جيوب العراقيين خاوية قبل حلول رمضاناعتاد العراقيون على استقبال شهر رمضان بحيوية وفرح، ورغم حر الصيف واشتعال أسعار المواد الغذائية الأساسية التي لا تغيب عن المطبخ العراقي، فإن موعد الإفطار والسهرة ينسيان الصائمين عناء اليوم والظروف الاقتصادية الصعبة.العرب [نُشر في 2017/05/23، العدد: 10641، ص(20)]الحكمة سيدة ميزانية العائلة بغداد - لشهر رمضان في العراق نكهة خاصة حيث تبدأ التحضيرات له قبل بدايته بأيام، فيقوم الناس بشراء المواد الغذائية التي يحتاجونها لتحضير وجبات الإفطار والسحور، والتي عادة ما تكون متنوعة تشمل المواد الغذائية الأساسية والحلويات والعصائر التي تجهز في أكثر الأحيان في البيت. وبدأت العائلات العراقية منذ أيام الاستعداد لشهر الصيام، وكثرت الحركة في سوق الشورجة المعروفة في بغداد لشراء احتياجاتها من المواد الغذائية الأساسية لكي لا يضطر رب العائلة للتسوق اليومي في فصل الصيف الحار. وتتنوع مائدة العراقيين في رمضان فتبدأ بشوربة حساء العدس واللبن البارد والتمر، ثم البرياني والمقلوبة ومرقة الباميا والدليمية والدولمة والكبة الحلبية، ولا تغيب الحلويات وأشهرها البقلاوة والزلابية. العراقيون وخاصة من الطبقات المتوسطة والفقيرة يخافون كل رمضان من ارتفاع الأسعار الذي يرهق جيوبهم ويستنزف أموالهم القليلة، وكان ارتفاع الأسعار هذا العام أكثر من توقعاتهم بسبب توقف العديد من المنافذ الحدودية عن العمل، وشح المنتوج المحلي وتغول الجهات المهيمنة على السوق وغياب الرقابة الحكومية. غلاء فاحش تشكو أم هادي، ربة أسرة تتكون من طفلين وزوج، من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية التي تعتمدها لطبخ الشوربات السائلة التي يحتاجها الصائم. وقالت أم هادي التي قدمت مع زوجها إلى سوق الشورجة المزدحمة لشراء ما تحتاجه من المواد الغذائية “يحتاج الصائم في شهر رمضان إلى أنواع خاصة من الطعام والشراب، لذلك أنا هنا من أجل شراء ما أحتاجه لعائلتي خلال هذا الشهر، فالطقس الحار خلال النهار يصيبني بالكسل”. وأضافت أنها من عائلة ميسورة وتستطيع شراء ما تحتاجه، لكنها تؤكد أن أسعار الأغذية هذه السنة سترهق العائلات الفقيرة، داعية التجار إلى عدم استغلال هذا الشهر لرفع أسعار المواد الأساسية لتحقيق الأرباح على حساب الفقراء.البقلاوة والزلابية والشعرية والكنافة والبرمة وعش العصفور حلويات برع البغداديون في صناعتها لسهرة رمضان وتطالب المسؤولين المعنيين بالرقابة الصارمة وبعدم التلاعب بالأسعار، مشددة على أن “ليس هناك أي رقابة ملموسة ومحاسبة للمتلاعبين المخالفين، وبالتالي تمكن التجار من رفع أسعار المواد الغذائية”. ومن أهم العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق هو فتح المجال أمام التجار من قبل الجهات المتنفذة لتصل المواد إلى أعلاها خلال شهر رمضان، الأمر الذي يشكل عبئا ثقيلا على المواطن في ظل الأزمة المالية التي تعيشها البلاد. ويقول المواطن سامر الأحمدي إن الأسواق تشهد ارتفاعا كبيرا في أسعار الخضروات والفواكه وبقية المواد التي يعتمد عليها المواطن في الحياة اليومية، مبينا أن أغلب العائلات أصابها التذمر والحيرة، خصوصا أن شهر رمضان على الأبواب ويحتاج سلة غذائية كاملة للصائمين. ويحمّل سامر الحكومة مسؤولية ارتفاع الأسعار غير المقبولة، متهما إياها بترك الشعب بلا قوت يومي أو مصدر رزق، قائلا إن “الشبعان لا يدري بحال الجوعان”. ورغم أن بعض العراقيين يلقون بمسؤولية ارتفاع الأسعار على التجار ويتهمونهم بالاستغلالية وعدم تشجيع الإقبال على الشراء، يرفض أصحاب المحلات هذه الانتقادات ويحملون الأوضاع الأمنية والظروف التي يمر بها العراق مسؤولية ذلك. ويقول أحمد عباس وهو صاحب محل لبيع الخضار والمواد الغذائية ”إن الحالة الأمنية هي السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار لأن السائقين الذين ينقلون الخضار قللوا من تنقلاتهم خوفا من عدم الاستقرار الأمني”. ويقول شاكر أبوحسن صاحب محل لبيع المواد الغذائية “إن سبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية يعود إلى المستوردين الكبار الذين رفعوا من أسعار الجملة، لذلك نحن بدورنا نقوم برفع أسعار التجزئة التي يتحملها المستهلك”. وأوضح أبوحسن أن المستوردين الرئيسيين يبررون سبب ارتفاع الأسعار بإجراءات السيطرة النوعية، التي اضطرت التجار إلى إدخالها من مناطق أخرى ونقلها برا إلى المدن للتخلص من الإجراءات الروتينية. وأكد أن انخفاض أسعار السلع وخاصة المواد الغذائية يساهم في انتعاش حركة البيع والشراء، لأنه كلما تكون الأسعار منخفضة كلما يرتفع عدد الزبائن أكثر، وبذلك يحقق صاحب المحل أرباحا أكثر. وتشكو ثريا، ربة أسرة متكونة من ثمانية أطفال، “زوجي يعمل بالأجرة، وغلاء الأسعار سيجعلنا في مأزق كبير، لا سيما أن رمضان على الأبواب، وبعده عيد الفطر.. غلاء الأسعار أجبرنا في السابق على إخراج ابننا البكر من المدرسة وأخاف أن نجبر على إخراج الآخرين لصعوبة تأمين حاجياتهم”. عادات رمضانية جميلة ويتمسك البغداديون وكل أهل العراق بأطباقهم التي اعتادوا عليها في رمضان رغم الظروف الاقتصادية الصعبة. وتشتهر مائدة رمضان بالأطباق البغدادية كالدولمة والشيخ محشي والسمك المسقوف والمقلوبة والدليمية والهريسة. ويقول أبوسحر الذي يعمل خياطا بأجر يومي إنه رغم قلة عائده المادي، إلا أن مائدة رمضان في بيته تزخر بالأطباق الشهية التي تحرص زوجته على طبخها والمحافظة على إرثها. ويضيف أن اللحم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة أشبه بالمعجزة، لكن النساء يتحايلن على الأطباق الخاصة باللحم ويستمررن في طبخها وتزيين مائدة رمضان بها. ويعتبر طبق الشيخ محشي من الأطباق التي تحرص العراقيات على طبخه لتنوعه وامتلائه بأنواع مختلفة من الخضار كالخيار والبطاطا والبصل والطماطم والباذنجان تحشى بالرز واللحم والكشمش وأنواع البهارات والمقبلات.المائدة تجمع العائلة أما طبق السمك المسقوف، فقالت أم سحر زوجة الخياط أن العراقيين غالبا ما يأكلون هذا الطبق في مطاعم أو يجلبونه جاهزا إلى المنازل. فالسمك الذي يسقف على الجمر، ومن هنا أخذت تسميته، كان ولا يزال علامة مميزة من علامات مطاعم شارع أبونواس الواقع على ضفاف نهر دجلة وساحة ميسلون، حيث يصطف الصائمون أحيانا للحصول على وجبتهم الشهية من تلك المطاعم قبل وقت الإفطار. وكما تشتهر بغداد بالسمك المسقوف، فالطرشي النجفي (المخلل) المصنوع في مدينة النجف ركيزة لا يمكن تجاوزها في تاريخ الأطباق العراقية في رمضان، حيث لا تجد مائدة إفطار تخلو من ذلك الطرشي. ومن الحلويات التي يكثر تناولها في رمضان الكريم أصناف عدة، حيث تقدم في الغالب بعد الإفطار منها البقلاوة والزلابية والشعرية والكنافة وزنود الست والبرمة وعش العصفور، وكلها حلويات برع البغداديون في صناعتها. وتقدم الحلويات أيضا للضيوف وتستمر الزيارات بين الأهل والأصدقاء ثم تبدأ السهرة حتى موعد الإمساك. أما في السحور، فيتم عادة تناول مأكولات خفيفة مثل قطعة خبز مع جبنة مع شاي خفيف أو بقلاوة أو كنافة. ومن بين العادات الرمضانية العراقية المعروفة، تبادل الأكلات بين الأهل والجيران، حيث تقوم كل عائلة بإرسال طبق معين من الأكلات إلى جيرانها، وإزاء ذلك يقوم الجيران بمبادلتها مما جادت به مائدتهم في الطبق نفسه، لأنه من العيب أن يرجع الطبق فارغا عند العراقيين. وتكثر الزيارات التي تتبادل فيها الدعوات على وجبة الإفطار، التي من شأنها زيادة الألفة والمحبة بين العائلات العراقية. وفي السهرة ينطلق الأطفال في الطرقات يتغنون بالنشيد البغدادي المعروف “ماجينا يا ماجينا حل الكيس وأعطينا”، أما الشباب فإنهم يمارسون لعبة المحيبس المعروفة في العراق التي تستمر حتى الفجر. ومن الشخصيات الرمضانية الشهيرة التي تجوب الحارات والأحياء الشعبية، منذ المئات من السنين، أبوطبيلة أو “المسحراتي” الذي يعرفه البغداديون منذ أجيال عديدة، فهو الشخص الذي يجوب الشوارع والأزقة لإيقاظ الصائمين وقت السحور بضربات طبله المتتالية المتزنة الإيقاع.ومن المسحراتيين من يلجأ إلى استخدام آلات أخرى مثل الدف والصنجات أو حتى القرع على علب الصفيح الفارغة. وهذه المهنة هي مهنة تطوعية عادة، ومع ذلك يطوف الكثير ممن يعملون بها في رمضان على البيوت، بعد انتهاء شهر رمضان أو في أول أيام عيد الفطر، ليحصلوا على ما تتبرع به العائلات من مال وحلويات. المحيبس لعبة السهرة من طقوس رمضان في العراق انتشار لعبة المحيبس التراثية التي تختفي بحلول العيد، فلا يعود لهذه اللعبة أي ذكر، على الرغم من كونها لعبة ممتعة تستغرق وقتا طويلا.وتبدأ هذه اللعبة بعد الفطور لتستمر حتى السحور، وفي بعض الأحيان إلى الصباح، فهي لا تُحدد بوقت بل بعدد النقاط. وتستهوي هذه اللعبة الآلاف من العراقيين من لاعبين ومشجعين، وتمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ المئات من السنين، واشتهرت في الأحياء البغدادية القديمة كالكاظمية والأعظمية والجعيفر والرحمانية، حيث تقام مباريات بين أبناء المنطقة الواحدة، وبين المناطق المتجاورة مثل المباريات التي تقام كل عام بين منطقة الكاظمية ومنطقة الأعظمية. وتتكون اللعبة من فريقين؛ كل فريق يتكون من عدد من الأشخاص قد يتجاوز العشرين، ويجلس الفريقان بصورة متقابلة، في شكل صفوف، ويقوم أحد أشخاص الفريق الأول بوضع خاتم (محبس) بيد أحد أشخاص فريقه، ويتم اختيار أحد الأشخاص من الفريق الآخر ليعرف مكان الخاتم، ويتم تسجيل النقاط لكلا الفريقين بحسب عدد المرات التي تمكن خلالها من معرفة مكان الخاتم، والفريق الذي يحقق الحد الأعلى من النقاط (21 نقطة) هو الفائز. ومن طقوس هذه اللعبة أن يتناول الفريقان والجمهور بعد انتهائها بعض الحلويـات العراقيـة المعروفـة التي يدفع ثمنها أحد الفريقين. وفي الثلث الأخير من شهر رمضان يبدأ الناس بالاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك، من خلال تزيين البيوت لاستقبال المهنئين من الجيران والأقارب والأصدقاء، وتقوم ربات البيوت بصنع الحلويات والمعجنات خاصة “الكليجة” لتقديمها مع العصائر للضيوف، حيث يبدأ التزاور بعد صلاة العيد.
مشاركة :