شولتس من مصرف «بيرينبرغ» الألماني على أن الأرقام التي جاءت في مؤشر «إيفو» «تشير إلى أن ألمانيا محصّنة ضد الأزمات أفضل اليوم منه في السابق لأن النمو فيها يتلقى رافداً رئيساً من الداخل». وعلى صعيد الاستثمارات أعلنت مؤسسة «جيرمني تريد اند انفست» الألمانية في تقرير أصدرته أواسط الشهر الجاري، أن ألمانيا تجذب أكثر فأكثر مستثمرين أجانب للانتقال إليها والاستثمار فيها. وأضافت أن عدد المشاريع التي نفذت عام 2013 باستثمارات خارجية، بلغ 992 مشروعاً، بزيادة 16 في المئة عليها عام 2012. وقال الخبير في المؤسسة روبرت هيرمان «منذ بدء الأزمة المالية في أوروبا، يلــعب معيارا المناخ الاجتماعي وضمان الحقوق دوراً كبيراً لدى المســتثمرين»، ملاحــظاً أن ألمانيا قادرة هنا على جمع علامات إضافية إلى جانب بناها التحتية الممتازة وموقعها المناسب في وسط أوروبا. وأشارت المؤسسة الى أن غالبية المستثمرين أتت مجدداً من الولايات المتحدة وموّلت 148 مشروعاً في قطاعات الإنتاج والتوزيع والبحوث والابتكار. وحلّت سويسرا في المرتبة الثانية مع 140 مشروعاً، والصين في المرتبة الثالثة مع 139 مشروعاً، وبريطانيا في المرتبة الرابعة مع 56 مشروعاً. إلى ذلك سجَّل المراقبون تجاوز مؤشر «داكس» في بورصة فرانكفورت صدمة أزمة أوكرانيا وعودته إلى الارتفاع من جديد إلى 9810 نقطة، قبل أن يتراجع قبل أيام ليقفل على 9744 نقطة في نهاية هذا الأسبوع من دون أن يتأثر بتراجع مؤشر «إيفو» الجديد. ولا يزال مراقبون كثر يتوقعون أن يكسر المؤشر حاجز العشرة آلاف نقطة قريباً جداً، بعد أن سجَّلوا بارتياح إشارة رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي الضمنية الى أن مجلس إدارة البنك سيقرر في اجتماعه الشهر المقبل، إعادة تسييل النقد في الأسواق المالية مع خفض الفائدة على اليورو من 0,25 إلى 0,10 في المئة، والعمل على خفض سعر اليورو المرتفع إزاء العملات الأخرى. وانعكست هذه الإشارة على نشاط البورصة فارتفع «مؤشر داكس» وانخفض اليورو من 1,40 إلى 1,37 دولار.
مشاركة :