يبدأ مسلسل «فارغو» بالعبارات ذاتها التي استهل بها فيلم الأخوين كوين عام 1996 وحمل العنوان ذاته، أي إن القصة التي يقدمها حقيقية، وإن العمل الفنيّ ولمراعاته مشاعر الأحياء غيّر أسماءهم، ولوفائه لذكرى الأموات أصرّ على استخدام الأسماء الحقيقية. نعرف إن هذا من لعبة الأخوين مع المشاهد، أن القصة مُختلقة بالكامل، وإن الحقيقي فيها هو نقله لخواء الحياة نفسها والتي شكلت جزءاً أساسياً من مشروع الأخوين السينمائي، بالإضافة الى تركيزهما على الشخصيات غير المُحببة وهي تواجه تحديات كبيرة، تفشل غالباً في التغلب عليها، لتنتهي القصص دائماً مثلما بدأت بالفراغ نفسه يعود الى الحياة وإلى الشاشة. وعلى رغم البداية المتشابهة بين المسلسل التلفزيوني الجديد الذي تعرضه قناة «اف أكس» الأميركية وبين الفيلم، الا إنه سرعان ما يتبدى إن المسلسل يأخذ مساراً مختلفاً قليلاً، رغم احتفاظه بالإطار العام للشخصيات. فهناك البطل او «اللا بطل»، الذي عاش حياته كلها على هامش الحياة. هذا الرجل الذي تجاوز الأربعين بقليل يحاول أن يُصلح ما تبقى من حياته بالتخلص من زوجته التي كانت تذلّه. وهناك أيضاً المُجرم الغامض بالطباع الغريبة، والذي يصل إلى المدينة الصغيرة ويبدأ مجموعة من الجرائم غير المفهومة الدوافع. مع نهاية الحلقة الثانية من المسلسل يتبين إنه لا يريد ان يتبع خطى الفيلم. يُقال إن هذا شرط الأخوين كوين اللذين احتفظا بدور إنتاجي في المسلسل الجديد. فهذا الأخير قدم دور الشرطية، (قدمته الممثلة فرانسيس ماكدورماند في الفيلم، بتركيبة مختلفة) في بداية حياتها، فتواجه شكوكاً من الجميع بقدرتها على أداء عملها، حتى من والدها الطيب الذي مازال يحاول أن يغريها بالعمل معه في المطعم الصغير الذي يملكه، فيما كانت شخصية الشرطية في الفيلم إحدى ركائزه الأساسية، وواحدة من المرات النادرة التي يقدم فيها الأخوان كوين شخصية مُحببة من دون السخرية اللاذعة والسوداوية لمعظم شخصياتهما السينمائية. لم يعد العنف الكبير والمُفصّل الذي يقدمه المسلسل الجديد غريباً على كثير من مسلسلات التلفزيون الأميركي في السنوات الخمس الأخيرة. فهناك إتجاه عام يغلب على قنوات الكايبل في الولايات المتحدة بتفضيل ما يسمى مسلسلات البالغين، والابتعاد عن الأعمال الفنيّة التي تجمع الأسرة كلها، وكما تفعل قنوات التلفزيون الأميركي الكبيرة الشعبية (في إشارة الى تنوع المشهد التلفزيوني الأميركي الحالي وتوجهه الى فئات وأذواق مُتنوعة وابتعاده عن العموميات)، يتنوّع العنف في مسلسل «فارغو» من جسدي الى نفسي، يغوص أحياناً في مناطق مُرعبة بحثاً عن جذور الخوف الإنساني. لا يقطع المسلسل علاقته بالكامل مع الفيلم، لكنه في الوقت ذاته ليس امتداداً للفيلم أو توسيعاً للعوالم التي قدمها. هذا من شأنه أن يربك عشاق سينما الأخوين كوين الذين ربما يقبلون على المسلسل لاعتقادهم بإنه سيقدم من جديد القصص التي قدمها الفيلم، والذي يُعَّد اليوم من كلاسيكيات السينما المُعاصرة. في المقابل، تَعد بداية المسلسل بالكثير، للذين لم يعرفـــوا بعد الفيلم السينمائي، فهناك الأجواء القاتمة، ومجموعــة من الممــــثلين الممتازين الذي يقدمون شخـــصيات غريبة الأطوار، منفصلة عن حياتها او غارقـــة في العـــنف... هـــذا بالإضافة الى الكوميديا السوداء، وهي إحدى سمات سينما الأخوين كوين. تلفزيون
مشاركة :