ليبيا : حفتر يعلن الحرب على مليشيات «القاعدة» و«الإخوان»

  • 5/26/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أكثر من 80 قتيلاً وعشرات الجرحى سقطوا في اشتباكات دامية في بنغازي مهد الثورة الشعبية التي انتهت بسقوط ديكتاتورية معمر القذافي بين قوات موالية للواء خليفة حفتر ومليشيات محسوبة على التيارات الإسلامية فيما يعد تصعيداً جديداً للتوترات التي تشهدها ليبيا منذ سقوط القذافي قبل 3 سنوات وأعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي حظر الطيران فوق مدينة بنغازي وضواحيها حتى إشعار آخر، وهددت في بيان لها بأنه سيجري استهداف أي طائرات عسكرية فوق المدينة وضواحيها من قبل وحدات الجيش الليبي والوحدات التابعة للغرفة الأمنية المشتركة وتشكيلات الثوار التابعة لها. ويأتي هذا التهديد محاولة لكبح جماح عدد من الطيارين الموالين لحفتر والذين قاموا أولا بطلعات جوية وقصف بعض مواقع تابعة لميليشيات إسلامية مسلحة، من دون الحصول على إذن رسمي من رئاسة الأركان مما يدل على الفوضى العارمة في أجهزة الدولة الليبية، لكن مصادر مقربة من حفتر تزعم أن هناك انقساما كبيرا في صفوف القوات الحكومية والنظامية وأكدت أن الولاء الحقيقي لغالبية قيادات الجيش الوطني في مدينة بنغازي لم يعد لصالح السلطات المركزية في العاصمة طرابلس، موضحة أن هذا يفسر دعوة رئيس الأركان عبد السلام العبيدي للثوار والأهالي في المدينة وليس قوات الجيش للتصدي لقوات حفتر الذي أطلق على عمليته اسم «عملية الكرامة» لتطهير بنغازي من الإرهابيين. وسرعان ما اتضح أن عملية الكرامة لا تقتصر على بنغازي وأنها عملية منسقة إذ اقتحمت مجموعات مسلحة موالية لحفتر مقر البرلمان في العاصمة طرابلس وشنت هجوماً على مقر الحكومة. وبينما أعلن رئيس البرلمان نوري أبو سهمي أن ما يجري في ليبيا انقلاب عسكري ودعا ما يعرف بقوة ردع ليبيا الوسطى التي تتكون في الغالب من مقاتلين محسوبين على التيارات الإسلامية للدفاع عن العاصمة. كما فاجأ رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني المراقبين بإطلاق مبادرة من 10 نقاط تشمل تعليق أعمال البرلمان الحالى حتى إجراء انتخابات عامة على أن تستمر الحكومة الحالية في تصريف الأعمال. ومع انضمام ألوية وقواعد جوية إلى الجنرال حفتر فإنه يمكن القول إن المؤسسة العسكرية قد باتت منقسمة وأن الأوضاع تتجه إلى مواجهة حتمية وشاملة بين حفتر وأنصاره من جهة والمليشيات التي يتهمها حفتر بأنها مجاميع إرهابية مرتبطة بالقاعدة وليست هذه هي المرة الأولى التي يقود فيها اللواء حفتر تمرداً على الحكومة المركزية في طرابلس وهو ينحدر من مناطق شرق ليبيا وعارض نظام القذافي وهرب للولايات المتحدة وعاش هناك لأكثر من 20 عاماً قبل أن يظهر مع بداية تدخل حلف الناتو في ليبيا، ويتهم كثيرون حفتر بأنه يتلقى الدعم والتمويل من أجهزة أمريكية. وأحداث طرابلس الأخيرة وحالة العجز والشلل في أجهزة الدولة وعجزها عن السيطرة على معظم مناطق ليبيا أعاد هذا البلد الغني بالنفط إلى دائرة الاهتمام الدولي فالتقارير الدبلوماسية والاستخبارية الواردة من طرابلس تشير بوضوح إلى خطورة الأوضاع في ليبيا والغموض الذي يكتنف مستقبلها وتراقب الدول المجاورة لليبيا والقوي الدولية عن كثب التطورات الجارية خوفاً من أن تنحدر ليبيا إلى حالة من الفوضى الشاملة التي توفر بيئة مناسبة للمنظمات الإرهابية والإجرامية. تركة ثقيلة إن ما يجري في ليبيا اليوم هو في الواقع جزء من تركة حكم القذافي الذي لم يترك دولة ولم يكن يدير البلاد بحكومة ومؤسسات وقوانين. بل جعل الشعب الليبي في حالة فوضى وغموض مجهول طيلة أكثر من أربعة عقود.. وقد جعل كل ذلك الليبيين يتحملون هذه الآثار والانعكاسات السيئة على حياتهم، وقد تركت حرب «الناتو» التي ساعدت في القضاء على القذافي ونظامه الحديدي، البلاد في حالة خراب في غالب المناطق والمرافق الليبية.. وزاد هذا المشهد المحزن سوداوية ودموية أن ترسانات ومخازن الأسلحة التي تركتها مؤسسة القذافي العسكرية تمت السيطرة على كميات كبيرة منها بواسطة مجموعات متضاربة من الميليشيات المسلحة والقبائل وعصابات التهريب وهي التي تتحكم الآن في 22 مليون قطعة سلاح من مختلف الأنواع ولا تخضع لسلطة سياسية حكومية مركزية.. ولا تتوقف عمليات التقاتل والصراعات الدموية بين هذه الميليشيات.. وفشلت كل المحاولات التي قامت بها الحكومات المؤقتة المتعاقبة بعد تكوين مجلس وطني مؤقت (برلمان) من أحزاب متناحرة في فرض النظام وجمع السلاح المنتشر بين الميليشيات والمواطنين وإقامة جيش وشرطة قويين تحت حكومة قوية تسيطر على الأوضاع في البلاد.. ففي فترة وجيزة تشكلت عدة حكومات، أولها لمحمود جبريل، وآخرها لعبدالله الثني ثم رشح لرئاسة الحكومة رجل الأعمال الليبي أحمد معيتيق الذي قد يكون مصيره مثل سابقيه الذين عجزوا واستسلموا للأمر الواقع وغادروا ليبيا نهائياً.. وقد صرح علي زيدان رئيس الحكومة الليبية الأسبق الذي عزلته بعض الأطراف الحزبية المنتفذة في البرلمان الليبي ونجح في الهروب إلى ألمانيا بـ «أنه لا يوجد حتى الآن كيان الدولة في ليبيا».. وأوضح «أن تنظيم القاعدة تسلل إلى ليبيا منذ بداية أزمة 17 فبرير 2011م». وقد أعلنت الجماعات المسلحة التي تسيطر على كافة المرافئ النفطية في المناطق الشرقية الليبية أنها ترفض التعامل مع رئيس الحكومة الجديد أحمد معيتيق وتعتبر أنه «جاء إلى السلطة بطريقة غير قانونية».. وأمام عجز الحكومة والجيش عن فرض نفوذهما في البلاد تزداد الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية سوءاً وتدهوراً بسبب تفاقم الاقتتال الداخلي وتوسع قوة الميليشات والحركات الدينية المتطرفة والمتشددة المرتبطة بتنظيم «القاعدة» التي أخضعت مناطق كثيرة في شرق ليبيا تحت هيمنتها في مقدمتها مدينة «درنة» التي أصبحت، حسب أقوال القادمين من ليبيا، المركز الرئيسي والملجأ للجماعات المسلحة التكفيرية الليبية والمصرية والتونسية والجزائرية وغيرها، ووفق بعض المصادر فإن عمليات سيطرة هذه الجماعات على آبار النفط ومرافئ التصدير أدت إلى خفض إنتاج ليبيا إلى 250 ألف برميل يومياً بعدما كان 1.4 مليون برميل يومياً في فصل الصيف.. وقد نتج عن ذلك تقويض موارد الأموال العمومية نهائياً التي تعتمد بالكامل على النفط الخام، مما جعل البرلمان يفشل في وضع ميزانية للبلاد في السنة الحالية. تسيب وانفلات في هذه الظروف الخطيرة ازداد التسيب والانفلات الأمني وأصبح السلاح في كل بيت بيد كل مواطن، وعم الخوف، واقفرت الشوارع في الليل إلا من مركبات المسلحين المدججة بالأسلحة حتى أن المواطنين لا يخرجون من منازلهم بعد الثامنة مساء وفق شهادات شهود عيان عادوا مؤخراً من طرابلس إلى تونس. وإلى جانب ذلك ارتفعت أعمال العنف والاغتيالات وعمليات السيارات المفخخة في العديد من المدن والمناطق الليبية التي تستهدف العسكريين والأمنيين والقضاة.. كما تكررت عمليات خطف الدبلوماسيين العرب والأجانب وآخر من تم اختطافهم دبلوماسيان تونسيان يعملان في سفارة تونس بطرابلس، وما زال مصيرهما مجهولا إلى الآن منذ أكثر من شهر. و يتحدث المراقبون عن تحالف شيطاني بين الإرهاب والتهريب ويقولون إن ليبيا تحولت إلى مصدر أخطار كبرى على أمن الدول المجاورة واستقرارها وخاصة تونس والجزائر ومصر ومالي.. التي تضررت كثيراً من السلاح المهرب إلى هذه الدول عبر الحدود من ليبيا ومن معسكرات التدريب داخل الأراضي الليبية التي تستقطب جماعات متشددة من المغرب العربي وقيادات لها تصفها مصادر استخباراتية أمريكية وبريطانية وفرنسية وإيطالية - وفق تقارير صحفية غربية - بأنها «مصنفة ضمن قائمة أخطر الإرهابيين المطلوبين دولياً والمشتبه بعلاقاتهم بالإرهاب». وهذا ما جعل الدول الغربية تتحرك لحماية مصالحها النفطية في ليبيا والاستراتيجية في حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا بعد ما تأكدت حكومات الغرب، كما جاء في العديد من التقارير، من أن «سلطة الدولة في ليبيا فقدت السيطرة على 75 في المائة من البلاد لصالح التنظيمات الإرهابية والمسلحة».. وفي الواقع من المبالغة القول إن هناك «سلطة دولة» في ليبيا. وفي ضوء ذلك، ومع تزايد خطر الإرهاب في المغرب العربي تتحدث مصادر إعلامية عن أنه يجري العمل لتشكيل قيادة عسكرية مشتركة جزائرية تونسية ليبية لملاحقة الجماعات المسلحة وخاصة منها المرتبطة بـ «القاعدة»، في إطار تطوير التعاون العسكري والأمني بين دول المنطقة. «الناتو» يراقب وفي أثناء ذلك تراقب دول حلف الأطلسي «الناتو» ما يجري في ليبا بحذر وبعناية فائقة وخاصة بعد مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيغنز في بنغازي وثلاثة أمريكيين آخرين ولا يستبعد الملاحظون عملية عسكرية أمريكية كبرى في ليبيا يجيزها «الكونجرس» تعتمد أساساً على القصف الجوي والغزو البري انتقاماً للدبلوماسيين الأمريكيين ولوضع حد للإرهاب والإرهابيين الذين حولوا الأراضي الليبية إلى مراكز تدريب وانطلاق.. وعلى هذا الأساس، قال النائب الجمهوري عن كاليفورنيا دونكان هنتر إن تشريعاً جديداً سيصدر قريباً أو ربما صدر - عن «الكونجرس» ليمهد الطريق للقوات الأمريكية لتحقيق ذلك.. لكن الأمر مسألة وقت. وبالتوازي أكدت مصادر فرنسية في باريس أن فرنسا تعتزم نشر ثلاثة آلاف جندي حول ليبيا لمواجهة الفوضي وغياب الدولة في الجنوب الليبي.. وسيتم هذا الانتشار العسكري الفرنسي في أربعة مواقع رئيسية في شمال مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد. إذن، تشير الوقائع إلى أن ضربة أمريكية فرنسية وشيكة تستهدف مواقع المجموعات المسلحة في ليبيا يبدو أنه يجري الإعداد لها، لكن من الأكيد أن صيف ليبيا القادم سيكون حاراً أكثر من العادة على جميع الجبهات. إلى أين تتجه ليبيا؟ وكيف سيكون مستقبلها السياسي؟ إن ما يجري على الميدان من تفجيرات متصاعدة وقتل ممنهج وتدمير وتخريب يعمق ضبابية المشهد السياسي الليبي الذي يسير نحو المجهول وإلى مزيد من الغموض والتعقيد.. والخاسر الأول هو المواطن العادي الذي يعاني مأساوية ما آلت إليه الأوضاع في بلاده.. وهي أوضاع تهدد ليبيا بتقسيمها إلى ثلاث مناطق منفصلة أو ثلاث دويلات، هي «برقة» في الشرق، و«فزان» في الجنوب، و«طرابلس الغرب» في الغرب، وهو نفس التقسيم الجغرافي والسياسي الذي كان سائداً عندما كانت ليبيا تحت الاحتلال العسكري البريطاني والإيطالي. وقد ظهرت دعوات مختلفة من أجل إنقاذ ليبيا، من بينها دعوة إلى الاستنجاد بقوات دولية وعربية لمجابهة الميليشيات المسلحة، ودعوة صادرة عن عدد من كبار المسؤولين في الجهاز الحكومي الليبي الذين يطالبون بضرورة عودة النظام الملكي الذي اعتبروه حلاً ناجعاً للأزمة الليبية، ويرون أن «عودة الملكية السنوسية تمثل الحل والضمان لعودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، ومن أجل ذلك جرت وتجري اتصالات بين وجهاء وقيادات القبائل الليبية مع حفيد الملك السنوسي إدريس الراحل، الأمير محمد الذي يقيم حالياً في الخارج. وما يزيد المشهد السياسي الليبي تعقيداً أن بقايا نظام القذافي السابق ما زال لهم حضور في بعض المناطق والقبائل.

مشاركة :