تسعى الجمعيات الخيرية لأداء الدور المنوط بها في سد عوز المحتاجين من الفقراء والمساكين الذين يعتمدون بشكلٍ كبير على ما تُقدّمه لهم للوفاء باحتياجاتهم الضرورية، وتلعب هذه الجمعيات دور الوسيط بين المتبرعين من جهة وهؤلاء المستفيدين من جهةٍ أُخرى، بيد أنَّ هذه العلاقة غير المباشرة التي تربط المتبرع بالمستفيد لا تُحدّد إلاَّ عبر هذه الجمعيات، إذ أنَّ كثيرا من الجمعيات ترفض تسريب المعلومات الخاصة بالمستفيدين، في الوقت الذي يرفض فيه كثير من المتبرعين الإفصاح عن أيّ معلومات تُشير إلى هُويَّاتهم الشخصية، ورغم إنَّه يظل من الضروري أن تبقى معلومات المستفيد في إطار من الكتمان والخصوصية المطلقة، ليس على صعيد فئة الذكور فحسب، بل حتى على مستوى الإناث؛ لكي لا تحدث أيّ تجاوزات أو إضرار بالمستفيدين على الصعيدين النفسي والاجتماعي. ورغم هذا الدور الذي تؤديه هذه الجمعيات، إلاَّ أنَّه من المهم أن يتحوَّل هذا الدور من مجرد عمل خيري إلى عمل مؤسسي يضم العديد من الأنشطة والفعاليات التي يتم تفعيلها بشكل إيجابي، سواءً في ما يتعلَّق بالمتبرع أو المستفيد دون المساس بالمعلومات والبيانات الشخصية لكلا الطرفين، فهل يوجد هناك جمعيات تعمل على إفشاء وتسريب المعلومات والبيانات الشخصية الخاصة بالمستفيدين بهدف زيادة مُعدَّل التبرّعات التي تتلقَّاها من المتبرعين؟ وهل يحق للمتبرع أن يحصل على هذه المعلومات ليطمئن على وصول تبرّعه لمن يستحقه بالفعل؟ الوكيل المؤتمن وقال "د. إبراهيم الحيدري" -أكاديمي متخصص في العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية-: "إنَّ حقوق المستفيدين من أهم المواضيع التي ينبغي أن تشغل اهتمام العاملين في الجمعيات الخيرية وأصحاب القرار المعنيين بالأمر، فحاجة الفرد للمساعدة ينبغي أن لا تهدر خصوصيته، لا سيَّما إذا كان الكشف عن بياناته سينعكس عليه بشكلٍ سلبي، فالأقل مالاً ليس أقل خصوصية"، مضيفاً أنَّ ظروف الحياة الحالية والتباعد الاقتصادي والاجتماعي الحاصل بين المقتدرين والمحتاجين جعل الجمعيات الخيرية تؤدي اليوم دور الوكيل المؤتمن للمستفيدين أمام المجتمع. وأضاف أنَّ هذه المسؤولية تحتِّم على هذه الجمعيات استشعار مستوى الثقة العالية التي منحها المحتاج لها عبر إفصاحه عن بعض المعلومات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة به، موضحاً أنَّهم يهدفون من وراء ذلك إلى إثبات حاجتهم وأحقيّتهم بالحصول على المساعدات التي تقدمها هذه الجمعيات لهم، داعياً القائمين على هذه الجمعيات إلى إيجاد نظام مُحكم للمحافظة على تلك المعلومات، مشيراً إلى أنَّه في المقابل فإنَّ بعض المتبرعين يرغبون أن يمارسوا العمل الخيري بأنفسهم عبر تقديم هذه التبرعات إلى المستفيدين بشكل مباشر؛ بهدف الاطمئنان على وصولها إلى مستحقيها. وأشار إلى أنَّ بعض المتبرعين قد يهدف أيضاً إلى الاستمتاع بممارسة العمل الخيري؛ ممَّا قد يُعرِّض خصوصية المستفيد للخطر، وربما استخدام هذه الخصوصية بطريقة خاطئة، مضيفاً أنَّ ذلك نادر الحدوث في بيئتنا المحلية - ولله الحمد-، موضحاً أنَّ إمكانية كشف الجمعيات الخيرية للمعلومات الخاصة بالمستفيدين وتقديمها للمتبرعين يعتمد على ثلاثة عوامل، هي: مدى ثقة الجمعية الخيرية بالمتبرع، ومدى جدوى التواصل المباشر بين المتبرع والمستفيد، وأخيراً - وهو الأهم - مدى قبول المستفيد لذلك. وشدَّد على أهمية أن يكون هذا الكشف في أضيق الحدود؛ وذلك لجملةٍ من الأسباب، وأهمها: أنَّ معرفة الجمعية الخيرية بالمتبرعين تُعدُّ محدودة، وبالتالي فإنَّ ثقتها بهم هي مثار تساؤل، إلى جانب أنَّ الجمعيات الخيرية ينبغي أن تتوجه للأعمال الأكثر فائدة للمستفيد والأطول استدامة عبر بناء قدراته وتمكينه من أسباب تغيير حالته من محتاج إلى مستغن، مبيِّناً أنَّ ذلك لن يتم عبر مواجهة المتبرع بالمستفيد، لافتاً إلى أنَّ ذلك من شأنه أن يُعزِّز من اعتماد المستفيد على طرف آخر بدلاً من الاعتماد على نفسه. تجربة التطوّع ولفت "د. الحيدري" إلى أنَّ المنطقة العربية بشكل عام والمملكة بشكل خاص تعيش حراكاً قويَّاً ونشاطاً لافتاً في مجال التطوع، الأمر الذي نتج عنه زيادة أعداد الأفراد الراغبين في تجربة التطوع يوماً بعد آخر، خاصةً بين أوساط الشباب والفتيات على حدٍ سواء، مضيفاً أنَّ ذلك مما يُثلج الصدر ويشير إلى مستقبل واعدٍ للعمل التطوعي -بإذن الله-، موضحاً أنَّ بعض الدراسات أشارت إلى أنَّ شريحة الشباب العربي -ومنهم السعودي- يُعدون أكثر اهتماماً بمشكلات المجتمع وأكثر رغبةً في حلّها من الجيل الأكبر منهم سنَّاً. وأكد على أنَّ التطوّع ينقسم عادةً إلى نوعين، هما: التطوع المُنظَّم والتطوع غير المنظم، موضحاً أنَّ التطوع المُنظم يتم من خلال المنظمات الخيرية، في حين تتم ممارسة التطوع غير المنظم خارج دوائر المنظمات الخيرية، وذلك كما في التطوع الفردي ومجموعات التطوع التي تنتشر بين أوساط الشباب، مضيفاً أنَّ التطوع غير المُنظم ينتشر بشكل أكبر في المملكة، وهو ما جعل الجمعيات الخيرية غير قادرة على استثمار المتطوعين بالشكل المطلوب. وبيَّن أنَّه في حال استثمرت الجمعيات الخيرية قدرات المتطوعين، فإنَّها يمكن أن تستفيد منهم في تطوير خدماتها وتسهيل التواصل مع المستفيدين بما يمنح هذه الجمعيات القدرة على فهم أدق لحاجات المستفيدين ويحقق حاجاتهم ويطور خدمات هذه الجمعيات، مؤكداً على أنَّ علاقة المتطوعين الوثيقة بالجمعيات الخيرية تمنحهم أفضيلة التواصل مع المستفيدين عن المتبرعين، موضحاً أنَّ معرفة الجمعية بهم وعلاقتها الجيدة معهم ستجعلهم جزءاً من الجمعية يحمل رسالتها ويُطبق مبادئها بشكل يتم فيه المحافظة على خصوصية المستفيدين. أثر الصدقة وأوضحت "نعيمة الزامل" - مديرة جمعية ود الخيرية بالخبر - أنَّه لا يوجد استغلال من قبل المتبرعين، كما أنَّ ذلك لا يمكن أن يحدث، مضيفةً أنَّ المتبرع حينما يطلب بعض المعلومات عن المستفيدين فهو لرغبته أن يرى أثر صدقته، مبيِّنةً أنَّ ذلك يأتي من باب الزيادة في الحرص ليشعر أنَّ ما يقدمه من صدقة قد وصل بشكل فعلي للفقراء والمحتاجين، مشيرةً إلى أنَّ عليه هنا أن لا يسأل عن أسماء أو عناوين المستفيدين، إنَّما يسأل عن أوضاعهم فقط. وأضافت أنَّ المتبرع يحرص على هذا الأمر نتيجة وجود من تصل إليهم الصدقات في الوقت الذي لا تسد فيه حاجتهم، وبالتالي فإنَّه من الممكن أن يسأل عن عدد أفراد الأسرة وعن العائل، من أجل أن يُقيِّم مدى حاجتهم، مضيفةً أنَّ المشكلة التي تواجه المستفيدين والجمعيات الخيرية على حدٍ سواء، هي إعانة تسديد إيجار المسكن، في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات حالياً وسط غلاء المعيشة الذي يعاني منه العديد من أفراد المجتمع. وأشارت إلى أنَّ تلك العوامل جعلت المستفيد هنا لا يملك المبالغ التي تؤهله دفع إيجار مسكنه حتى مع وجود بعض المساعدات التي يحصل عليها من قبل الجمعية الخيرية، موضحةً أنَّها قد لا تسد حاجته، لافتةً إلى أنَّ الجمعيات الخيرية في كثير من الأحيان لا تُقدِّم المال الذي قد يساعد على دفع الإيجار؛ لأنَّه ثبت لها –للأسف- وجود حالات لبعض الأسر التي يضغط فيها بعض الأبناء على أفراد أسرته أو والدته لينتزع منها المال الذي تُقدّمه الجمعيات الخيرية لهم، وذلك لأنَّهم قد يكونوا من منحرفيّ السلوك. دورات تدريبية وشدَّدت "نعيمة الزامل" على ضرورة أن يتوجه عمل الجمعيات الخيرية من مُجرد تقديم المال إلى تنظيم بعض الدورات التدريبية التي تزيد من فرص نموهم في المجتمع، سواءً في زيادة فرصهم الوظيفية أو وعيهم المجتمعي؛ من أجل أن يكون للمال قيمة أكبر من مجرد مساعدات تقدم، مبينةً أنَّ بعض المستفيدين يستلمون المساعدات العينة ويصرفونها في شراء الكماليات وليس الضروريات. دور الوسيط ولفت "عبدالله بن فرحان الفياض" -ناشط في العمل الخيري- إلى أنَّه لم يجد من خلال تجربته في العمل الخيري لأكثر من (15) عاماً حالات لمتبرعين حاولوا الوصول لمعلومات تخص المستفيدين من أجل استغلالهم، مضيفاً أنَّه وجد من يسألون عنهم بشكلٍ عام عبر السؤال عن عدد أفراد الأسرة ووضعهم المعيشي، وعن نسبة الفقراء في الحيّ الذي يسكنون فيه، قبل أن يطلبوا من الجمعية إيصال التبرعات لهم، مبيناً أنَّ الجمعية الخيرية عادةً ما تؤدي دور الوسيط بين المستفيد والمتبرع. وأكد على أنَّه لا يوجد أيّ نوع من التواصل بين الطرفين إلاَّ عبر الجمعية الخيرية نفسها، مرجعاً ذلك إلى أنَّ المستفيدين مؤتمنون لدى الجمعية، إلى جانب أنَّه من المفترض أن يقدِّم المتبرع صدقته دون أن يطَّلع على المعلومات والبيانات الخاصة بالمستفيدين، موضحاً أنَّ ما يحدث أحياناً هو العكس، إذ أنَّ المستفيد في هذه الحالة هو من يسعى لمعرفة الشخص الذي قدَّم له هذا التبرّع. وبيَّن أنَّ بعض أصحاب الديون من المستفيدين يحاولون في كثير من الأحيان الوصول إلى المتبرعين ليقضوا عنهم ما بذمتهم للآخرين من ديون، مؤكداً على أنَّ الجمعيات الخيرية حريصة على عدم إفشاء بيانات المتبرعين لأنَّهم مؤتمنون على ذلك، إلى جانب أنَّ بعض المتبرعين قد يتوقفون عن تقديم التبرعات حينما يتأكدون من أنَّ الجمعية سرَّبت بيانات أو معلومات عنهم؛ لحرصهم على أن تكون هذه التبرعات طيّ الكتمان.
مشاركة :