قلبي أكثر سلامة من قلبك

  • 5/19/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لحظة الولادة تتعالى أصوات صراخنا لانتقالنا انتقالاً تاماً بين عالمين لا تشابه بينهما سوى أن فرداً واحداً كان عاملاً مشتركاً بينهما، حتى وإن اختلف مظهر ذاك العامل بين العالمين، فالأم لا نعرف عنها في العالم الأول سوى أننا نتكور وندور حول أنفسنا داخلها، تمدنا بحصة غذائية يومية ونقايضها نحن بين حين وآخر بركلة أو وكزة أو ضعف وألم، وحين يدق وقت انفصال الجسدين نراها بصورة مختلفة تماماً، بشر كأي بشر، الفارق أننا عشنا بداخلها، ولم نحسن السُّكنى. ما بال ذاك البشر تختلط ابتسامته بدموع عند حملنا للمرة الأولى! قشعريرة تسري في جسدنا نحن في اللحظة ذاتها، دقات القلب تتضارب هي الأخرى عند سماع صوتها، لا شيء في الذاكرة يوحي بعلاقة تربطنا بتلك اللمسة أو ذاك الصوت مسبقاً، لكن الأمر جرى على هذا النحو. يقولون إن كل تلك القشعريرة نوع من أنواع الشعور.. الشعور، الكلمة التي لا تفسير واضح يستطيع شرحها، يُطلق على كل ما "نشعر" به لا أعرف حتى بماذا يمكنني استبدال تلك الكلمة حتى أصف ما بداخلي وأوصل الفكرة لا شيء يخطر على بالي غيرها ليفي بالغرض. على الأغلب هي شيءٌ نسبي يراها البعض تصف البواعث النفسية ويراها البعض منجى من الكثير من الأسئلة التي لا جواب لها أو بشكل أدق لا نريد جوابها، والبعض الآخر يستخدمها بشكل آخر يميل إلى جذب الأنظار أو شحذ التعاطف والجميع يتفق في النهاية على ألا يتفقوا على تعريف موحد لها.مثلاً كلمة "أذى".. جزءٌ منا أول ما يتبادر إلى ذهنه عند رؤيتها، جُرح حقيقي، دمٌ ينزف، شخص يتوجع، وجزءٌ آخر يراها بشكل معنوي أكثر، كلمة جارحة أو التسبب في موقف مخجل لشخص ما، فربما قدمنا إلى الحياة لم نؤذِ أحداً.. أجل ربما فإن كنا نميل إلى أن الأذى بشكل معنوي فعلى العكس نحن من تهمة الأذى براء! أضفنا فرداً إلى أسرة وأدخلنا سعادة على قلوب وجددنا عهد محبة بين زوجين، أما إن كنا نميل إلى الجانب المادي الذي يقنع بما يراه أمامه فقط دون عاطفة.. فالتهمة تشملنا من رأسنا إلى أخمص قدمنا.. فأي ألمٍ ذاك قد ألحقناه بالمسكينة الممدة طريحة الفراش من شدة الوجع فلم نكتفِ فقط بكل ما فعلناه طيلة تسعة أشهر من ركل وغيره بل زدنا عليه من الألم..الكثير. كوننا نميل إلى هذا القسم من البشر أو ذاك لا يزيد من أحدنا أو يُنقص من قدر الآخر في شيء، فكلها نتاج تجارب حياتية من الطبيعي أن تختلف بين بعضنا البعض، لكننا كمجتمع ما زلنا نتحسس ممن يخالفنا في رأي فما بالك بمن يخالفنا في شعور كل منا يجزم أن قلبه هو الوحيد الصالح الصادق بما يشعر فأنّى لغيره أن يشعر بما يخالفه! لم نصل يوماً إلى نقطة اتفاق حول شعور معين وإلا لنعمنا بحياة سلسة رغيدة تبعد عن الجدال في شيء بسيط كالشعور ولن نصل، فمقياس الأسبقية والرغبة في إثبات سداد الرأي ووجهة النظر ستظل حائلاً دون ذلك. ربما يعجبك مظهر أحدهم وسلاسة حديثه ولباقته وحُسن مظهره فتربط عقلك بما تراه عينك فتشعر أنه ابن صالح وصديق مخلص وزوجٌ حنون يعتني بأهل بيته في أدق تفاصيلهم كما يعتني بمظهره وترى آخر ملابسه رثة يظهر عليه الفقر يتخذ من ناصية الطريق قبيل الفجر مجلساً ويضع كفه على وجنته بصمت، فتقسم أنك تكاد تشعر بتواكله من مجلسك هذا، وأنه مجرد كسول يأبى الكد والسعي، في حين أن أحداً غيرك مر من أمام الاثنين ودقق قليلاً فوجد الأول يقف بغرور يرمي بنظرة كبرٍ على هذا وذاك، فشعر ناحيته بنفور، ورأى الآخر يتخذ من حجر على ناصية الطريق ملاذاً ينتظر عليه مرور أحدهم؛ ليسوق إليه عملاً يكسب منه قوت يومه، فكيف لمن في حالة تلك أن يظل محتفظاً بخاتم زواجه الفضي في يده يتحسسه بين الفنية والأخرى أن يكون متواكلاً يجلس بكسل لا يخشى على أهل بيته الجوع. كلاهما رأى بعين نشأته وخبرته الحياتية وكلاهما موقنٌ بصدقه، وكلاهما سيظل على خلافٍ دائم على من قلبه أكثر سلامة وصدقاً من الآخر، ويبقى الشعور آنفاً أن يخبر عن نفسه وعن ماهيته ما دمنا أحياء وهو ذاك الشيء البسيط الذي لا تعريف له.. فعلى الأقل نتخذ من الرفق باختلافنا الشيء اليسير فلا أحد منا يعرف عن خبرة الآخر ولا ما قاساه شيئاً.. رِفقاً. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :