ألقى عليّ الحمام الزاجل لمواقع التواصل كـ"الواتساب" و"التويتر" وغيرها مقطعا لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك جاء في سياق برنامج أصحاب السلطة، مقطعا عنوانه "وهل يخفى القمر" ومضمون سطوره غيوم سوداء غطت صفحة وجه كل قمر، مصداقية شاهدتها أو سمعت عنها أثناء اطلاعي على علوم فلك الحقيقة! المقطع إياه كان مبتور المعنى، قُطعت أرجل ثوانيه بسبب غرغرينا إعلام فاسد لوثت مبادئنا، كان مقطعا كسيحا يزحف على أرض غاية ما، تبرر وسائلها بدم كذب على قميص نقدها، مقطعا زاحفا بين مستنقعات كنا نرفع أثوابنا عنها قبلاً اتقاءً لأوساخها فصرنا اليوم نخوض فيها من قمة رأسنا حتى أخمص قدمينا! سأل الصديق عثمان العنجري ضيفه عن الشعر فأجاب رئيس الوزراء بقصيدة لعمر بن أبي ربيعة، قصيدة عنوانها "وهل يخفى القمر"، ذكر الضيف العنوان ثم أنشد الأبيات بلغة عربية سليمة، هذا هو سياق المقطع كاملا، ولكن قطار وسائل النشر توقف فجأة عند محطة "وهل يخفى القمر"! ليصدر فرامله صوتا مزعجا ملأ صخبه سهول مواقع تواصلنا، فترك القطار كل سكة حديد باقي الإجابة وراء ظهره، والنتيجة أن رحلة المصداقية هنا لم تكتمل، ومولاتنا المصداقية قاض لا تحركه العواطف ولا يجري وراء أوهام "اللي تكسب به العب به" شعار السوشيال ميديا الجديد والمهترئ إن صح التعبير. كنا قبلاً كحراك نلوم خصومنا عند إتيانهم حديثا مقتطعا لنا أو تغريدات مفرومة بخلاط التصيد ليلصقوا بنا التهم، كنا نغضب عندما يتهم أحدنا بشيء صغير انتُزع من حضن أمهات سياق معانيه، كنا نتهم خصومنا باجتزاء الكلام وإبعاده عن مضارب مقاصده ليعاني وحيداً غربة الفهم، واليوم صرنا توءماً لمن نخاصمه نقطع رحم "مصداقيتنا" بأيدينا، ونتهم خصومنا بما لم يقوموا به، وأمام واقع مؤسف كهذا لا يسعني سوى القول "ارتقوا شوي" يا قومنا وكفاكم لعبا بـ"كتالوج" أخلاقنا وعبثا بمواد نقاء مبادئها. اللقاء كاملا كان سوقا يستطيع الحراك أن يتخير من رفوفه بضائع النقد كما يشاء ويشتهي، وكنت سأقول وقتها هنيئا مريئاً لكم يا مستهلكي حراكنا، وحفظتكم معاني الدستور ومواد حرياته، ولكن ترك كل جمل "الحوار" بما حملت والبحث كالأطفال عن أرفف الحلويات و"البفك" و"الشيبس" فقط لإسعاد طفولة معارك مصداقية وهمية نخوضها، هو منهج لا يصح! ما آلمني أكثر هو استغلال بعض الأقلام الخارجية لهذا المقطع المبتور وجعله حصان طروادة لهدم أسوار سمعة الكويت ذاتها، تغاريدهم كانت تخفي مقاصد تقصّد واضح في بطن مشاعر نجسة نعرفها ولا نثق بها، وأقول لهؤلاء من "مشافيح التصيد": لا... لن يخفى قمر الكويت أبداً، وإن كان قمر تجربتنا الديمقراطية يخفى عليكم فجربوا أن تفعلوها مع مسؤوليكم، ثم لنرى بعدها هل ستنامون في بيوتكم بسلام أم سيكون القمر المخفي آخر همكم أثناء رحلتكم لما وراء شمس مجرة النجوم في عز الظهر؟! ولا يضر رئيس وزرائنا الاستشهاد بشعر ابن أبي ربيعة، فعبدالله بن عباس، رضي الله عنه، أنشد قصيدته في مجلسه بمكة: أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِرُ غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ تَهيمُ إِلى نُعمٍ فَلا الشَملُ جامِعٌ وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القَلبُ مُقصِرُ والاستشهاد بشعر الغزل ليس محذورا كما تعتقد قلوبكم المريضة بجلطات الحسد، فهذا الحسن البصري يستشهد بأحد مجالسه بقول الشاعر: اليوم عندك دلّها وحديثها وغداً لغيرك كفّها والمعصم كما أنشد عروة بن أذينة شيخ الإمام مالك: إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤَادَكَ مَلَّها خلقت هواكَ كما خلقتَ هوىً لها وغيرهم كثير ولكن: كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ.
مشاركة :