في سياق المسيرات الجنائزية يمكن للجمهورية الإسلامية في إيران أن تستمر. وهو السياق الذي وضع مؤسسها الإمام الخميني مخططه ولا يزال الأمينون على بقاء خط الإمام حريصين على ترسيخه.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/05/22، العدد: 10640، ص(8)] إيران لن تتغير. ألأنها قوية؟ بل لأنها لا تقوى على التغيير. إن تغيرت كوريا الشمالية، وهو أمر يصعب تخيله في ظل هيمنة الحكم الشمولي هناك، فلن تتغير إيران. لا أحد من غير أعدائها يمنّي نفسه بأن تقوم إيران بنفسها بذلك. أما أعداؤها فإنهم يتمنون لها أن تبقى كما هي إلى الأبد. الدولة الدينية الوحيدة في عالمنا لا يمكن أن تفهم الكثير من القيم والمفاهيم السياسية والثقافية والاجتماعية المعاصرة. وهو ما ييسر على الكثيرين نبذها وإهمالها ورميها خارج قانون العلاقات الطبيعية. هي دولة اختصاصها الأزمات. خارج الأزمات لا أثر لذكرها. في سياق المسيرات الجنائزية يمكن للجمهورية الإسلامية في إيران أن تستمر. وهو السياق الذي وضع مؤسسها الإمام الخميني مخططه ولا يزال الأمينون على بقاء خط الأمام حريصين على ترسيخه. إيران ليست رئيسها ولا نظامها السياسي الذي قُدر له ذات مرة أن يتفاوض مع العالم في شأن ملفها النووي. حتى المرشد الأعلى الذي يعتقد الكثيرون بأن موته سيعيد لإيران قدرتها على مواجهة استحقاقات التغيير فإنه لا يشكل رقما صعبا لا يمكن تعويضه. لقد حل خامنئي محل الخميني بيسر وسيحل آخر بطريقة سلسة محله. لقد تم استضعاف المجتمع المدني في إيران لكن من غير أن يجري تدميره نهائيا. كان الحد الأدنى من حيوية ذلك المجتمع ضروريا من أجل ألا تغلق المؤسسة الدينية الأبواب على نفسها. لذلك فإن ما يراه زوار العاصمة طهران لا يمثل، بالرغم من كآبته، حقيقة الوضع الرث الذي تعيشه البلاد. إيران الحقيقية التي تقاوم التغيير بل وتحاربه بقوة لا تقيم في طهران ولا في عقول نخبها السياسية والثقافية المسحوقة، بل في المحافظات والبلدات والقرى البعيدة، وقبلها في السوق. لم ينتصر الخميني على الشاه بقوة الجماهير، بل بدهاء البازار والفقراء. من جهة أخرى فإن شيئا في تربية الإيرانيين الدينية يجعل من إمكانية تخيل إيران خالية من آيات الله أمرا مستحيلا. فالإيراني العادي حتى وإن كان لا يقبل عقليا بما يفرضه رجال الدين فإن مزاجه لا يعارض خرافاتهم. إيران هي ابنة تلك الخرافة التي نشأت من الشاهنامة لتصنع تاريخا أصر الإيرانيون على أنه حاضنة لحضارتهم، بالرغم من كل ما رافق ذلك التاريخ من تلفيق وسرقة لمنجزات حضارة وادي الرافدين. سواء كان الإيرانيون على خط الإمام الخميني أم كانوا ضد ذلك الخط فإن تراثهم من الخرافات الشيعية والفارسية هو بالنسبة إليهم شيء مقدس لا يُمس. هو سرهم الذي يعصى على التفسير. ذلك الاستسلام غير الواعي سواء من قبل المتعلمين وغير المتعلمين استفاد منه آيات الله لتكريس وترسيخ وتجذير وجود دولتهم التي لا يظهر منها إلا الشيء القليل. وإذا ما كان الشارع الإيراني منقسما بين متشددين أكثر ومتشددين أقل، وإصلاحيين بعمائم وإصلاحيين من غير عمائم، فما ذلك الانقسام إلا واحدا من مظاهر الحكم التي تجسد ديمقراطية مسيطرا عليها. ولو لم تكن كذلك لما قبلت بوجودها وتداول مفرداتها دولة آيات الله. الدولة العميقة في إيران هي ليست تلك التي ورثها الإيرانيون من عهد الشاه، بل هي الدولة التي أسسها الخميني وعرف كيف يحجبها عن الأنظار مع الإعلان عن قوتها المسلحة الضاربة المتمثلة بالحرس الثوري الذي تمتد أذرعه في نواحي الحياة المختلفة من ثقافة واقتصاد وتعليم وتصنيع وإدارة خدمات. ليس الحرس الثوري الإيراني مؤسسة عسكرية تقليدية، بل إن لها حضورا في كل قرار تتخذه الحكومة. إنها الصانع والرقيب الذي كلفته المؤسسة الدينية للحفاظ على الخطوط الحمراء. إيران دولة منبوذة لأنها لا تحضر إلا من خلال مآسي الشعوب الأخرى مساهمة في الخراب كما هو الحال في سوريا والعراق. وهو ما تحرص عليه. ذلك لأنها من غيره ستفقد التزامها بخط الإمام وهو ما لا يمكن تخيل وقوعه. كاتب عراقي فاروق يوسف
مشاركة :