العروبة.. الهوية الشائكة 6 - سهام القحطاني

  • 5/20/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

هل الهوية العربية طاردة للآخر؟ وقبل الإجابة على السؤال السابق علينا أن نتوقف عند مفهوم الآخر عند العربي. ويمكن تحديد مستويين تاريخيين لدلالة مفهوم الآخر عند العربي، مفهوم يتعلق بالتاريخ الجاهلي أو فترة ما قبل الإسلام، ومفهوم مختص بالتاريخ الإسلامي أو فترة ما بعد الإسلام، والمفهوم هاهنا بالتقادم تعددت دلالاته التي صٌنفت عرقيا تارة وطائفية دينية تارة وفكرية تارة ثالثة. ودلالة الآخر عند العربي قبل الإسلام كانت مرتبطة بمحورين؛ المحور الأول طبيعة البيئة العربية التي لا يمكن تجاهلها في مسألة الآخر، ويمكن تقسيم تلك الطبيعة إلى قسمين، العربي الصحراوي، والعربي المدني-سكّان المدن-مثل مكة والطائف والمدينة. نشأ العربي في بيئة صحراوية، وتتصف البيئة الصحراوية بطبيعتها بالرؤية الأحادية والثنائية الحادة والثابتة؛ فهي شديدة الحرارة أو شديدة البرودة، وهذه الخاصية أجبرته على عدم الاستقرار المكاني والتنقل، والتنقل المستمر غالبا ما يُنتج حالة من «الخوف من كل غريب»، هذا الخوف الذي ربط بين ثلاثية الآخر والغريب والخوف، وهي ثلاثية دفعت العربي إلى الالتفاف حول وسطه المعلوم بالقربى أو المجاورة واتخاذ موقف محمي بالعدائية من الآخر. وحتى بعد الإسلام لم يتغير وعيه نحو هذه المسألة؛ مسألة الهوية ومبدأ المسار الأممي وهذه الحالة العقلية للوعي الجامد للعربي البدوي التي لم تتجاوز السطح والمظهر أوضحها الخطاب القرآني «قالت الأعراب آمنّا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم»-الحجرات 13- أما العربي المستقر أو المدني، فمهوم الآخر كان يميل إلى المفهوم الوظيفي، فالعبيد والرقيق كانوا يمثلون آخر، كما أن المرأة كانت تمثل آخرا. «وهذه مسألة يتوسع فيها الحديث». فالهوية العربية قبل الإسلام كانت محمية من أي اندماج حضاري مع الآخر، ومما أسهم في نشأة تلك المحمية، غياب أي حضارة عند العرب، فندرة التعليم والعلّم كموجهين لتطوير الوعي كثّف من تلك المحمية، ولم يستطع العرب تحصيل أي فائدة حضارية في هذا المسار من رحلاتهم الشتائية والصيفية لمناطق الثقافات الأخرى، بل على العكس كان اطلاعهم على تلك الثقافات يوثّق تلك المحمية ويشدّ من إغلاقها. إضافة إلى الخاصية الاستهلاكية للعرب، فلم يكن المجتمع العربي مجتمعا منتجا سواء اقتصاديا أو حضاريا لجلب استثمارات حضارية لتوطين ثقافة الآخر، وهو ما أحاطه بدائرة عازلة، وساعد التطرف التعصبي للعربي ووجدانيته الفكرية في توسيع تلك العازلية، التي كانت بمثابة طرد لأي آخر حضاري أو ثقافي أو تشاركي. والمحور الثاني متعلق بثلاثة معايير هي؛ العرق واللغة والقربى، وبذلك «فكل آخر» هو «المختلف عرقا ولغة»، ونجد أن مسألة العقيدة ها هنا لا تمثل «قيمة حاكمة» لتصنيف الآخر قبل الإسلام، فكان العربي المشرك والمسيحي واليهودي ذات هوية عربية واحدة، لا تفرق العقيدة هويتهم. وبعد الإسلام ارتبطت القيمة الحاكمة لتصنيف الآخر «بالعقيدة» «مسلم وغير مسلم» وفق الخطاب القرآني، وهذا التصنيف كان يطبق حتى على أولي القربى، فكان الأب أو الأخ أو الابن يصبح آخرا بمجرد إنكاره للإسلام وعدم الدخول فيه. «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون»-التوبة 23- وبذلك أصبحت الأخوة في الإسلام والقربى مرتبطة بالعقيدة ولو كان المسلم مختلفا عرقا أو لغة. وهذه الدلالة الحاكمة لقيمة تصنيف الآخر هي التي انبنى عليها أساس الهوية الأممية في المجتمع الإسلامي. والمسألة المهمة ها هنا المتعلقة بقاعدة التصنيف هي أن القيمة الحاكمة لتصنيف الآخر في الإسلام، ليست قانونا «تمييزيا أو عنصريا» ضد آخر وليست «وسيلة تحريضية» على كراهية وعدائية الآخر، لأن الأصل كما أوضحه الخطاب القرآني هو «الاختلاف» بين البشر وليست الأحادية، كما أن احترام عقيدة الآخر مذكورة في نهاية سورة البقرة. أما محاربة الآخر المختلف عقيدة فليست في الإسلام واجبا ولا ضرورة ولا قيمة جهادية كما يروّج لها المتطرفون، إلا في حالة واحدة «حالة الاعتداء»، وخارج تلك الحالة أمر الإسلام بالقسط والعدل والسلام والتعايش والمواطنة المشتركة بين المسلم وغير المسلم «الآخر»، وبذلك يُصبح الإسلام دين جاذب لكل آخر ولاستثماراته الحضارية. لكل ما حدث فيما بعد من اضطراب تلك القيمة الحاكمة لتصنيف الآخر في وعي العربي المسلم نحو الآخر يمكن إعادته إلى سببين هما؛ الأنظمة السياسية التي حكمت المسلمين بدءا من النظام الأموي مرورا بالنظام العباسي وأنظمة الدول المتتابعة، ليتقاسم حكم المجتمع الإسلامي خليفة سنيّ وآخر شيعي، في تفكك واضح لأصل وحدة الهوية الإسلامية. أما السبب الآخر، فهو التطرف الديني الذي شاع في أوساط الحجاز ثم بقية الدولة الإسلامية، نتيجة شيوع النظريات الكلامية والجدلية وفلسفات الفكر الديني، والتي نُسبت إلى المسلمين من غير العرق العربي. وهذان السببان هما من قسم الهوية الإسلامية الأممية قديما، ما بين العرق والطائفية الدينية والتيارات الفكرية.

مشاركة :