استهل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان «عهده الثاني» رئيساً لـ«حزب العدالة والتنمية» الحاكم الذي عاد لقيادته بعد غياب 998 يوماً بتوجيه عدد من الرسائل للداخل والخارج، في مقدمتها التأكيد على الاستمرار في جهود مكافحة «حركة غولن» واستمرار حالة الطوارئ المعلنة عقب محاولة الانقلاب التي وقعت في منتصف يوليو (تموز) 2016 ومطالبة الاتحاد الأوروبي بعدم النفاق تجاه تركيا. وفي خطاب دام أكثر من ساعتين في المؤتمر العام الاستثنائي الثالث لـ«حزب العدالة والتنمية» تم تقديمه فيه مرشحاً وحيداً لرئاسة الحزب في تطبيق مبكر للتعديلات الدستورية التي أقرت في الاستفتاء الشعبي الذي شهدته تركيا في 16 أبريل (نيسان) الماضي والتي سمحت لرئيس الجمهورية بالاحتفاظ بصلته بحزبه السياسي، استعرض إردوغان مسيرة الحزب الذي يقود تركيا منذ 15 عاماً والإنجازات التي تحققت في مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم والخدمات والمرافق المختلفة للدولة. وقال إردوغان، الذي صوت لصالح رئاسته للحزب 1414 من مندوبي الحزب، خلال المؤتمر الذي أقيم في استاد رياضي بالعاصمة أنقرة وسط إجراءات أمنية مشددة بحضور نحو 60 ألفاً من أعضاء الحزب في جميع محافظات تركيا: «ها نحن معاً من جديد بعد 998 يوماً (ثلاثة أعوام تقريباً)، حيث نبدأ بداية جديدة لعمل دؤوب أكثر من أجل أهداف أكبر»، واصفاً «حزب العدالة والتنمية» بأنه ضمانة الديمقراطية والتغيير، وعنوان الإصلاح في تركيا. وأكد إردوغان الاستمرار في مكافحة «حركة الخدمة» أو ما سماها «منظمة غولن الإرهابية»، في إشارة إلى الداعية التركي المقيم في أميركا منذ عام 1999 الذي يتهمه بتدبير محاولة الانقلاب وعدم التسامح مع عناصرها مهما تكن درجة القرابة والصلة. وتابع إردوغان: «تركيا ماضية بخطى واثقة للتخلص من المنظمة الإرهابية الانفصالية (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني) وتنظيم داعش وحركة غولن». وتوعد حزب العمال الكردستاني وداعميه بمزيد من الضربات الموجعة، مشيراً إلى أن الحزب فشل في تحقيق أهدافه في الداخل التركي، ويعمل حالياً على تحقيق تلك الأهداف في دول الجوار (في إشارة إلى سوريا والعراق). ورداً على انتقادات الجهات الداخلية والخارجية التي تطالب بإلغاء حالة الطوارئ المعلنة في البلاد على خلفية المحاولة الانقلابية الفاشلة، قال إردوغان: «في فرنسا أعلنوا حالة الطوارئ لمدة عام بسبب مقتل 15 شخصاً، ونحن قدمنا 249 شهيداً، فضلاً عن إصابة ألفين و193 من مواطنينا في محاولة الانقلاب الفاشلة، بأي وجه تطالبون بإلغاء حالة الطوارئ؟ ستستمر هذه الحالة حتى عودة الأمور إلى طبيعتها». وحول علاقات أنقرة بالاتحاد الأوروبي والتوترات الأخيرة التي شابت تلك العلاقات، أكد إردوغان أن «أنقرة ليست مرغمة على تحمل نفاق الاتحاد الأوروبي، بعد أن وصل الأمر بهم للضرب بكرامة تركيا وشعبها عرض الحائط (...) إما أن يوفي الاتحاد الأوروبي بوعوده حول إعفاء مواطنينا من تأشيرة الدخول، ويرسل المساعدات التي تعهد بها للاجئين، ويزيل العراقيل أمام مفاوضات العضوية، أو يمضي كل في طريقه». وأشار إردوغان إلى أن بلاده تفضل إكمال الطريق مع الاتحاد الأوروبي، رغم كل التوترات التي تشوب علاقات الطرفين، لافتاً إلى أن القرار في هذا الخصوص عائد إلى الاتحاد نفسه. وعن خطط وأهداف «حزب العدالة والتنمية» خلال الفترة المقبلة، قال إردوغان: «هدفنا الحالي هو تجديد كوادر حزبنا بسرعة حتى نهاية العام الحالي مع مؤتمرنا الاستثنائي الكبير هذا، وبعد ذلك سنعلن لشعبنا عن خارطة طريق مدتها 6 أشهر». وكان مندوبو «حزب العدالة والتنمية» قد قدموا إردوغان أمس مرشحاً وحيداً لرئاسة الحزب، وقال رئيس ديوان المؤتمر، حياتي يازجي، إن إردوغان ترشح لمنصب رئاسة الحزب بعد أن حصل على تأييد ألف و370 مندوباً، صوت 1414 منهم لصالحه. وبذلك أصبح إردوغان رئيساً للحزب اعتباراً من يوم أمس ليعيد إلى تركيا صيغة «الرئيس الحزبي» التي انتهت مع دستور عام 1982، وليدشن النظام الرئاسي الذي يعطي جميع الصلاحيات التنفيذية لرئيس الجمهورية ويلغي منصب رئيس الوزراء. كما ارتسمت أمس ملامح التشكيل الجديد للجنة المركزية ومجلس القرار بالحزب، حيث قدمت قائمة من المرشحين ضمت في المقدمة رئيس الوزراء بن علي يلدريم نائباً لرئيس الحزب وكل من عبد الحميد غل. وخرج من التشكيل كل من ويسي كايناك (نائب رئيس الوزراء) ومحمد مؤذن أوغلو (وزير العمل والتضامن الاجتماعي الحالي) وياسين أقطاي (المتحدث باسم الحزب) وشعبان ديشلي (نائب رئيس الحزب للشؤون الاقتصادية الذي كان شقيقه محمد ديشلي أحد كبار قادة محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو 2016) وغالب أنس آري أوغلو، وسما رمضان أوغلو. ويعد دخول وزير الطاقة والموارد الطبيعية برات البيراق، وهو زوج ابنة الرئيس إردوغان، أبرز ما لفت انتباه المتابعين للمؤتمر. وقالت مصادر بالحزب إن الفترة المقبلة ستشهد تغييرات أخرى في الكوادر الفاعلة في مختلف مستويات الحزب استعداداً للانتخابات المحلية التي ستجرى في مارس (آذار) 2019 والتي ستعقبها الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، حيث سيجريان معاً في اليوم نفسه، بحسب التعديلات الدستورية. وفي كلمة في افتتاح أعمال المؤتمر الاستثنائي الثالث للحزب أمس، أعرب رئيس الوزراء بن علي يلدريم ترحيبه بتسليم رئاسة حزب العدالة والتنمية مجدداً إلى زعيمه المؤسس، رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان. وقال: «اليوم لا نعقد مؤتمرنا الاستثنائي فقط، بل نجمع بين قائد التغيير وحزب الأمة بأكملها مرة أخرى». وتطرق يلدريم في كلمته إلى مكافحة الإرهاب قائلاً إنه «لا توجد دولة على وجه المعمورة، عدا تركيا، تكافح 3 منظمات إرهابية على الأقل في آن واحد... وكل من يدعم الإرهاب خسارته محتومة». ولفت إلى أن عملية «درع الفرات» التي أطلقتها تركيا في سوريا لتطهير الشريط الحدودي من الإرهابيين، أسهمت في الحفاظ على حياة المواطنين الأتراك وسلامة ممتلكاتهم، مضيفاً: «نضالنا في المنطقة لم ينتهِ بعد، ولا يمكن الوصول لتفاهم أو وضع سياسات حول المنطقة بمعزل عن تركيا». وأسس إردوغان حزب العدالة والتنمية عام 2001، وتولى قيادته حتى 2014، حين استقال منه بسبب ترشحه لرئاسة البلاد، بموجب الدستور، الذي كان ينص على حيادية الرئيس وعدم انتسابه لأي حزب سياسي، قبل التعديلات الأخيرة. وانفرد الحزب بقيادة تركيا منذ أول انتخابات خاضها عام 2002 حتى الآن، ومر خلال هذه الفترة بكثير من التغيرات وتعرض لضغوط أشار إليها إردوغان ويلدريم أمس في كلمتيهما، حيث كانت هناك محاولة لإغلاقه في عام 2008. كما غاب عن المؤتمر أمس كثير من المؤسسين الذين رافقوا إردوغان في مسيرته من البداية، وأبرزهم رئيس الجمهورية السابق عبد الله غل ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينتش.
مشاركة :