تحكمنا نحن الصحفيين بعض المعلومات التي تستلزم الرجوع إلى مصادرها الرئيسية لإثبات صحتها قبل نشرها. وبالنسبة لي هذه الصعوبة الوحيدة التي تواجهني أثناء أداء مهامي لن أتحدث بصيغة التعميم عندما يتعلق الأمر بالمسؤولين السعوديين على وجه الخصوص، وسألجأ إلى أسلوب التبعيض، ليكون حديثي في إطار تجاربي الشخصية فقط، فبعض أصحاب المعالي من المسؤولين لا تسمع لهم صوتا، ولا تعرف عنهم إعلاميا إلا الشيء القليل، وهذا يظلمهم، فالابتعاد عن الإعلام يكوّن صورة سلبية عنهم في المجتمع. فمنهم من يعتقد بأن الإعلام شر لا بد من اجتنابه بقدر الإمكان. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على وجود خلل في سياسته وإنتاجية عمله أو وزارته. لذا فإن التجاوب مع الإعلام واجب إلزامي لإطلاع الرأي العام على الحقائق. يجب أن يكون الناس على دراية بالإنجازات والإخفاقات، لإصلاح الخلل أو تعزيز النجاحات، ولا أقصد بذلك أن يتصدر المسؤول أو الوزير الصفحات الأولى في الصحف أو أن يكون ضيفا دائما للقنوات التلفزيونية. بل أن يكون على صلة بقضايا المواطن ويتفاعل مع تساؤلاته المهمة. تحكمنا نحن الصحفيين بعض المعلومات التي تستلزم الرجوع إلى مصادرها الرئيسية لإثبات صحتها قبل نشرها. وبالنسبة لي هذه الصعوبة الوحيدة التي تواجهني أثناء أداء مهامي. فالعمل الذي يمكن إنجازه في أقل من أسبوع، يستغرق أسابيع وربما شهورا، بسبب عدم تجاوب المسؤول. تتم إحالتي على السكرتير أو موظف العلاقات العامة فأدخل معه في دوامة تنتهي بـ«صحيفتكم ليست الصحيفة الوحيدة، هناك العديد من الصحف تنتظر الرد من المسؤول!» ملاحظة: الجواب يأتي بعد شهور من المماطلة.. والخارج دائما مفقود. وأحيانا أخرى يضرب معي الحظ بعد عناء من البحث فأصل إلى المسؤول وأتحدث معه مباشرة، والناتج معروف ردٌ تلقائي «لا يمكنني إفادتك بهذا الموضوع ولا أعلم ما هي الآلية!».. من الذي يعلم إذن، موظف الشاي أم حارس الأمن؟! والأدهى والأمرّ عندما ترجع إلى حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، تجد منهم من يقدم نفسه على أنه مسؤول يتجاوب مع أي استفسار يخص الشأن العام، وأن أبوابه مفتوحة للجميع. وأكبر شاهد على ذلك، متابعة حسابه على تويتر وستجد أول شيء تلاحظه.. خاصية المباشر مغلقة!. ولا يوجد بريد أو موقع للتواصل، وإن وجد فهو كعدمه وضع للديكور فقط! وأختم بذلك الشخص الذي أطلق عليه «مسؤول بلقبه فقط»، عندما صدمني برده حين طلبت منه التأكد من معلومة تخص الشأن الاقتصادي حين قال: «دكتور إذا سمحتِ ولستُ أستاذا!».. حسنا وماذا عن المعلومة يا دكتور؟ لم أتلق ردا منذ ذلك الوقت حتى الآن، اختفى وكأنه لم يخلق. وفي نهاية المطاف ليس بوسع الصحفي سوى تأجيل تلك المادة التي تتطلب ردا من المسؤول إلى أن تصبح في عداد النسيان فتُتلف، وغالبا هذا ما يحدث. أرجُع سبب هذا التناقض في بعضهم إلى عدم الثقة والتردد في الإدلاء بأي تصريح أو معلومة يتحمل مسؤوليتها، إما لسوء إنجازه وتخوفه من أمور غير قانونية، أو لعدم اكتراثه بتعطيل مصالح العامة، ما دامت مصلحته الشخصية تسير وفق المطلوب. فعندما يتجاوب المسؤول مع الصحافة ويواجهها بثقة، وينقل لها أفكاره وآراءه، سيشرك المواطن والإعلام في خطة عمله، وسيبتعد عن دائرة الاتهام التي قد يدخلها فقط بسبب تجاهله للصحافة. ولعل السبب الأول الذي جعلني أكتب هذه المقالة، مجموعة من الأشخاص الذين تعاملت معهم على السبيل الشخصي، مسؤولون أرفع لهم القبعة احتراما. رغم أنهم يعدون على الأصابع، فما لمسته فيهم من التعاون والحرص على أن يوفروا المعلومات المطلوبة في أسرع وقت، أمرٌ يستحق الإشادة. وما زاد من احترامي لهم، دقتهم في المواعيد والاتفاق على موعد محدد حتى إنهم يقدمون اعتذارهم في حال حصل أي تأخير. أخذت إذنا مسبقا بذكر أسمائهم من باب التقدير والامتنان، ولكن رفض الأغلبية «هذا واجبنا نحن لم نسد معروفا لنستحق هذا المديح». الراحل غازي القصيبي - رحمه الله- كان ولا يزال في نظري مثالا يحتذى به في علاقته بالإعلام. حيث كوّن علاقات قوية مع الصحفيين، وفتح لهم الأبواب ليتابعوا كل صغيرة وكبيرة في الوزارات التي تولى مسؤوليتها، وتعامل بذكاء مع الإعلام فصنع من سياسته الإدارية حكاية خالدة.. اعتقدت أن أشباه القصيبي أخذوا شكل الانقراض، ولكنني كنت مخطئة، فبعض المسؤولين يستحقون الثناء على إخلاصهم.
مشاركة :