هواية الثقافة وهوية الأدب - عبده الأسمري

  • 5/20/2017
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن بائع الكتب الجائل في الدولة الأموية والعباسية وحتى في دول أوروبا خلال القرن الماضي بحاجة الى تسويق لكتبه المهترئة او لمجلداته القديمة، ولكنه كان هدفا للباحثين وراء الثقافة واللاهثين نحو الأدب ..حتى يومنا الحاضر لا تزال هنالك مجتمعات تقدس الكتاب وتهتم بالادب، وهنالك تصنيف ذاتي يفرق بين الثقافة كهواية جميلة مباحة متاحة امام كل من تعلم بالقلم وقرأ بالجوارح، وبين الأدب كتخصص واحتراف له هويته الخاصة والدقيقة في تخريج الشعراء والروائيين والقاصين والنقاد والفلاسفة وغيرهم من عمق التخصص ومن بيئة جمعت الموهبة بالتعلم والمهارة بالانتاج .. تظل الثقافة بشتى انواعها وتنوعها ومدها وجزرها وصراعاتها وبيئاتها وتفاصيلها هواية ومن أجمل وأنبل وأمثل انواع الهوايات التي تطور عقلية الانسان وتجدد فكره وتصقل موهبته وتحسن مزاجه وتنمي مهاراته وتبلور سلوكه بينما يظل الأدب تحليلا ونتيجة وهدفا مفترضا للثقافة، سواء من خلال ممارسة الثقافة قولا وفعلا وعملا قراءة وتحليلا وبحثا او دمج الثقافة لتكون بيئة تصفي «الموهبة « او كيان تدريبي يصطفي التميز فينقله من التعلم الى الاحتراف. لدينا مشكلة أزلية تتعلق بكينونة الثقافة وكيان الأدب .فاختلط المفهوم بين لاهث وراء المعرفة وتغذية العقل وبين بارع يعاقر الكتب ليرضي غرور موهبة ملأت قلبه وعقله حتى أصبح مبدعا وبات مساره الأدبي بالنسبة له أسلوب عيش وسلوك حياة وطموح شخصية. لم تكن الثقافة في يوم ما تلقنه مدارس التعليم العام ولا ما حفظه المثقف من نصوص شعرية او عبارات حكمة او سلاسة اسلوب وانما الثقافة هي بيئة تفاعلية تعيش بين الدافع الذاتي والتغذية المرتدة لها فصولها ومراحلها وتفاصيلها بحثا عن المعلومة ولهثا خلف القراءة التي لا تتوقف وملاحقة لاشباع اهداف نفسية واجتماعية ومعرفية ليس لها حدود من الزمان ولا المكان ولا المنتج وهنالك من يسير في هذا الدرب طويلا فيكتشف ضالة هوايته وقد تتحول هذه الهواية ذات يوم الى هوية أدبية عندما تبدأ معالم الابداع في الظهور وملامح الفن الثقافي تتبلور في هيئة انتاج ثقافي ملموس ..في هذه الاثناء قد يتحول المثقف الى أديب متخصص لاسباب عدة تتمثل في خطة ذاتية استراتيجية في تتبع منابع الثقافة لينهل منها وعندما تتغذى العقول بالاشباع المعرفي والامتاع الإبداعي فانها قد تتحول الى مشروع مستقبلي فاخر، اضافة الى صقل مهارة وموهبة ثابتة ساكنة كانت تنتظر فوضى عارمة من الصراع للبحث عن الذات كي تعيد ترتيبها فتحولها الى منتج فريد، وهنالك من وضع هدف الأدب على ناصية مقربة وحلم لا مناص منه فجادت عليه الثقافة وتعانقت مع ميوله واتجاهاته فحولته من مثقف هاو الى أديب محترف. واراهن أن كان هنالك أديبا قد خرج بالفطرة ولكن الموهبة هي الأساس الاول وعندما تظهر باكرا فانها ستسير بخطى ثابتة اذا ما صقلت واشبعت بالثقافة فان هذه الخطوات ستتحول من ثابتة الى واثبه نحو التميز ولو حللنا اسماء أدباء كبار لوجدنا تفاصيل ترابط ثالوث الموهبة مع الثقافة مع الهدف السامي من تحول الثقافة الى ادب منتج ملموس . بين هواية الثقافة وهوية الأدب مجالات من الترابط والارتباط أساسة المهارة وتفاصيلة الدافعية ومن سار في درب توظيف المهارات وحشد كل ادوات التعلم ونمو الدافعية واستغلال المواهب وإشباع الذات اشباعا حقيقيا بوجبات ثقافية دسمة وغذى روحه وعقله بحجم ثقافي يتواءم مع الطموح فانه سيجني ثمار الثقافة ادبا يانعا وسيتمخض الدافع الى انتاج ادبي يؤتي أكله من التخصص في احد فنون الأدب.

مشاركة :